لندن – “القدس العربي”:
نشر موقع “ناشونال إنترست” مقالا لألكسندر لانغلويس قال فيه إن حاكم المصرف المركزي في لبنان رياض سلامة أصبح وجه مشكلة الفساد في لبنان.
وأضاف أن السرد العاثر الذي علم لبنان منذ وجوده هو عن الفساد والنزاع وتوج في أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية يعيشها البلد. ففي 6 أيار/مايو قررت فرنسا إصدار بلاغ للقبض على سلامة ومعاونين له وتبعه بلاغ ألماني مماثل في 23 أيار/مايو بتهم غسل الأموال والغش قبل أشهر من مغادرته منصبه بعد ثلاثين عاما كحاكم لمصرف لبنان. لكن قراري باريس وبرلين ليسا نهاية الطريق لحل مشكلة الفساد العميق لسلامة أو بيروت.
بل ويمثلان التشكك المتزايد داخل المجتمع الدولي من النخبة اللبنانية وقدرتها على الحكم بطريقة تكنوقراطية وفاعلة. وفرنسا ولبنان هما دولتان من عدة دول تقوم حاليا بالتحقيق حول حاكم البنك المركزي، فهناك سويسرا وليخنتشيان ولوكسمبرغ تحقق مع سلامة بقضايا مماثلة وتتعلق بغسل الأموال والغش. وتركز كل التحقيقات على كل أو جزء من عملية تحويل 300 مليون دولار أمريكي للبنوك الأوروبية من لبنان عبر المصرف المركزي والذي استخدم عددا من الممتلكات والأصول. ويؤكد المحققون وخبراء مكافحة الفساد على أن الأموال تعود على الأرجح للشعب اللبناني. وبناء على هذه التحقيقات قامت فرنسا وألمانيا ولوكسمبرغ بمصادرة أصول قيمتها 130 مليون دولار في بداية آذار/مارس 2022.
وذكرت الصحافة السويسرية أن هناك ما بين 300- 400 مليون دولار مختلسة في 12 بنكا سويسريا. ويقوم لبنان بالتحقيق مع سلامة رغم المقاومة السياسية في البلد ومن النظام القضائي المذعن. وقامت القاضية غادة عون المعروفة بشجاعتها داخل دوائر مكافحة الفساد بتوجيه تهم الإثراء غير الشرعي لسلامة بداية عام 2022. وبعد عام من الأخذ والرد من المساءلة والتعطيل قام مجلس الضبط القضائي اللبناني بعزل عون من منصبها.
واستأنفت ضد القرار بشكل جعلها تستمر في المنصب حتى اليوم. ونفى سلامة كل التهم ضده، سواء في لبنان أو الخارج. ونفى شقيقه، رجا ومساعد سابق التهم الموجهة إليهما وأنهما ساعدا في إخفاء الأموال في أوروبا. وفي الوقت الذي شارك فيه الثلاثة بجولات تحقيق في لبنان وأوروبا إلا أنهم عرقلوه عدة مرات بمساعدة المسؤولين في لبنان. مثلا، منحت محكمة النقض اللبنانية سلامة وموظفا في المصرف المركزي حصانة قانونية واسعة في أيلول/سبتمبر 2022، وحمتهما من التنظيمات المصرفية اللبنانية التي لا تطبق بشكل جيد.
وتذرع سلامة ومن معه بحجج صحية وانتهاكات للسيادة اللبنانية لتجنب جلسات استماع بلغت ذروتها برفضه في 15 أيار/مايو حضور أو الاعتراف بحق المحققين والذي قاد لمذكرتي إلقاء القبض الفرنسية والألمانية. وبدلا من التعامل مع مذكرة القبض الحمراء الصادرة عن إنتربول، أصدر المسؤولون اللبنانيون حظرا لسفر سلامة.
وأعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن دعمه لسلامة ملمحا إلى أنه سينهي فترة حتى تموز/يوليو نظرا لعدم وجود بديل حقيقي له. وعلينا الملاحظة أن ميقاتي وشقيقه طه تربطهما علاقة بالنظام المصرفي اللبناني وروابط بتحويلات مالية سهلها رجا سلامة ما بين لبنان وأوروبا، وهو ما أشار إليه تحقيق لحكومة موناكو. وبالمقابل طالب آخرون في لبنان، مثل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله باستقالة سلامة، ولا يسمح القانون اللبناني بترحيل مواطنين لبنانيين. ويجد سلامة نفسه أمام مأزق لكنه لا يزال محميا من الطبقة اللبنانية الحاكمة.
وبالنسبة لرموز مثل نصر الله، فسلامة فاكهة ناضجة متدلية من السهل نقدها علنا، ومن أجل حرف النظر عن أفعال الفساد للحزب ومشاركته في حكومة تقع في مركز عفن البلاد. ويرى ساسة آخرون أن سلامة يمثل هدفا سهلا وكبش فداء.
والسؤال إن كان هذا سيحرف النظر عن فشل الحكومة في بيروت داخل البلاد، وفي ظرف بات فيه المجتمع الدولي يرى أن النخبة الحاكمة هي أصل البلاء وسبب الانهيار البطيء للبنان. وسيكون من الخطأ اعتبار المجتمع الدولي سلامة المصدر الرئيس لمشكلة الفساد في البلاد أو أنه انتصار سهل لتأخير المشاكل الجذرية للمستقبل. وفي الوقت الذي كان فيه مهندس عملية تبادل العملة أو خطط بونزي فخروجه من المصرف المركزي لن يحل مشاكل الفساد في البلاد، لأنه يظل لاعبا من ضمن عدة لاعبين يقومون بسرقة الشعب اللبناني.
وفي النهاية، فإصلاحات حقيقية مثل معالجة قضايا السرية للبنوك والسيطرة على رأس المال واستقلال القضاء ستترك أثرا حقيقيا على لبنان وحل مشاكله الطويلة. وحتى تحقق الإصلاحات هدفها يجب أن يتم تبني إجراءات محاسبة تمضي بالتوازي مع الإصلاح. لكل هذا يجب جعل سلامة مثالا في المستقبل القريب لمن قاموا بنهب لبنان على حساب الناس العاديين.
ولكن سلامة لن يكون بداية النهاية لهذه الجهود. ويمكن لقادة العالم دعم الجهود لو اعتبروا لبنان أولوية. ومن ذلك دعم خطة إصلاحات صندوق النقد الدولي من خلال الجزرة والعصا لإغراء قادة بيروت وتقوية المعارضة المستقلة. وأهم من كل هذا يجب دعم جهود أوسع لمكافحة جماعات المصالح الفاسدة التي أصبحت علامة على النظام النيولبيرالي وقوى اللاعبين الفاسدين حول العالم.