الناصرة- “القدس العربي”:
تستمر إسرائيل في تعميق الاستيطان والتهويد وزيادة العدوان بمضاعفة عمليات حملة “كاسر الأمواج” من مداهمات واعتداءات دموية واعتقالات داخل الضفة الغربية المحتلة وسط عدم اكتراث ببيانات الإدانة الدولية والعربية والفلسطينية.
في جنين استخدمت قوات الاحتلال اليوم طائرات مروحية ضد مقاومين فلسطينيين للمرة الأولى منذ عدوان “الجدار الواقي” في 2002 وذلك بعدما تورطّت في مداهمة لمنطقة مأهولة مزدحمة بدأت في ساعات الفجر واستمرت حتى مساء اليوم الإثنين. هذا الكمين في جنين من قبل عناصر المقاومة الشعبية تذكير بأن الضغط الإسرائيلي لا بد أن يولّد حتما انفجارا فلسطينيا وبأن المداهمات والاعتقالات الاستفزازية في عمق المدن الفلسطينية لن تكون “جولة سياحية لطيفة” رغم اختلال ميزان القوى لصالح الاحتلال.
“إن جنين أصبحت وكرًا مركزيًا لنشاط المنظمات الارهابية وإن السلطة الفلسطينية رفعت يديها وفقدت سيادتها في المدينة. إن لم نبادر لمثل هذه العمليات في جنين ستنفجر هذه العبوات الناسفة في وجوهنا داخل المدن الإسرائيلية”. هكذا قال بعد ظهر اليوم رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هانغبي في تصريحات للإذاعة الإسرائيلية “كان” وهي لا تخلو من تهديدات بتصعيد المداهمات لحد الحملة العسكرية. وتبعه وزير الأمن في حكومة الاحتلال يوآف غالانت من باريس في تهديد جديد بقوله إنه لن تكون هناك ملاجئ لـ”الإرهابيين”.
على خلفية تواتر الأنباء عن تورّط الاحتلال في جنين وإعطاب سبع مركبات وإصابة سبعة جنود خلال عملية قتل فيها 5 شهداء فلسطينيين وأصاب 60 آخرين طالب الوزيران بتسالئيل سموتريتش وايتامار بن غفير بعقد جلسة للمجلس الوزاري السياسي – الامني المصغّر في أعقاب هذه الاحداث وذلك للتداول في إمكانية تغيير أداء الجيش في مثل هذه الأحداث”، مما يعني البحث عن وسائل أكثر وحشية لقمع الفلسطينيين وكسر إرادتهم.
بهذه المداهمات والتصريحات والتهديدات تواصل إسرائيل تجاهل حقيقة وجود ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال وتمضي في وهم البحث عن حلول أمنية بدلا من تطبيق قرارات أممية بإنهاء الاحتلال وإحراز تسوية معهم. بصرف النظر عن هوية حكوماتها تتصرف حكومة الاحتلال الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو كما تصرفت من قبلها حكومة بينيت- لبيد كالنعامة، تطمر رأسها في الرمل وتهرب إلى الأمام نحو المزيد من استخدام القوة ومحاولة إخضاع الفلسطينيين لكن الحكومة الحالية تسعى لحسم الصراع معهم بالحديد والنار والترويع طمعا بكيّ الوعي وهناك وزراء أمثال سموتريتش وبن غفير يتحدثون عن ذلك بشكل صريح بل كتبوا في برامجهم الانتخابية بأن الحل لا يكمن بـ”إدارة الصراع” بل حسمه، لا بالسلام الاقتصادي بل بتصعيد سياسة “جزّ العشب” لتكون ضربات ماحقة يضطر فيه الفلسطينيون إما للاستسلام وإما للرحيل أو الموت، كما جاء في نظرية الحسم التي نشرها سموتريتش عام 2017.
https://www.facebook.com/alquds.co.uk/posts/pfbid0W1LMW3HFscMhRPCv3YUGEDRfiz2QjpVVEBrBqvetsbJkr8GDjquwqu24kdTZmty5l?ref=embed_post
كاسر الأموار
منذ بدء عدوان “كاسر الأمواج” في ربيع 2022 فاخرت إسرائيل على لسان ساستها وعسكرييها بأنها تفعل ما يحلو لها داخل الضفة الغربية من خلال وحداتها الخاصة التي تقوم بعمليات اغتيال واعتقال في عمق المدن الفلسطينية خاصة في شمال الضفة الغربية. جاء كمين جنين على غرار كمائن جنوب لبنان ليؤكد أن الاعتقاد باستكانة الفلسطينيين ورضوخهم تحت الاحتلال هو وهم فتجارب الشعوب في العالم تدلل على أن لكل فعل ردّ فعل.
مع ذلك تدلّل التصريحات الفورية للقادة الإسرائيليين على التورّط في جنين اليوم بأن حكومة الاحتلال تصعّد استفزازاتها للفلسطينيين بالقول والفعل ولا تتورع عن دسّ أصابعها في عيونهم وتمضي في تسمين الاستيطان (نحو 600 ألف مستوطن في نحو 180 مستوطنة) بدلا من محاولة خفض التوتّر والبحث عن حلول سياسية بدلا من القوة المفرطة والبطش، رغم أن الأيام القادمة تنذر بالمزيد من التصعيد بل الانفجار. رغم نجاح قوات الاحتلال باعتقال المئات وقتل العشرات من الفلسطينيين سنويا واقتناء المزيد من الوقت والسكون وإرجاء الأخطر لكن الانفجار قادم حتما.
“سور واق” جديدة؟
يستبعد مراقبون إسرائيليون قيام حكومة الاحتلال الحالية بحملة “سور واق” ثانية بسبب انشغال إسرائيل بملفات ساخنة داخلية وخارجية وبسبب الخوف من “وحدة الساحات” وانضمام غزة وفلسطينيي الداخل لمواجهة كبيرة لكن خيار التصعيد يبقى واردا ليس فقط من أجل صرف الأنظار عن السجالات الداخلية حول “الإصلاحات القضائية” بل بسبب وجود وزراء غيبيين أمثال سموتريتش وبن غفير ولافين يدفعون بقوة نحو حسم الصراع مع الفلسطينيين بدلا من إدارته.
وهذا ما انعكس اليوم في دعواتهم لعقد فوري للمجلس الوزاري المصغّر بحثا عن وسائل بديلة لإدارة المعركة ضد الفلسطينيين. ربما تختار حكومة الاحتلال بسبب الحسابات والمحاذير المذكورة وغيرها لاستبدال العدوان الشامل وتحاشي حملة واسعة على غرار “السور الواقي” على الضفة الغربية بعمليات عينية متتالية على مبدأ “جز العشب” ودفع السلطة الفلسطينية للتحرك المستقل ضد مواقع المقاومة في نابلس وجنين وطولكرم وغيرها.
لا توجد استراتيجية للاحتلال
منذ سنوات كثيرة لا توجد استراتيجية سياسية لدى إسرائيل لوقف النار سوى المزيد من التهويد وتسمين الاستيطان كما كشف بالأمس عن خطة بناء استيطاني واسعة، وفي المقابل تعمل على كسب الوقت بخطوات تكتيكية في إطار إدارة الصراع مع الشعب الفلسطيني آملة بأن الزمن يمضي لصالحها في ظل تطورات عربية وإقليمية ودولية.
وتستفيد حكومة الاحتلال الحالية أيضا من تجاهل العالم جرائم الاحتلال على الأرض وعدم معاقبته له بخطوات عقابية فعلية ومن اكتفائها بردود فعل لفظية وخجولة وفارغة ومن انشغاله ببؤر ساخنة أخرى وبمشاكل داخلية ومن ازدواجية المعايير، فتمعن في زرع الضفة الغربية تهويدا واستيطانا نحو ضمها بقيادة وزير الآبرتهايد باتسلئيل سموتريتش كما وصفته اليوم صحيفة “هآرتس” العبرية في افتتاحيتها.
والمفارقة أن هناك أوساطا إسرائيلية قليلة العدد مثل معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب وغيرها لكن صوتها أعلى وأوضح من صوت المجتمع الدولي الخافت وهي تحذّر من تبعات مدمّرة للسياسات الإسرائيلية المذكورة منبهة إلى أن ضم الضفة الغربية الجاري اليوم فعليا سيقتل نهائيا تسوية الدولتين والأهم سينتج واقعا ثنائي القومية ينهي الحلم الصهيوني في ظل تداخل ملايين كثيرة من الفلسطينيين مع اليهود بين البحر والنهر.
بالنظر لأقوال وأفعال إسرائيل يتجه الصراع مع الاحتلال الاستيطاني الاستعماري نحو المربع الأول ونحو واقع ثنائي القومية على شاكلة واقع منطقة البلقان في شرق أوروبا ما يعني تصعيد حالة الاحتراب وارتفاع الصدام بدرجات أعلى مما هو اليوم لأن معادلة الراكب والمركوب من غير الممكن أن تدوم وستنتهي بانفجار ولن يرتدع الفلسطينيون من تهديدات مباشرة أو غير مباشرة بالاجتياح الشامل للضفة الغربية كما جاء في تصريحات غالانت وتساحي هنغبي عقب عملية جنين.