يبدو أن أحداً قرأ فيه «عدية ياسين»، و»ياسين لما قرأت له»، فكان عدم التوفيق نتيجة لها، فأي خطوة يحدث فيها من المفارقات، ما يجعلها موضوعاً على الـ»سوشيال ميديا»، وحتى صلاة العيدين!
انتهزت فرق التوقيت بين الدوحة والقاهرة، في أن أشاهد البث المباشر لصلاة العيد من المحروسة، وكذلك الأمر بالنسبة لصلاة الجمعة حتى إذا اعتلى وزير الأوقاف المنبر، ذهبت إلى ماسبيرو زمان، فهذا رجل له وجه يقطع الخميرة من البيت، وليس في النقل الآن، ما يدفع إلى الاستمرار في هذه المشاهدة، فليس من بين القراء ما تشد الآذان اليه، فضلاً عن أن الناقلين الجدد يسرفون في التجول بالكاميرات في خارج المسجد وأعلاه، مما يشتت الذهن، وكان النقل من قبل يركز على الوجوه؛ وجوه الناس، ووجه قارئ القرآن أو الخطيب، فضلا عن بعض الزخارف داخل المسجد، والتي يتم توظيفها فإذا تجلى القارئ كان النقل لكلمة الجلالة المكتوبة في المحراب أو نحو ذلك: «الله»!
وقد بدأ التركيز على الخارج، والمدخل، والمئذنة، في فترة سابقة، وقبل الثورة، وكنت قد لفت الانتباه الى هذا التطور السيئ في هذه الزاوية «فضائيات وأرضيات» في حينه، حتى إذا قامت الثورة، وخشي القوم من الخروج بعربات البث الى الخارج، نظراً للفوضى الأمنية والموقف من التلفزيون، الذي عمل ضد الثورة، تمت العودة إلى مسجد التلفزيون، حيث لا خارج يُنقل، فقد اعتبرت أن هذا عقاب على عملية التزيد في النقل بما يشتت أذهان الناس، بدا واضحاً أن مسؤول الكاميرات معجب بقدراته في أن يلعب بها.
وبعد ذلك عادت سيارة البث الخارجي، لكني اكتشفت أن القناة الثانية تنقل من مسجد التلفزيون، كما كان عليه الحال من قبل، قبل أن يكتب محمود السعدني مقاله ضد حرص التلفزيون على النقل من هذا القبو، يقصد مسجد التلفزيون الصغير، فكان النقل الخارجي، ثم حدثت إشكالية ترتبت على الانتقال للمحافظات المختلفة، وغالباً يكون فرق التوقيت متجاوزاً للخمس دقائق، ومع ذلك في آذان التلفزيون من مسجد «سيدي عبد الرحيم القنائي» في قنا مثلا، يكون حسب التوقيت المحلي لمدينة القاهرة، ولا نعرف سبباً لذلك!
في انتظار فخامته
عندما عدت من صلاة العيد تبوأت مقعدي أمام القناة الأولى المصرية، وكانت كاميرا البث منصرفة للخارج إلا قليلاً، في انتظار حضور فخامته، وهي عادة لم تعرفها مصر في عهد «أبو علاء» حسني مبارك، فلا تعرف في ما نركز؟ في قراءة القرآن، أم في مشاهد الرعية، وهناك من ينظم وقوفهم انتظاراً لوصول الموكب الملكي، حيث ينتظره وزير الدفاع ورئيس الأركان، كما ينتظره فضيلة الإمام الأكبر والمفتي ووزير الأوقاف، ويقف الجميع كـ «تشريفة» له مع أنه يستطيع أن يأتي بصفين من ضباط القوات الجوية ليقوموا بدور «التشريفة»، والنقل لأول مرة يتم من القوات الجوية، فلا المسجد الكبير، الذي أنفق على تشييده ملايين الجنيهات، ولا مسجده الفتاح العليم!
ومن هذا الحرص على النقل للموكب المبارك، تم رصده ذات صلاة، بينما يرفع يده على منتظريه بالسلام العابر، دون مصافحة، وكأنه يسير في الشارع في إحدى القرى، ويلقي السلام على جالسين في مقهى، أو أمام دوار العائلة، لم يبق إلا أن يرتفع صوت أحدهم: «تفضل شاي». ويختلف الريف المصري في أمر «العزومة» على عابري السبيل هؤلاء، ففي مسقط رأسي كانت الدعوة «تفضل شاي»، بينما في قرى أخرى تكون: «تفضل قهوة»، وأحياناً «تفضل حاجة ساقعة»، ومهما يكن المشروب المفضل، فهي في الأغلب الأعم «عزومة مراكبية»؛ سلام عابر، ودعوة غير جادة!
لقد ضجت منصات التواصل الاجتماعي بالسخرية من هذا الذي لم يكلف خاطره أن يصافح شيخ الأزهر احتراماً لمقامه، ومقامه لا يسمح له أن يقف في تشريفة هكذا، لكننا أمام حالة شغف بالوظيفة العليا، وهي منصب رئيس الجمهورية، وشاغلها يحب من يتطلع إلى مشيته، وهو مقلد لبوتين الذي مشى لمسافة طويلة، ولكن لمرة واحدة، فوجدت قبولا لدى معجب في القاهرة، لم يفعلها قيس سعيد، رغم أنه من ذات السلالة!
وكانت ضجة الـ»سوشيال ميديا»، سبباً في أن يعدل عن فكرة عابر سبيل، الذي وجد وقوفا في الطرقات العامة فألقى عليهم السلام. (السلام عليكم يا عرب)، وها هو يصافح مستقبليه، لكنها بدت لي مصافحة باردة، وتأدية واجب، ولذر الرماد في العيون، فلا حديث ودي واليوم عيد، فيشغلنا بماذا جرى فيه، فهذه مرحلة جافة تفتقد للإبداع!
مبارك غاضباً
ذات احتفال بنصر كروي، دعا اليه مبارك، شاهدت أحدهم يتحدث مع الرئيس بجدية، بينما الرئيس يرد عليه غاضباً، ويتركه، ويذهب حيث الطعام، ثم ينظر اليه حيث يقف ويذهب اليه ويأخذه من يده الى المائدة، وبدا لي أنه يعتذر له على هذه الحدة، لكن الرجل واصل كلامه، ليكون غضب مبارك مضاعفا، فلم يأكل وإنما انصرف غاضباً!
في هذه اللحظة بدأت الاتصال بهاتف الرجل، وأنا أدرك أنه سيكون مغلقاً خارج القاعة، لكني حرصت أن أكون أول من يتصل به عند فتحه وهو ما حدث بالفعل ليحكي تفاصيل ما جرى بينه وبين مبارك من حديث، فقد دعاه لأن يأخذ هو مبادرة الإصلاح السياسي، فلما استكمل معه الحديث على الطعام، غضب وقال له أنت ناوي تسمم اللقمة التي سنأكلها، ثم أقسم ألا يأكل وغادر!
هكذا كانت الحياة في زمن «أبو علاء»، دنيا نحاول فهمها، أما الآن فنحن أمام شخصية «محمد أفندي» في البرنامج الإذاعي «كلمتين وبس» للراحل فؤاد المهندس، «محمد أفندي راح الشغل.. محمد أفندي رجع من الشغل»!
عندما حضر «جلالته»، في ذات اللحظة، التي انتهى فيها قارئ القرآن لتبدأ تكبيرات سريعة، انشغلت بأمور أخرى، فدائما مع حضوره يتم اختصار الإجراءات، وبدأت الصلاة ثم الخطبة السريعة، لكن لأن هناك من يقفون له على الواحدة، اكتشفوا أن الإمام نسي قراءة الفاتحة في الركعة الثانية، ولم تجد اللجان الإلكترونية إلا القول إن الفيديو تعرض للمونتاج، وأحد قيادات المواقع الصحافية الأمنية أخذ على عاتقه أن يرد بنشر الفيديو الأصلي على المعلقين، وذهب الى صفحته ليقول إنه يتعرض لحملة من «الخرفان» نتيجة دفاعه عن الرئيس السيسي!
إنه كالدبة التي قتلت صاحبها، لأن رابط الفيديو الذي قال إنه الأصلي، كان أيضاً هو نفس الفيديو الذي روجه «الخرفان»، ولو أن المدافع الشجاع كان خلايا إخوانية نائمة، أو خروفاً مندساً وسط الماعز، ما كان فعل أكثر من هذا لينتصر للخرفان!
ضجة في كل مرة
وهكذا، أصبح ظهور فخامته يعني أننا سنشهد ضجة عبر الـ»سوشيال ميديا»، ولا تكاد صلاة عيد تقام، إلا وكان يوماً صاخباً، المرة الوحيدة التي لم تشهد شيئاً كهذا عندما نسوا صلاة العيد، وهذا حدث ذات مرة، ومرة كانت الضجة لأن خطيب العيد، الدكتور الأحمدي أبو النور، تجاوز حدود الخطبة، وتحول الجنرال الى ركن من أركانها، وفي ثقافة المصريين أن المنبر مقدس لا يحتمل الدعاية السياسية لكائن من كان!
ومرة حدثت الضجة لأنه كان وجهه عبوساً قمطريراً، وكأنه جاء مضطراً، مع أنها حالة قد يمر بها أحدنا إذا لم ينم بشكل كاف، وخطف من السرير إلى المسجد، وحدثت المقارنات بين حضوره المسجد وحضوره للكاتدرائية، وكيف أنه هنا في هذه الحالة وهناك يكون هاشاً باشاً، بما يحقق رغبة البعض في الوصول لتصورات معينة، مع أن جزءا من مشكلة الجنرال إنه يمارس الطقوس الدينية، ولأن في تدينه دخن، فيشعر أنه نبي الله سليمان، وأنه أوتي من الحكمة ما لم يؤت أحد من قبل!
بيد أنها «عدية ياسين»، التي قرأها فيه قطب، فكانت مسؤولة في كل مرة عن وجود ثغرات في الإخراج تضج لها الـ»سوشيال ميديا»، وقديماً قيل حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط!
جل من لا يسهو، لكن كان ينبغي أن يذكره أحد المصلين، لكن لم يجرؤ أحدهم على الفعل، في ظل أجواء الاستبداد هذه، والحال كذلك، فتظل المشكلة في البث المباشر، وعليهم أن يتوقفوا عنه، فتسجل الصلاة، ويتم عمل مونتاج لها، بدلاً من شغلنا في كل عيد بمثل هذه الضجة!
بالمناسبة، لماذا ما زالوا الى الآن يمارسون «التباعد الاجتماعي» في الصلاة، مع أن العالم كله توقف عن هذا بعد دحر كورونا!؟
ماذا يريدون قوله؟ هل استوطن الوباء مصر؟ وهل هذه دعاية جيدة لتنشيط السياحة؟
صحافي من مصر