نيويورك تايمز: سعيد استولى على كل شيء وأخذ من التونسيين أهم إنجاز حققته ثورتهم

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لفيفيان يي قالت فيه إن التونسيين يندبون الحرية التي قاتلوا بعزيمة من أجلها وتتفلت من أيديهم بسرعة.

 وقالت إن التونسيين عندما يتأملون بالربيع العربي يقولون إن حرية التعبير هي الإنجاز الوحيد له، لكن حتى هذه باتت تتآكل بسرعة مع انزلاق البلاد نحو الديكتاتورية. وأشارت في بداية التقرير إلى راديو موزاييك أف أم الذي تدب فيه الحياة كل صباح في الساعة الخامسة والنصف، بعزف النشيد الوطني ثم تلاوة من القرآن الكريم وبعدها موسيقى وأخبار قبل أن يحل موعد برنامج “أهم ما يقال البارح” والذي تقدمه هاجر التليلي، وهو برنامج يوثق ترنح الديمقراطية الشابة والتحولات الأخيرة باتجاه الأوتوقراطية.

وتقول التليلي إن البرنامج هو محاولة لتصيد ما يقوله الساسة والكشف عن عدم انسجامهم ونفاقهم، ولكنها في الآونة الأخيرة كانت بحاجة لتراقب ما تقول.

فقد سجن مدير الإذاعة ما بين شباط/فبراير إلى أيار/مايو، وحكم على أحد المراسلين في الإذاعة بالسجن لخمسة أعوام وتم التحقيق مع اثنين من العاملين فيها بتهم انتقاد الحكومة. وتقول التليلي “في كل يوم أفكر بأن الدور سيأتي علي” و”لكنني واصلت العمل، وأنا أحب عملي ولا أستطيع العودة إلى الديكتاتورية مرة ثانية”.

وتقول إن هذه هي المرة الأولى التي تشعر بها بهذه الطريقة ومنذ أيامها الأولى في الصحافة بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي والتي ألهمت عدة ثورات في العالم العربي. وأدت الثورة إلى تجربة بالديمقراطية التي استمرت عقدا وكانت أهم إنجازات الربيع العربي، فقد رمى الشباب التونسي مثل التليلي أنفسهم في السياسة والنشاط والإعلام، وفي حالة من النشوة. إلا أن السنوات التي مرت بدون ديكتاتورية باتت على ما يبدو لحظة عابرة.

 فقبل عامين قام الرئيس قيس سعيد بتهميش مؤسسات البلاد الديمقراطية وأعاد حكم الرجل الواحد، حيث يواجه أكثر من 20 صحافيا السجن فيما سجن آخرون بسبب منشورات وضعوها على فيسبوك. وفي نيسان/إبريل تم سحب كتاب ناقد لسعيد من معرض كتاب. وبعد شهر اعتقل مغني راب شاب بسبب أغنية ساخرة بشأن قوانين مكافحة المخدرات وفساد الشرطة.

وتعلق الصحيفة أن ملاحقة الرئيس منجزات ما بعد الثورة ذهبت أبعد من حرية التعبير، فقد جرد سعيد القضاء من استقلاليته واعتقل المعارضين وأعاد كتابة الدستور لتوسيع صلاحياته الرئاسية. وعندما كان التونسيون يسألون عن أهم إنجاز حققته ثورتهم، كانوا يجيبون بأنها حرية التعبير.

وقال يوسف شلبي، مغني الراب البالغ من العمر 27 عاما “ولدت بالحرية ونشأت وسط الحرية، وهي الشيء الوحيد الذي حصلنا عليه من الثورة، حرية التعبير”. واعتقل شلبي بسبب أغنيته الناقدة “بابر” و”لا أعرف ما الذي ارتكبته؟” كما يقول. وأمر سعيد بالإفراج عنه بعد احتجاجات، ومع ذلك كشف استطلاع نظم قبل فترة قريبة أن معظم التونسيين لم يعودوا يشعرون بالراحة لمناقشة السياسة. وحتى التليلي ومحطتها الإذاعية تقولان إن معظم المشاركين عبر الهاتف لا يهتمون كثيرا بالتعبير عن مواقفهم الصريحة والناقدة بقدر اهتمامهم بتوفير الخبز على الطاولة.

ولم تقدم سنوات الديمقراطية إلا العجز في الحكم والنكسات، وحرية كثيرة للشكوى من فشل الديمقراطية. وعندما استحوذ سعيد على السلطة في 2021 رحب الكثير من التونسيين بما فعل، لكن ومع تدهور الاقتصاد شعر الكثيرون بالحيرة حول ما هو أهم: الأكل أو التفكير، كما يقول إلياس الغربي مقدم برنامج “ميدي شو” في موزاييك والذي يتخصص بالتعليقات السياسية.

ويعرف الكثيرون ممن عاشوا في ظل ديكتاتورية زين العابدين بن علي كيف كانت الحياة، فقد ابتعد الناس عن السياسة وأبقوا الحديث عنها لأنفسهم وبعيدا عن أصدقائهم. وكانت الصحف توقع على تعهد كي لا تتحدث عن السياسة. أما الصحافة المالية فقد كان لديها الكثير للكتابة غير نهب عائلة بن علي للدولة، فيما ظل الدين خارج دائرة الاهتمام.

وأنشئ راديو موزاييك في 2003 حيث تحول لأشهر محطة إذاعية تبث الأغاني والبرامج الحوارية والترفيهية والثقافية والرياضية، وعرضا إخباريا كل ساعة. إلا أن الإطاحة ببن علي أدت لانفجار السد. وبعد أيام على الثورة نشر موقع “بزنس نيوز” اعتذارا عاطفيا للصحافيين التونسيين عن “مشاركتنا في مؤامرة الصمت وللرقابة التي قمنا بها ولخنوعنا” و”نأمل ألا يحني الإعلام والصحافيون التونسيون ظهورهم مرة أخرى للسلطة”.

وفي ليلة وضحاها استنفدت السياسة كل برامج المحطة، حيث خصصت ساعات لتغطية الجهود الأخيرة لتنظيم انتخابات من جانب الأحزاب السياسية وكتابة دستور جديد. وانضمت التليلي للمحطة قبل عام من الانتفاضة، ولكن الزملاء البارزين لم يكن لديهم خبرة في التغطية السياسية، وبعد الثورة ملأوا جداولهم ببرامج تدريبية وكانوا راغبين بالتعلم “فجأة، أصبحنا بلدا جديدا” تقول التليلي.

ورغم كل التفاؤل ظل الأمن متمسكا ببعض عاداته القديمة حيث كان يعتقل بين الفترة والأخرى أشخاصا بسبب منشورات على فيسبوك. لكن الصحافة الجديدة التي لم تلتزم بمعايير “بزنس نيوز” تخلت عن استقلاليتها وقبلت دعما من الأحزاب السياسية لمواجهة تراجع موارد الدعاية.

وكانت موزاييك واحدة من الاستثناءات، وذلك بسبب الموارد التي ظلت تولدها من خلال المزج بين الترفيه والسياسة والأخبار والموسيقى. واشتكت الحكومات المتعاقبة من التغطية التي تقوم بها موزاييك إلا أن مديرها تجاهل الشكاوى الغاضبة وواصل التغطية الخبرية. وبدأت الأمور بالتراجع مع سيطرة سعيد على السلطة الكاملة عام 2021، كما حدث في السنوات التي سبقت الثورة.

فقد توقفت الصحف والمؤسسات الإعلامية عن دعوة المعارضة والمعلقين الناقدين، وتوقف الوزراء عن التعاون مع الصحافيين أو الإجابة عن أسئلتهم، وبدأ مراسلو بزنس نيوز بممارسة الرقابة على أنفسهم، كما قال مدير الموقع نزار بهلول. وأضيف إلى الوضع عامل جديد سام، وهي منصات التواصل الاجتماعي. فقد قام أنصار سعيد بمهاجة أي شخص ينتقده وأخذوا بنشر معلومات شخصية عن المعارضين السياسيين. وبدأ أنصار الرئيس بنشر هجماتهم على صفحات فيسبوك والحسابات المزيفة، كما تقول زينة ماجري مؤسسة “فالصو” الذي يتأكد من الحقائق. ولم يرد مكتب الرئيس على أسئلة الصحيفة للتعليق.

ووصف أنصار سعيد إذاعة موزاييك والعاملين فيها بالفاسدين. وزاد حس الحصار عندما قامت قوات الأمن باعتقال مديرها نور الدين بوطار. وكانت التهمة وراء اعتقاله التلاعب المالي، لكن محاميه قالوا إنه استهدف بسبب تغطية المحطة السياسية. وبعد اعتقاله بأيام وصلت رسالة من محاميه لفريق العمل بضرورة مواصلة العمل كما هو. ولا تزال موزاييك المحطة رقم واحد في بلد يبلغ تعداد سكانه 11 مليون نسمة. ويستمع يوميا مليون شخص لبرنامج “ميدي شو”. وعندما حققت الشرطة مع الغربي وهيثم المكي العامل في البرنامج بعد انتقاده أساليب الأمن، جاء مستمعون وأظهروا تضامنهم أمام مركز الشرطة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية