لطمية «الميادين» من أجل اللاجئين أم من أجل النظام؟.. وصورة من الأرض لقصف جوي روسي سوري

حجم الخط
0

لَطْمِية مُطَوّلة، مكوّنة من فقرتين، يؤديها المذيع الممانع على قناة «الميادين»، موضوعها في الظاهر التفجّع على مصير ضحايا القارب المنكوب والغارق أخيراً قبالة السواحل اليونانية، وفي العمق: ارفعوا الحصار عن النظام السوري. يسأل فيها المذيع كل الأسئلة الممكنة، ويلوم كل اللوم. يسخر في كل حرف وعبارة من الجنة الأوروبية، الحديقة الأوروبية، يلوم، من دون تفريق بين مسؤولية يونانية مباشرة، وتبنٍ من ألمانيا التي سمحت، بقرار تاريخي يسجل للسيدة العظيمة ميركل، بفتح الباب للاجئين إثر غرق مركب والصورة الشهيرة للولد الكردي إيلان. لكن سؤالاً واحداً، هو الأكثر أهمية، وفيه، ربما أساس كل حلّ لمشكلة نسبة كبيرة من «الملعونين»، كما يسميهم مذيع «الميادين»، ويعني اللاجئين السوريين (حسناً أنها لغة متقدمة جداً عن «الفاطسين» و»الهاربين» وحواضن «الإرهابيين»). فلا بدّ أنك تعرف مما يهرب اللاجئون اليوم، فلا «داعش» في البلاد، ولا «إخوان»، وبات معروفاً للجميع أن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين الجدد باتوا يخرجون اليوم من مناطق النظام «المنتصر»، بل وخصوصاً من مواليه، يائسين من كل وعود الإعمار.
يستَنْفِدُ المذيع كل الأسئلة، (وبالمناسبة؛ نقول نَفِدَت مياه الشرب، بالدال، لا بالذال، وفي القرآن الكريم: «قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنَفِدَ البحر»)، يذرف كل دموعه كتقديم لفقرة تالية تبدو مستقلة، يتحدث فيها عن مؤتمر «دعم سوريا ودول المنطقة» في بروكسل، وفيها يتهم أوروبا بـ «استخدام النازحين ورقة ضد دمشق، وتمنع عودتهم الآمنة وتعاقِب دول الجوار». ولا يخفى أن ما يقوله مذيع «في كل الأحوال» هو صدى لتصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، التي انتقدت «تسييس (مؤتمر بروكسل) العمل الإنساني تحت شعارات منافقة».

على هذه الشاكلة يمكن أن تكون لغة مثقف ينحدر إلى وظيفة. مثقف كان واعداً يوماً، وبات اليوم نموذجاً لبؤس المصير.

يستعيد المذيع في فقرته كلاماً لميشيل عون «أما حديث جوزيب بوريل عن إبقاء النازحين في الدول المضيفة، وربط عودتهم بالحل السياسي فهذا شأننا ومصير وطننا، ونرفضه جملة وتفصيلاً، ونرفض أن يدفع لبنان ثمن الحرب التي شنت على سوريا».
في كلامه تبرير «مثقفاتي» للعنصرية تجاه اللاجئ السوري في لبنان، يقول المذيع: «لبنان احتضن مليوني نازح، بس العين بصيرة والإيد قصيرة، البلد في قعر الهاوية، والمجتمع على حافة الانفجار، والنازحون نسبتهم 30 في المئة من عدد سكان البلد». أنت تسأل في المكان الغلط، إن كان سؤالك سؤالاً بالفعل، ولعلك تريد التمويه على أسئلة أخرى أكثر جوهرية عن أسباب الانهيار الكثيرة، فلم يكن انفجار المرفأ بسبب اللاجئين، ولا مشكلة النفايات، والاغتيالات، وإرهاب المعارضين.
حديث المذيع كله يمكن اختصاره بمطالب النظام السوري لمؤتمر بروكسل بتمويلٍ للبنية التحتية لعودة النازحين، وما يعني: «أطلقوا يد النظام السوري ليفعل ما يشاء»، وأن «الغرب يرفض الاعتراف بهزيمته، ويستعمل الشعب السوري، وتحديداً النازحين، لتحسين شروط الهزيمة».
لمَ طول السيرة، على هذه الشاكلة يمكن أن تكون لغة مثقف ينحدر إلى وظيفة (الاسم مثقف ينادي باسم الحرية، والوظيفة شريف شحادة، أو ماريا زاخاروفا بأفضل الأحوال). مثقف كان واعداً يوماً (لا يمكن إنكار ذلك)، وبات اليوم نموذجاً لبؤس المصير.

صورة أرضية

تنشر وكالة أنباء النظام السوري خبراً بعنوان «قواتنا المسلحة بالتعاون مع القوات الجوية الروسية تدمّر مقارّ للإرهابيين ومواقع لإطلاق الطائرات المسيّرة في ريف إدلب». الصورة المرفقة، والوحيدة، هي من تلك الصور الملتقطة من الجو، تلك التي تصوّر الهدف مصلوباً تحت إشارة الزائد، للتعبير عن مدى دقة التصويب، ونجاح الإصابة تالياً، ثم صورة دخان كثيف. صورة يمكن أن تكون من أي مكان، ولأي هدف، لا شيء يوثق المكان، الناس، والشوارع، والضحايا.
خبر الوكالة يَعدّ الضحايا (الإرهابيين) بالاسم، من دون صورة واحدة من زاوية أرضية. «يعجز» عن الحصول على صورة، مع أن مواقع التواصل الاجتماعي تحفل بصور وفيديوهات.

لا ندري إن كان سوق البندورة المقصوف سيغري سينمائياً سورياً بإدراجه في فيلم، كما أغراه البرتقال والبطيخ في بعض أفلامه.

لا يستطيع محرر الخبر، إنْ كان محرراً بحق، أن يعمي عينيه عن حقيقة ما حدث على الأرض، عن أثر الضربة، كما يفعل الطيار المجرم، الذي يستهدف إحداثية ما بكبسة زر، ثم يقفل راجعاً، كأن شيئاً لم يكن، من دون أي وجع في الضمير. من واجب المحرر أن يبحث لخبره عن وثائق داعمة، كما تفعل كل منابر الإعلام المعاصر. صور ما بعد الضربة متوفرة، كالعادة، على فيسبوك، وتويتر، حيث يعلو صراخ الضحايا، واستغاثاتهم، بحيث نرى صورة بانورامية كاملة أحياناً، من صورة المكان قبيل الضربة، وأثناءها، وغالباً ما ترافق الكاميرات الضحايا المصابين، حتى أثناء إسعافهم وتقديم العلاجات الأولية.
وما تقوله الميديا إن الضربة كانت لسوق البندورة (لا ندري إن كانت هذه تغري سينمائياً سورياً بإدراجها في فيلمه المقبل، كما أغراه البرتقال والبطيخ في بعض أفلامه) في جسر الشغور، والضحايا بضعة عشر شهيداً، وإصابات أخرى.
هل نعتب على محرر الخبر؟ لا بالتأكيد، فهذا ليس مجرد عبد مأمور لعبد مأمور (كما عبّر رأس النظام ذات مرة). ثق، لن يكون في هذا المكان، بعد كل هذا العمر من الإجرام، إلا من هو جزء لصيق بآلة النظام الإجرامية.

* كاتب من أسرة تحرير «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية