باريس: بيّن تمرّد مجموعة فاغنر العسكرية وجود مكامن ضعف كبرى في وضعية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما أثار تساؤلات حول قدرته على مواجهة مخاطر متزايدة تتهدّد استمراريته السياسية، وفق محلّلين.
تمكّن بوتين من القضاء على الخطر المباشر الذي واجهه في نهاية الأسبوع، وقد أوقف قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين تقدّم قواته، ووافق على صفقة تنص على انتقاله إلى منفى في بيلاروس.
بيّن التمرّد زيف الصورة التي تلصق ببوتين باعتباره الزعيم الأقوى، وظهّر احتمالية أن يكون شخصية منعزلة تحاول السيطرة على فصائل متصارعة.
يحذّر مراقبون من أنه من السابق لأوانه استخلاص ماهية العواقب الكاملة لهذا التمرّد وتداعياته على بوتين، البالغ 70 عاماً، والذي تمتد فترة حكمه لروسيا على نحو عقدين ونصف العقد، منذ أن سلّمه الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين السلطة، في ليلة رأس السنة 1999.
لكن مع مواصلة روسيا غزوها أوكرانيا، بيّن التمرّد زيف الصورة التي تلصق ببوتين باعتباره الزعيم الأقوى، وظهّر احتمالية أن يكون شخصية منعزلة تحاول السيطرة على فصائل متصارعة.
وقالت مؤسسة مركز “ار. بوليتيك” للاستشارات تاتيانا ستانوفايا إن “بوتين والدولة تعرّضا لصفعة قوية ستكون لها تداعيات على النظام”.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي كانت إدارته، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، على علم بنوايا بريغوجين، قبل أيام من إطلاقه التمرّد، إن الخطوة “تثير تساؤلات كبرى، وتظهر وجود تصدّعات حقيقية”.
واعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن، الإثنين، أنه ما زال “من المبكر جدًا” التوصل إلى استنتاجات حاسمة بعد تمرد فاغنر، مؤكدًا أن “لا علاقة” للغرب بما حصل.
والأحد قال بلينكن، في تصريح لقناة تلفزيونية أمريكية أيضاً: “لا يمكننا التكهّن أو أن نعرف بالتحديد إلى أين قد تتّجه الأمور”، مشدّدا على أنه يتعين على بوتين الإجابة على كثير من التساؤلات في الأسابيع والأشهر المقبلة.
الصراع الداخلي الذي كشفه التمرّد، بما في ذلك بين بريغوجين ووزير الدفاع سيرغي شويغو، بيّن أن بوتين لم يعد يتربّع بأريحية على عرش السلطة.
في الأثناء، قواته المسلّحة، التي أمرها الكرملين، في شباط/فبراير 2022، بالسيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف، كانت عاجزة حتى عن منع سيطرة “فاغنر” على مقر القيادة الجنوبية للجيش الروسي في مدينة روستوف الواقعة على ضفاف نهر الدون.
بلينكن: لا يمكننا التكهّن أو أن نعرف بالتحديد إلى أين قد تتّجه الأمور.. ويتعيّن على بوتين الإجابة على كثير من التساؤلات في الأسابيع والأشهر المقبلة.
في تطوّر غريب، تولّى الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو، الذي عادة ما يبدو شريكاً أصغر لبوتين، وليس مخلّصه، دور الوساطة في المفاوضات التي أفضت إلى إنهاء بريغوجين انتفاضته.
على الرغم من انتهاء الانتفاضة خلال ساعات، من شأن مشاهد وداع الأبطال الذي لقيه بريغوجين ومقاتلوه في روستوف أن تثير عدم ارتياح في الكرملين.
الأوضاع تنطوي على تحديات كبيرة لبوتين، علماً بأن الانتخابات الرئاسية الروسية مقرّرة في آذار/مارس 2024، أي بعد أقل من عام.
التعديلات الدستورية المثيرة للجدل، التي تم إقرارها، تمكّنه من السعي لولايتين إضافيتين، أي حتى العام 2036.
لكن بوتين لم يكشف بعد رسمياً عن نواياه، علماً بأن لا أثر بعد لأي خليفة له، على الرغم من تزايد حظوظ حاكم منطقة تولا أليكسي ديومين، الذي سبق أن تولّى مناصب عليا في الجيش والأمن الرئاسي.
وقال مدير مركز “ري: روسيا” الاستشاري كيريل روغوف: “ليست هذه نهاية القصة، بل البداية. عمليات التمرّد العسكري، حتى تلك الفاشلة، بيّن التاريخ أنها غابلباً ما تكون نذيراً، بداية لعملية”.
في خطاب وجّهه السبت فاجأ بنبرته كثراً من المراقبين، شبّه بوتين تمرّد فاغنر بـ”الطعنة في الظهر” إبان الثورة البلشفية التي أطاحت القيصر في العام 1917، وأخرجت في نهاية المطاف روسيا من الحرب العالمية الأولى.
وقال مدير مركز “ماياك إنتليجس” للاستشارات والأبحاث: “لا شيء من ذلك يعني أن النظام سينهار قريباً”.
لكنه لفت إلى أن “التمرّد يقوّض قدرات الدولة التي يقودها بوتين وقوّتها ومصداقيتها، ويقرّبنا أكثر من اليوم الذي سينهار فيه هذا النظام”.
على الرغم من انتهاء “الانتفاضة” خلال ساعات، من شأن مشاهد وداع الأبطال الذي لقيه بريغوجين ومقاتلوه في روستوف أن تثير عدم ارتياح في الكرملين.
وضع غزو أوكرانيا بوتين تحت مجهر وسائل إعلام ناطقة بالروسية خارج البلاد، فراحت تدقّق في وضعه الصحي وطريقة عيشه وآلية اتّخاذه القرارات، لترسم صورة زعيم يعاني من المرض والبارانويا (جنون الارتياب). بات أكثر انعزالاً منذ جائحة كوفيد، ويمضي قليلاً من الوقت في الكرملين.
منصات إعلامية عدّة استقت تقاريرها من مصادر معلومات متاحة، تقول إن بوتين يمضي غالبية وقته في مجمّع كبير على ضفاف بحيرة لاودغا في ضواحي سانت بطرسبرغ. وتفيد تقارير بأنه يتوجّه إلى هناك في قطار مدرّع، وليس بالطائرة لضمان السلامة القصوى.
ويبدو أن زمن التقاط الصور له عاري الجذع، خلال الصيد أو ركوب الخيل، قد ولّى.
شدّد الكرملين على أن بوتين كان في موسكو، في نهاية الأسبوع، خلال الأحداث الأخيرة، ولطالما نفى صحّة ما يشاع بشأن وضعه الصحي.
وخلص مدير دراسات الشأن الروسي في “مركز التحليلات البحرية” مايكل كوفمان إلى أن بريغوجين خسر في نهاية المطاف. و(مجموعة) فاغنر ستخسر كذلك”.
وأضاف: “لكن بوتين خسر أيضاً، والنظام أصيب. يبقى أن نعرف ما ستكون عليه التداعيات على المدى الطويل”.
(أ ف ب)