رغم الدمار المهول.. مخيم جنين يلبس ثوب الانتصار.. وطوفان بشري يحجّ للمكان ويهتف: “كتيبة.. كتيبة”

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

جنين- “القدس العربي”:

غير عابئين بتحذيرات احتمال وجود وحدات القنص الإسرائيلية أو بقايا العبوات الناسفة ومخلفات الاحتلال اندفع آلاف المواطنين الفلسطينيين، في ساعات متأخرة من فجر اليوم، إلى مخيم جنين، وذلك بعد دقائق معدودة من اكتمال انسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي، في عملية عسكرية استمرت نحو 48 ساعة، أطلق عليها اسم “البيت والحديقة”.

وعلى مدخل المخيم، وتحت أقواسه التي تعلوها رايات فصائل المقاومة وصور القادة والشهداء، ومن فوقها مفاتيح ضخمة ترمز للعودة، تجمع مئات الشبان الذين يرتدون قمصان سوداء اللون، وهناك رفعوا إشارات النصر بحماس منقطع النظير، وهتفوا بصوت واحد: “كتيبة..كتيبة”، وهي وحدة من أبرز مجموعات المقاومة التي تجمع مقاتلين فلسطينيين من مختلف الاتجاهات.

 النتيجة التي حصدها الاحتلال من حملته العسكرية كانت مناقضة تماماً لما رغب وتمنى.

وبدل أن تقضي العملية العسكرية على مقاتلي الكتيبة وغيرها من المجموعات المسلحة، التي عملت على مواجهة قوات معززة من جيش الاحتلال على مدى يومين كاملين مثل: كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، وكتائب القسام التابعة لحركة حماس، انتهت العملية بأكبر عملية شحذ للهم وأكبر حالة احتفاء واحتضان لمجموعات المقاومة.
وكان ليل المخيم طويلاً تماماً، كما هو حال اليومين الماضيين، لكن هذه المرة كانت الأسباب مختلفة، فأشد المتفائلين بصمود المقاومة وقدرتها على إفشال خطط الاحتلال ومراميه ما كان يتوقع نتيجة مماثلة كالتي حدثت في المخيم.

واعترض نشطاء ومقاومون على استخدام كلمة “انسحاب” من المخيم حيث فضلوا كلمات مثل: “جر أذيال الهزيمة والخيبة”.
وخرجت وحدات الجيش الاحتلالي التي قدرت بأكثر من ألفي جندي شارك بالعملية، مخلفة وراءها كميات مهولة من الدمار، حيث حرق المنازل وتجريف الشوارع وحراثتها وتدمير المنازل والسيارات.
وبسهولة يمكن ملاحظة حجم الدمار على مدخل المخيم الشرقي، لكن الدخول إلى أحياء مثل الدمج والحواشين التي شهدت أعنف المواجهات سيضع المشاهد أمام طبيعة المواجهات والفعل الإسرائيلي.
ونقل عن أحد المقاتلين المحسوبين على “كتيبة جنين” أن المواجهات كانت الأعنف، “كانت من باب لباب، غالبا ما كنا نتنقل والجنود يدخلون.. في كثير من المرات كان حائط واحد يفصلنا عنهم”.

مقاتل: المواجهات كانت الأعنف، كانت من باب لباب، غالباً ما كنا نتنقل والجنود يدخلون.. في كثير من المرات كان حائط واحد يفصلنا عنهم.

وينقل المقاومون أحاديث بطولية وأسطورية عن عمليات المواجهة والكمائن التي أوقعوا فيها قوات الاحتلال، في حين تحدوا الجيش الإسرائيلي أن يعلن عن حجم خسائره.
وبسهولة يمكن رؤية بقع دماء ومعدات طبية استخدمها الجنود في أماكن متفرقة في مخيم جنين، فيما يطلب صبية صغار من وسائل الإعلام التوقف في الممرات والتقاط صور لها.
وعلق مقاتل آخر: “مش مهم الدمار، بتعوض لكن الأهم أن جميع المقاتلين لم يخدشوا أو يصابوا بأي أذى”.
ووصف مقاتل تعامل سكان المخيم مع المقاتلين قائلا: “لقد فتحوا لنا منازلهم، كنا نأكل ونشرب في المنازل وكأنها لنا، لم يقصروا أبدا.. كل الشكر لهذه العائلات”.

وبحسب أرقام مجموعات المقاومة، فإن عدد المقاومين الذين سقطوا خلال المواجهة لم يتجاوز الخمسة من ضمن 13 شهيدا سقطوا خلال اليومين الماضيين في المخيم أو على أطرافه.
وردد شبان وصلوا إلى الأحياء التي شهدت أعنف المواجهات جملة: “كله بتعوض” (في إشارة للخسائر المادية)، فيما رددوا مقولات إن المهم “أن رجال المقاومة بخير” و”لم يتم المساس بهم”، كما أراد الاحتلال من العملية العسكرية.
وتجول أهالي مخيم جنين ومواطنون قدموا من عموم البلدات والقرى المحيطة بالمخيم في أزقة المخيم في عملية معاينة للمكان الذي شهد أشرس المواجهات حيث وصفها مواطنون بأنها “اجتياح كبير”، وهي تعيد أحاديث معركة المخيم البطولية عام 2002.
وقبل ساعات من الانسحاب “المذل” خاض مقاومون أشرس المعارك داخل المخيم وعلى أطرافه، فيما استمرت الطائرات بالقصف واستقدمت وحدات إضافية لتأمين انسحابها، حيث سقط شهيدان في ساعات متأخرة من المساء.

وتوقع مراقبون أن تكون القوات القادمة من محور حاجز الجلمة من أجل تعزيز العملية العسكرية واستبدال الجنود، لكن تبيت بعد ساعات أنها جاءت بهدف حماية القوات المنسحبة.
وعلى مدخل المخيم وفي ساعات متأخرة التقط الصحافيون الصورة الأبرز التي تعكس ما يقوله الأهالي بأنه “الانتصار” حيث وقف شبان مقاومون ومؤيدون للمقاومة تحت قوس النصر على مدخل المخيم الرئيس، من أجل أخذ لقطة مماثلة لتلك اللقطة التي أخذها مجموعة من جنود الوحدات الخاصة على بوابة المخيم وأريد لها أن تكون بمثابة صورة للنصر.
وتماثل الصورة التي أخذها عشرات الجنود صورة مماثلة أخذها في وقت سابق مقاومون في كتيبة جنين وفي المكان نفسه، وتعني حماية المخيم.
وبحسب مراقبين، فإن النتيجة التي حصدها الاحتلال من حملته العسكرية كانت مناقضة تماما لما رغب وتمنى وعمل عليه.
وكان الجيش الإسرائيلي قد جلب في ساعات ما بعد عصر الأمس صحافيين إسرائيليين من أجل توثيق عملية السيطرة على المخيم والوصول إلى جميع مناطق المخيم جنين لتعزيز صورة الانتصار.
لكن مصادر عسكرية إسرائيلية نقلت بعد ذلك بساعات أن ما يحدث في المخيم هو أعنف الاشتباكات منذ بدء الهجوم على جنين.
وفي وقت سابق، اعترف رئيس أركان جيش الاحتلال اللواء هارتسي هاليفي، بالفشل في الوصول إلى مقاتلي المقاومة في مخيم جنين وقال إن الجيش سيلاحقهم في كل مكان.

اعترف رئيس أركان جيش الاحتلال بالفشل في الوصول إلى مقاتلي المقاومة في مخيم جنين، وقال إن الجيش سيلاحقهم في كل مكان.

أما بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية فقال في أثناء زيارته لمعسكر سالم العسكري القريب من جنين: “هذه العملية الموسعة لن تكون لمرة واحدة، وسيتم تكرارها كلما استدعت الحاجة”، ويناقض هذا التصريح تصريحات سابقة شددت على أن هدف العملية القضاء على المقاومة.
وأعلن جيش الاحتلال والشاباك في بيان مشترك مساء أمس العثور على أربعة معامل لتصنيع المتفجرات، وتفجير كمائن عبوات ناسفة، لكن محللين رأوا أن هذه مبالغة في الإنجازات وتتجاهل عدم تحقيق أي من أهداف العملية العسكرية.
وإلى جانب إسقاط طائرة مسيرة للاحتلال في جنين مساء أمس، وهي الطائرة الخامسة التي يتم إسقاطها في أقل من يومين، تمكن المقاومون من قتل ضابط إسرائيلي، وهو مستوطن في بيت إيل، اسمه دييفد اسحق وعمره (23) عاما.
واعتبر المقاومون أن قتل الضابط إلى جانب توثيق تفجير مجموعة من السيارات المصفحة الإسرائيلية بعبوات ناسفة خلال الانسحاب تحمل الرسالة الأهم في هذه المواجهة.

قتل الضابط إلى جانب توثيق تفجير مجموعة من السيارات المصفحة الإسرائيلية بعبوات ناسفة خلال الانسحاب تحمل الرسالة الأهم في هذه المواجهة.

وحملت بيانات مجموعات المقاومة ما يعكس انتصارها، حيث قالت “كتيبة جنين” في بيان صحافي: “سطرت المقاومة الفلسطينية خلال معركة “بأس جنين” البطولية، أروع الملاحم والبطولة والفداء وكبّدت العدو خسائر فادحة على كل المستويات في جولة جديدة من صولات كتيبة جنين سيسجلها تاريخ شعبنا المقاوم بمداد من عزيمة وإصرار”.
وشكرت الكتيبة أبناء للشعب الصامد في مخيم جنين معتبرة أنهم “كانوا الحضن الدافئ والحصن المنيع للمقاومة خلال المعركة”.
وقالت كتائب القسام إن مخيم جنين وثواره يعطون الدرس القاسي للمحتل من جديد بأن الزمن لن يعود إلى الوراء، وأن ما ينتظر العدو أدهى وأمرّ، “ففاتورة الحساب ما زالت مفتوحة، وسنجعله يعض أصابع الندم على حماقاته بحق أقصانا وضفتنا وأسرانا”.
وشدد البيان أن جنين ستبقى عصية على الانكسار وستخرج من تحت الركام أصلب عوداً وأكثر تطويراً لسلاحها وتكتيكاتها.
واعتبر الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة أن المقاومين في “بأس جنين” سجلوا انتصاراً كبيراً بهزيمة العدوان على جنين ومخيمها”.
ودعا النخالة إلى التكاتف الوطني من أجل تعزيز صمود مخيم جنين ليبقى عنواناً ملهماً للثورة والتحدي والجهاد والمقاومة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية