احترام الوالدين؛ تقليد عميق متجذر ومتأصّل في المجتمعات المسلمة. هذا الاحترام ليس موجها فقط لهما شخصيا، بل يمتد أيضا إلى أصدقائهما. «برّ الوالدين» – العطف والإحسان والاحترام للوالدين – ليس مقتصرا على أفراد الأسرة فحسب، وإنما هو متبنى من قبل المجتمع بأكمله، فمن الأوامر والنواهي الإلهية ألا نقول حتى «أُفٍّ» للأم أو الأب.
انتصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة، يُظهر مرة أخرى أنه لم يكتف بفهم وإدراك هذه المبادئ فحسب، بل جعلها نمط حياة له. في آخر أيام الحملة الانتخابية المتعلقة بجولة الإعادة، استضافت منطقة بيكوز، الرئيس أردوغان بحفاوة كبيرة، وهي من أجمل أحياء إسطنبول وتقع في قلبها. استقبلت حشود ضخمة تصل إلى 70 ألف شخص، رئيس الجمهورية على ساحل بيكوز.
بعد الخطاب الذي ألقاه في منطقة الساحل، التقى الرئيس رجب طيب أردوغان برئيس بلدية بيكوز مراد آيدن، في مبنى البلدية. وخلال اللقاء روى حسن توران، أحد النواب النشيطين والعاملين في حزب العدالة والتنمية الحاكم، ذكرى عن فترة شباب أردوغان حين كان يلعب في نادي تشوبوقلو الرياضي. هذه الذكرى تدور بين أردوغان وصديقه مصطفى أوزدمير (المعروف اختصارا بـ»مصطفى هوجا»)، اللذين كانا يلعبان معا كرة القدم.. ما أضفى جواً عاطفياً على اللقاء، ورسم البسمة على وجه الرئيس، لكن كانت هناك ذكرى عاطفية أكثر في انتظاره.
احترام الوالدين؛ تقليد عميق متجذر ومتأصّل في المجتمعات المسلمة. هذا الاحترام ليس موجها فقط لهما شخصيا، بل يمتد أيضا إلى أصدقائهما
استدار الرئيس رجب طيب أردوغان، فجأة إلى رئيس البلدية مراد آيدن وسأله: «ماذا يفعل صاحبنا نبي؟». هذا الشخص معروف في الحي بلقب «نبي بيكوز»، ويعلم الجميع أنه ابن صديقة والدة أردوغان، وعلى الفور، اتصل آيدن بنبي ثم أعطى الهاتف للرئيس. أردوغان يسأل أمام الجميع عن حال وصحة الخالة بينّاز (85 عاما)، وهي صديقة والدته السيدة تنزيلة. هذا الاتصال المفعم بالعواطف انتهى برغبة أردوغان في زيارة صديقة والدته، لكن، يجب أن نسجل في صفحات التاريخ رد فعل أردوغان عندما اقتراح عليه نبي إحضار الخالة بينّاز إلى المكان الذي كان يجلس فيه، حيث قال إن الأصل هو الذهاب إلى عند الأمهات وليس العكس، مؤكدا أن ما اقترحه نبي تصرف خاطئ، وأضاف: «انتظروني، أنا قادم إليكم». قرر الرئيس رجب طيب أردوغان إلغاء برنامجه لذلك اليوم، وذهب إلى منزل الخالة بينّاز، وهو ما يعكس الروح والطبيعة والشخصية التي تكمن وراء انتصاره في الانتخابات، مشاركة رئيس بلدية بيكوز مراد آيدن والنائب حسن توران مع أردوغان في زيارة الخالة بينّاز، تثبت أن الاحترام والمحبة هما قيمة اجتماعية. لا شك في أن سمعة الرئيس أردوغان وشعبيته بين الناس نابعة من هذه الأفعال المفعمة بالصدق والمشاعر الإنسانية، إنه من خلال هذه الأفعال، يعطي الأولوية لأواصر الاحترام والمودة والمحبة والوفاء في المجتمع. هذه التفاصيل تكشف لنا أن أردوغان ليس زعيما فقط، بل إنه شخص لا ينسى حتى صديقات أمه ويكنّ لهن كل الاحترام والتقدير. كما أن هذه الروح هي من أكبر القوى الكامنة وراء انتصاره في الانتخابات، وربما هذا هو الشيء الوحيد الذي تغفل عنه المعارضة التركية وتجد صعوبة في فهمه وإدراكه بشكل صحيح.
كاتب تركي