بين منازل المواطنين وداخل الأسواق المركزية والشعبية في مناطق متفرقة من قطاع غزة، تنتشر نقاط بيع أسطوانات الغاز العشوائية دون أدنى مقومات السلامة لحماية السكان من خطر اشتعال النيران في هذه النقاط التي تعمل بوسائل بدائية خطيرة ومن دون رقابة الجهات ذات الاختصاص لمنع الظاهرة التي تسببت بكوارث أزهقت العديد من أرواح الغزيين.
وفرضت البطالة والواقع الاقتصادي الصعب على الشباب العاطلين عن العمل في غزة، اللجوء لهذه المهنة الخطيرة للحصول على مصدر دخل يساعدهم على إعالة أنفسهم، كون الغاز من السلع الأساسية والطلب عليه كبير ويومي، حيث تتوزع نقاط توزيع الغاز المنزلي بين المربعات السكنية والمخيمات والأحياء بطريقة غير آمنة، ويمكن لها أن تتحول إلى قنبلة متفجرة تطال البيوت والمحال التجارية والأسواق، ولا يهم في المقابل أصحاب تلك النقاط سلامة السكان من خطر نشوب الحرائق.
ووفق مديرية الأمن والسلامة في الدفاع المدني بغزة، فإن هناك قرابة 70 في المئة من النقاط العشوائية في غزة، ويتم تسجيل العديد من حوادث الاحتراق فيها، وهناك العديد من الدراسات تتحدث أنه في حال اشتعال أسطوانة بحجم 48 كغم، فإن دائرة الخطر قطرها عشرة أمتار.
وأصدرت النيابة العامة في غزة تعليمات بإيلاء أهمية خاصة في التحقيقات المتعلقة بنقاط بيع الغاز العشوائية، حيث قال النائب العام في تصريحات صحافية، إن النيابة العامة ومع تقديرها لسوء الأوضاع الاقتصادية والحالة المعيشية للمواطنين، إلا أنها وتحقيقاً للمصلحة العامة وحفاظاً على أرواحهم وأموالهم، لن تتوانى عن اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق المخالفين، والمطالبة بإيقاع أشد العقوبات بحق المتهمين بارتكاب تلك الوقائع.
وحسب النظام الحالي المعمول به في جهاز الدفاع المدني داخل القطاع فإنه يمنع تواجد أكثر من 10 أسطوانات غاز بسعة 12 كغم في مكان واحد وخلاف ذلك يعد مخالفة للإجراءات ويتم سحبها، لكن داخل النقاط العشوائية تتواجد أعداد وأوزان كبيرة عن الحد المسموح به، وهذا يعود إلى تواطؤ شركات كبرى في تغذية نقاط تعبئة أسطوانات الغاز العشوائية أو إنشاء بعضها بطريقة غير مباشرة، وعدم قدرة الجهات الحكومية على إنهاء المشكلة وإبطال مفعول الخطر. أصحاب كبرى الشركات يبررون السبب لخدمة المواطنين بشكل سريع، وعدم انتظار السيارات الخاصة بنقل الأسطوانات للمحطات الرئيسية التي تتواجد في المناطق الحدودية، ويستغرق تعبئتها وإعادتها وقتا طويلا.
وتزداد شكاوى السكان في غزة للجهات الحكومية المختصة لملاحقة القائمين على هذه المشاريع، خاصة وأن حوادث الحرائق والانفجارات الخطيرة في هذه النقاط باتت متكررة.
وبين مؤيد ومعارض لانتشار هذه الظاهرة، إلا أن بعض السكان يرون بأنها تسهل عليهم الحصول على الغاز بشكل أسرع بدلا من الذهاب للمحطات المركزية البعيدة، وخاصة أصحاب المركبات التي تعمل بالغاز، كما أن شراء الغاز من تلك النقاط أرخص من نقلها بواسطة العربات، التي يعمل عليها أفراد كمهنة مقابل أجر مادي.
أبو مهند يقول لـ«القدس العربي»: «أعارض إزالة إحدى نقاط بيع الغاز القريبة من منزلي، كونها تسهل علي الحصول على الغاز في حال الانقطاع المفاجئ، باعتبار أن الغاز في البيت لا يختلف عن الماء، فهو ضروري جداً ولا يمكن الانقطاع عنه حتى ولو لساعات قليلة» ويبرر رأيه بعدة أسباب ومنها التأخير وانتظار دور طويل في المحطة كي يتم تعبئتها، عدا عن تبديل الأسطوانات وفقدانها في بعض الأحيان، و«هذا مرهق بالنسبة لنا إلى جانب أنها تشكل مصدر رزق للعاطلين عن العمل، ولا يجدون فرصا أفضل للحصول على المال». شادي نصر يختلف رأيه كاملاً عن سابقه، ويرى بأن نقاط بيع الغاز بمثابة قنابل موقوتة قد تنفجر بأي لحظة، محدثةً دماراً هائلاً كما جرى في مناطق متفرقة من القطاع أزهقت أرواح السكان، عدا عن الإصابات التي لا يزال يعاني منها ممن تعرضوا لمثل هذه الحوادث الخطيرة، حيث يرى أن بإمكانه انتظار أسطوانة الغاز لتعبئتها من المحطة المركزية، ولا يستعجل كغيره على الذهاب للنقاط القريبة وتشجيع العاملين فيها على المهنة، مطالباً الطواقم الحكومية المختصة مواصلة جهودها للقضاء على نقاط الغاز العشوائية بشكل نهائي، واتخاذ إجراءات قانونية مشددة بحق المخالفين.
ويقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع «مؤخراً انتشرت وبشكل كبير مشاريع صغيرة وهي نقاط بيع الغاز للمواطنين بأوزان قليلة، نتيجة الظروف الصعبة للمواطنين غير القادرين على تعبئة أسطوانات كاملة من المحطات الرئيسية، وهذه المشاريع بالرغم من أنها أسعفت البعض من العاطلين عن العمل بالحصول على المال، إلا أنها غير آمنة وتهدد حياتهم وحياة غيرهم».
وأوضح لـ«القدس العربي»: أن الجهات الحكومية المختصة يستوجب عليها العمل بكل قوة على إغلاق تلك النقاط الخطيرة، وتوسيع برامج تشغيل لكافة العاطلين عن العمل، وعدم السماح لهم بخوض مهن خطيرة كهذه.
وأضاف أن ما يسهل على الكثيرين الخوض في مثل هذه المشاريع البسيطة، أنها لا تحتاج إلى رأس مال ولا تتعرض إلى خسائر مالية، كون الغاز سريع البيع ويسير بشكل يومي، ويزود أصحاب هذه المشاريع شركات كبيرة والمشغلين فقط يعملون براتب متفق عليه.
وأشار إلى أن هناك مسؤولية تقع على المؤسسات الخاصة والجهات الرسمية، بالعمل على نشر حملات توعية سواء بملصقات في الشوارع العامة أو إنتاج مواد مصورة حول مخاطر هذه المشاريع على حياة المواطنين، الذين بدورهم يساهمون في التبليغ عن هذه النقاط وخاصة المخبئة بين البيوت والمحال التجارية.
ويحظر قانون الدفاع المدني رقم 3 لسنة 1998 تعبئة الغاز بين المواطنين، وفي حال جرى ضبطها فإنه يتم التحفظ عليها وتسليمها للنيابة، وتلزم المادة 133 من نفس القانون بالإغلاق الفوري والكلي لنقاط بيع الغاز العشوائية والمخالفة لشروط السلامة المهنية، والتي تشكل خطراً على حياة العاملين فيها والسكان المجاورين لها.