عشرة أعوام على انقلاب السيسي: الدور الأمريكي الغائب في تشجيع الجيش على التحرك ومنحه الضوء الأخضر

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للباحث شادي حميد، الزميل في معهد بروكينغز وأستاذ الدراسات الإسلامية في فولر سيمنري، قدم فيه عددا من الدروس للربيع العربي المقبل، وهي أنه لا يمكن الاعتماد على وعود أمريكا وتشدقها بالديمقراطية.

والمقال هو جزء من كتاب صدر له في العام الماضي بعنوان “مشكلة الديمقراطية: أمريكا، الشرق الأوسط وصعود وسقوط فكرة”. وقال فيه إن الربيع العربي انتهى في 3 تموز/يوليو 2013، حيث أطاح انقلاب عسكري بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا للرئيس محمد مرسي.

وقد مضى اليوم عقد على تلك الأحداث ولا يزال الدور الذي لعبته الولايات المتحدة بالأحداث التي قادت للانقلاب، وفي الانقلاب نفسه محلا للخلاف. وقال حميد إن أنصار حركة الإخوان المسلمين يحملون إدارة باراك أوباما المسؤولية وإنها لم تعبر عن استعداد لوقف الانقلاب أو حتى وصفه بهذه الصورة. أما أنصار الانقلاب فيتهمون أوباما بأنه هو الذي دفع بالإخوان للسلطة في المقام الأول. وبين صناع السياسة في الغرب، فإن إدارة أوباما لم تكن على علم بالانقلاب وفوجئت به ولم يكن لديها أي قدرة على فعل شيء.

وبناء على تقارير صحافية ومقابلات مع 30 شخصية، بمن فيهم مسؤولون كانوا مع أوباما في الغرفة أثناء القرارات الحاسمة، فإن الموقف مختلف ويؤشر لنتيجة تثير القلق. فالسرد الذي يقول إن إدارة أوباما فوجئت ليس صحيحا. والعكس هو الأقرب للحقيقة: لقد منح أوباما الجيش المصري ما يمكن وصفه يالضوء الأخضر للإطاحة بأول حكومة تنتخب ديمقراطيا في تاريخ البلد.

وطالما عانت عملية الدمقرطة من “المعضلة الإسلامية” فالمسؤولون الأمريكيون الذين كانوا يؤمنون بالديمقراطية وجدوا صعوبة في دعم الدول العربية لأن الأحزاب الإسلامية ستحقق نتائج جيدة بل وتفوز في انتخابات حرة.

لكن الوضع مع أوباما كان أفضل وأعطى مساحة للتفاؤل، فالرئيس الأمريكي الأسبق ابن لمسلم وأول رئيس عاش في بلد غالبيته مسلمة، كان أوباما منفتحا حول الإسلاميين أكثر من أسلافه. إلا أن انفتاحه كان تهمة، كما قال مسؤول بارز في البيت الأبيض “لا تنس أنه في البداية اتهم بأنه متعاطف مع الإسلاميين. وكان عليه مقاومة المفهوم وحاول الإفراط بالتعويض عنه”. ففي ذلك الوقت تعرضت هوية أوباما للتحدي، واعتقدت غالبية الجمهوريين أنه مسلم “في العمق”. لكن أوباما كان براغماتيا ولديه ميل مزاجي نحو الحذر والعناية. وكانت كلمة الاستقرار هي الشعار، وفي حالة مصر كانت تعني دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أعقاب ثورة 2011، وهي السلطة الانتقالية التي تسلمت الحكم بعد رحيل حسني مبارك، حتى لو كان هذا يعني تخريب آمال الشعب المصري. وكان أوباما يعتقد أن المجلس العسكري سيمنع من خروج الديمقراطية عن السيطرة.

واعترف أوباما قائلا: “أولويتنا الاستقرار ودعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حتى لو تم انتقادنا” و”لست مهتما بالجماهير في ميدان التحرير ونيك كريستوف”، في إشارة للمعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” الذي كان ناقدا لسياسة الإدارة من مصر.

ومن أجل الاستقرار، كانت الإدارة راغبة بتنظيم الإنتخابات الرئاسية قبل البرلمانية. وكما قال دينس روس، المسؤول البارز في إدارة أوباما، “جزء من السبب الذي جعلنا ندفع نحو انتخابات رئاسية، نظرا للاعتقاد، على الأقل بالنسبة لي، هو أن الإخوان سيهيمنون”، أو كما قالت السفيرة الأمريكية آن باترسون ” كان موقفنا الافتراضي هو أن عمرو موسى كان سيفوز، وهي الطريقة الغربية للنظر في الأمور”، باعتبار موسى علماني.

لكن الانتخابات البرلمانية حصلت أولا، وفي عام 2012، حقق حزب الحرية والعدالة، جناح الإخوان المسلمين نسبة 43% من مقاعد البرلمان، ولم يكن موسى قادرا على التقدم بعد الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة حيث حصل على نسبة 11%.
وقضى مرسي الذي فاز بالجولة الثانية بهامش ضيق عاما مضطربا، توج باحتجاجات ضد حكومته بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والإقتصادية.

ولم تكن غالبية المحتجين تطالب بانقلاب عسكري، بل وطالبت باستقالة مرسي أو انتخابات مبكرة. لكن الجيش الذي قاده وزير الدفاع الغامض عبد الفتاح السيسي انتهز المبادرة وسيطر على الحكم في أيام معدودة.

وجاء الرد غير المريح من الإدارة الأمريكية، حيث أكدت جين ساكي، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، أن الإدارة مصممة على عدم تحديد طبيعة ما حدث وإن كان هذا انقلابا أو غير ذلك. وبعد أسبوع أثنى وزير الخارجية جون كيري على السيسي الذي أعاد الديمقراطية، وهي تصريحات غريبة وجاءت بعد مذبحتين منفصلتين للإخوان المسلمين في 8 تموز و27 تموز.

وما لا يعرف كثيرا هي الأيام الحرجة والمتوترة التي قادت للانقلاب وعندما كانت هناك فرصة لمنع القتل القادم، فهذه أيام مغلفة بالغموض ومنحت الولايات المتحدة نوعا من الإنكار، وكان بمقدور مستشاري أوباما القول إنهم فوجئوا بما حدث وإنه أمر واقع، فقد حدث الانقلاب وعليهم التعايش معه وليس مع عالم كانوا يطمحون برؤيته.

وفي داخل الإدارة كانت هناك خلافات في المواقف حول مرسي والإخوان المسلمين. فقد كان البنتاغون يشك به نظرا لعلاقته الطويلة مع الجنرالات المصريين، بشكل وضعه في مواجهة مع وزارة الخارجية والبيت الأبيض اللتين تتشدقان بالكلام عن الديمقراطية. وكان مسؤولو وزارة الدفاع مثل الجنرال جيمس ماتيس الذي كان قائدا للقيادة المركزية في معظم فترة مرسي يرون في الديمقراطية والترويج لها حرفا عن الهدف الرئيس وهو مكافحة الإرهاب.

ووصف ماتيس مرة الإخوان المسلمين والقاعدة بأنهما “يسبحان في نفس البحر”. وأعجب ماتيس بانقلاب السيسي أو حسب قوله “ما رأيناه بالأساس هي عملية محاكمة شعبية وبأكبر جمهور في التاريخ الحديث خرج إلى الشوارع وقالوا لقد مللنا من هذا الرجل. وبعدها رأينا الجيش يخرج ويدعم المحاكمة الشعبية”.

والمثير في الأمر هو أن مايكل فلين الذي أصبح لاحقا مستشارا للأمن القومي في إدارة دونالد ترامب قبل أن يخرج مخزيا، كان مديرا للاستخبارات العسكرية في الربيع الذي سقط فيه مرسي. وأخبر فلين، الصحافي ديفيد كيركباتريك “ما كنا سنراه هي سيطرة للإخوان المسلمين على البلد”. وزار القاهرة في نيسان/إبريل أي قبل الإطاحة بمرسي. ورأى جنرالات مصر في فلين روحا قريبة منهم ونظموا له “يوما ثقافيا”، وعلى مأدبة غداء تمعن فلين ومضيفيه بخارطة حددت مناطق التهديد الإسلامي في مصر.

ومع أن وزارة الخارجية كانت أفضل إلا أن كيري كان صوتا نشازا في “فوغي بوتوم” (منطقة وزارة الخارجية بواشنطن) وغالبا ما أثار الفزع بين زملائه. وأخبر مستشار بارز لكيري الكاتب “شعر أنه [الانقلاب] لم يكن نتيجة سيئة لنا ومن ناحية مصالح الأمن القومي، ولم يكن معجبا بالإخوان المسلمين ولا مرسي”. وقال مسؤول آخر في الخارجية وبشكل أوضح “كره كيري الإسلاميين، كرههم. وأعتقد أنه شخص نشأ وتشكل في عصر آخر من العالم. وأعتقد أن الطريقة التي حصل فيها عن المعرفة والمعلومات عن الشرق الأوسط كانت من خلال الحديث مع القادة العرب، ولو تعاملت مع قادة لعدة عقود في مجلس الشيوخ، فإنك تحصل على موقف محدد، كان كيري يحب الديكتاتوريين، وهو يشبه بايدن، وكل هؤلاء الرجال من جيل يؤمن بالتعاون مع الرجال الأقوياء وهذا كل ما عرفوه في الشرق الأوسط”.

وفي حوار مع كيركباتريك اعترف كيري أن مرسي أصبح “مطبوخا” وأن الجيش يحضر نفسه للتدخل، ومنذ بداية أذار/مارس 2013، وبعدما التقى السيسي، وزير الدفاع ولأول مرة. وبعد اللقاء حذرت باترسون البيت الأبيض أن “الانقلاب سيقع على الأرجح في أشهر قليلة”.

وبعبارات أخرى، كان المسؤولون الأمريكيون في الأيام التي قادت للانقلاب، يعرفون ما يجري وكانوا في وضع لمنع السيسي لو أردوا ولكنهم لم يحاولوا.

وهنا بدت “معضلة الإسلاميين” واضحة لواشنطن، وفي محاولة لتذكر المرحلة قال وزير الدفاع في حينه تشاك هيغل بأنه كان يتفق مع مزاعم السعوديين والإماراتيين والإسرائيليين بأن الإخوان المسلمين هم “خطر” يجب مواجهته. وكان أول ضوء أخصر غير مقصود قد جاء من هيغل، فقبل أيام من الانقلاب، قال هيغل للسيسي “لن أقول لك كيف ستدير بلدك، وعليك حماية أمنك وحماية بلدك”.

ولم يكن هيغل المسؤول الوحيد الذي أرسل رسائل “مزيجة” للجيش المصري. ففي 30 حزيران/يونيو 2013، خرج مليون مصري للشارع احتجاجا على حكم مرسي. واستخدم الجيش المشهد الشعبي ومنح مرسي إنذارا: لب مطالب المتظاهرين في 48 ساعة وإلا فسيفرض الجيش استراتيجيته لإنهاء الأزمة. لكن الانقلاب لم يحدث بعد وكان لدى واشنطن الوقت لتوضيح النوايا والأفضليات. وقبل يومين من الانقلاب، اتصل أوباما في 1 تموز/يوليو مع مرسي. وبدا أوباما راضيا وذهب بعيدا لعقلنة ما فعله الجيش وما يجب عمله. وقال لمرسي إن “الجيش المصري سيتخذ قراره لأنه يعتقد أن استقرار البلد في خطر”، وهو ما ذكره كيركباتريك في كتابه “في يد الجنود” الصادر عام 2018. فقد كان انقلاب الجيش أمرا واقعا، لدى الإدارة. وفي 2 تموز/يوليو مع زيادة تدهور الوضع، كان أوباما مسافرا ومستشارته للأمن القومي سوزان رايس في البيت الأبيض، حيث اتصل عصام الحداد، مستشار مرسي للأمن القومي، وكان يتحدث من القصر الرئاسي في القاهرة. وكان يدور بين حالة الفزع والتحدي، حسب مسؤول في البيت الأبيض على معرفة بالحوار “قدمت سوزان دفاعا حارا عن الديمقراطية لهذا الرجل والذي كان يفعل نفسه الشيء على الجانب الاخر من الخط، قائلا إن أباءه وأجداده ضحوا بحياتهم لحماية الحرية المصرية وإنه مستعد ومرسي لعمل نفس الشيء. وإن الأمل الوحيد الذي بقي لهم هي الولايات المتحدة، وقالت بالأساس “لن نتخلى عنك ونقف مع الديمقراطية ووضحنا هذا” ولم يكن أوباما جزءا من الحوار وافترضت أنها تعكس مواقفه. وقالت ببساطة “لن نسمح لهذ ا بالمرور ولن نسمح به” ومرة بعد الأخرى. وأتذكر انني قلت لها “سوزان، هل أنت متأكدة؟” وهل سنمضي حتى النهاية؟”.

لكن الوقت كان قد تأخر بحلول 3 تموز/يوليو، فقد استفاق الأمريكيون واعتقل مرسي في مكان مجهول. ومع تلقي البيت الأبيض تحديثات، جمع أوباما مستشاريه في “سيتويشين روم” حيث كان بانتظاره قرار صعب ويتعلق بالدعم الأمريكي الذي يحظره القانون، لحكومة تمت الإطاحة برئيسها عبر انقلاب عسكري. وقال مساعد حضر النقاشات: كان هناك قانون واضح ويقول “اعلن أنه انقلاب واقطع الدعم العسكري” و”في الحقيقة لم نركز على الأمر الأول لأن أحدا كان يحاول وعن قصد خنقه ويقول إنه ليس انقلابا”. وتذكر كيف قال أوباما، وهذه أول مرة يسمعه يتحدث بهذه الطريقة “النقاش واضح” “حسنا، لن نقوم بالإعلان أنه انقلاب ولماذا علينا القيام بهذا؟”. وقال المساعد إنه شعر بالدهشة كبقية الحاضرين، حيث تغيرت دفة الحوار. وجاءت تصريحات الإدارة لتعكس هذا النقاش. فقد قال أوباما بعد استحواذ الجيش على السلطة إنه “قلق بشكل عميق من إزاحة الجيش للرئيس مرسي وتعليق الدستور” وكانت كلمة “انقلاب” غائبة من كلامه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية