نكبة السد الإثيوبي سبب تراجع الأراضي المزروعة بالأرز… والاستهانة بالمصحف عنوان عجز الحكام عن الدفاع عن مقدساتهم

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: عادت نكبة السد الإثيوبي تطل برأسها من جديد، إذ ربط خبراء بين ارتفاع أسعار بعض المحاصيل، وفي القلب منها الأرز، وتراجع مساحات الأرض التي تسمح الحكومة بتخصيصها لزراعته، تحت وطأة الأزمة الخانقة في المياه، التي تسعى الحكومة للتغلب عليها والعمل على تأهيل المزارعين على التكيف معها. فيما اتهم مواطنون الحكومة بتصدير الحاصلات الزراعية بغرض جلب المزيد من العملات الأجنبية، ما تسبب في ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل غير مسبوق، واستشهد خبراء في هذا الشأن بما صدر عن السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، الذي أكد أن إجمالي الصادرات الزراعية خلال الفترة من أول يناير/كانون الثاني 2023 وحتى 5 يوليو/تموز 2023 بلغت حوالي 4 ملايين و654 ألفا و246 طنا من المنتجات الزراعية بزيادة قدرها 717 ألفا و896 طنا عن العام الماضي وخلال الفترة نفسها، الذي بلغت حوالي 3 ملايين و936 ألفا و350. كما أشار وزير الزراعة إلى أنه ولأول مرة تصل صادرات الموالح المصرية إلى مليون و900 ألف طن، وفقا لتقرير تلقاه الوزير من الدكتور أحمد العطار رئيس الحجر الزراعي المصري حول الصادرات الزراعية المصرية خلال النصف الأول من العام. كما استشهد خبراء بانخفاض مؤشر الأسعار العالمية لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة في يونيو/حزيران، إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من عامين، مدفوعا بانخفاض تكلفة السكر والزيوت النباتية والحبوب ومنتجات الألبان. ومن أبرز التقارير التي تكشف سعي الحكومة للتغلب على المخاطر التي تواجه مصر والقارة السمراء: شددت مصر على ضرورة العمل للحيلولة دون وقوع أضرار على أي من دول حوض النهر الواحد حفاظا على السلم والاستقرار الإقليميين والدوليين، كما دعت في بيان، ألقاه السفير أسامة عبد الخالق مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة في عاصمة أذربيجان «باكو» على ضرورة إعلاء روح التعاون والتعامل بحُسن النية واحترام القانون الدولي، خاصة في ما يتصل بالأنهار والمجاري المائية العابرة للحدود. وتطرق السفير أسامة عبد الخالق، للتحديات الدولية والإقليمية المختلفة التي تواجه العالم والتي يتطلب مواجهتها تعاونا وتضامنا حقيقيا بين الدول كافة، ومنها ما يتصل بأزمة الديون غير المسبوقة، وتفاقم العجز في الموازنات العامة، ما يحتم إيلاء الدول المتقدمة مزيدا من التجاوب مع مطالب مبادلة الديون وتحويل جانب منها إلى مشروعات استثمارية مشتركة، تساهم في دفع التعافي الاقتصادي. ومن التقارير الثقافية: أكد شعبان عبد الجواد مدير إدارة الآثار المستردة في وزارة السياحة والآثار، أن إجراءات عودة تمثال رأس الملك رمسيس الثاني من سويسرا إلى مصر، قد تستغرق من شهر إلى شهرين، لافتا إلى أهمية تلك القطعة الأثرية التي يعود تاريخها إلى أكثر من 3400 سنة. ومن جهته، قال مجدي شاكر كبير الأثريين في وزارة السياحة والآثار، أن مصر نجحت خلال الـ10 سنوات الماضية في استرداد 29 ألفا و300 قطعة أثرية من العديد من دول العالم، يذكر أن رأس تمثال الملك رمسيس الثاني، خرج من مصر بطريقة غير مشروعة قبل نحو 30 عاما.
خاب أملها

ها هي إسرائيل تتخبط وتفقد السيطرة، حبل الغرور ووهم القوة يلتف حول عنقها ليخنقها، من جهة، كما تقول جيهان فوزي في “الوطن” تحاول تحقيق استقرار زائف تخدع به الداخل الإسرائيلي، ومن جهة أخرى الحرب على المقاومة الفلسطينية لإخماد جذوتها وقوتها، فلم تستطع النجاح على أيهما، وما زالت تتأرجح بينهما، معتقدة أنها تحقق التوازن بين النقيضين، فلا هي حققت الانتصار المنشود، ولا هي استطاعت تدمير روح المقاومة في الجسد الفلسطيني، فغاصت في وحل الهزيمة، أخطأت قيادات إسرائيل، وعلى رأسها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، حين اعتقد أن دوامة العنف التي ينتهجها ضد الفلسطينيين ستقضي على طموحهم في تحقيق ما يرنو إليه بإقامة دولتهم المستقلة، وإنهاء احتلال غاشم، ورفع راية الحرية. في كل عملية تشنها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية تصدر الوهم للجمهور الإسرائيلي بأنها تحقق الانتصار تلو الآخر، وأنها تحقق بنك الأهداف المستهدفة من خلال عملياتها، وتكرر هذه الادعاءات في كل عملية اجتياح تخوضها قوات الاحتلال ضد المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، غير أن الواقع له رأي آخر، فإسرائيل لم تستطع حتى اللحظة القضاء على فكرة المقاومة الفلسطينية، وفي كل مرة تشن حربا على مدينة فلسطينية، أو مخيم بهدف القضاء على المسلحين الفلسطينيين تفاجئها المقاومة الفلسطينية العنيدة بعملية عسكرية نوعية تهز استقرارها وأمنها، فلا هي جلبت الأمن للإسرائيليين، ولا هي حققت الانتصار على المقاومة.

تأكل نفسها

عندما تقلد إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن القومي، بات يشكل تهديدا على السلم المجتمعي الإسرائيلي نفسه، فهو كما توضح جيهان فوزي اليميني العنصري المستوطن الأكثر تطرفا، ومنذ توليه حقيبة الداخلية، وهو يمارس الإرهاب الحقيقي ضد كل ما هو فلسطيني، فأطلق العنان لعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وسمح للإسرائيليين بحمل السلاح دون قيود، ليهاجموا الخطر الفلسطيني أينما وجد، يبارك أي عملية اعتداء يقوم بها المستوطنون أو عناصر الشرطة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، اقتحم المسجد الأقصى أكثر من مرة يتوسطه غلاة المتطرفين في مشاهد استفزازية لمشاعر المصلين، دائم التصريح بكل ما هو عدائي للفلسطينيين، ويدعو للعنف العلني ضدهم، وهو جزء من واقع مؤلم يجعل توقف عمليات المقاومة أمرا مستحيلا. تعتبر إسرائيل معقل المقاومة وتمركزها يكمن في جنين شمال الضفة الغربية وجنوبا في قطاع غزة، جبهتان طالما حاولت قوات الاحتلال الإسرائيلي جاهدة القضاء عليهما، لكنها لم تفلح لن تهنأ إسرائيل بالأمن المنشود مهما حصنت نفسها وهاجمت المخيمات واعتقلت الشبان، وقتلت الشيوخ والنساء والأطفال، كل هذا لم ولن يردع المقاومة عن مواصلة طريق النضال ضد محتل همجي، يقلب الحقائق ويزور الوقائع، فالإرهاب الحقيقي نابع من إسرائيل الخارجة عن القانون منذ احتلال فلسطين عام 1948. وفي خضم ما تعيشه الأراضي الفلسطينية من عدوان مستمر، يسطر الفلسطينيون أروع قصص البطولة، ويجترحون سمت المآثر في الدفاع عن بلادهم، يقارعون المحتل بالإرادة الصلبة والإيمان الراسخ، واليقين بأن أيام الاحتلال إلى زوال عاجلا أم آجلا، وأن إسرائيل تتآكل رغم الدعم الأمريكي والغربي الأعمى لها. ها هي «جنين» نموذج للتحدي والإرادة الفولاذية التي لا تلين، لا القتل ولا الدمار ولا الاجتياح المتواصل عليها منذ أكثر من عامين هزَّ عزيمتها، وها هي «غزة» مرت عليها 4 حروب قاسية منذ عام 2008 لكن في كل حرب تخوضها إسرائيل على غزة المحاصرة، كانت تجابَه بصمود أهلها، رغم الكلفة الإنسانية والبشرية العالية. ولن تهدأ جذوة المقاومة، فالحل الوحيد يكمن في دحر الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.

نسيناها ونسيناهم

نظرة سريعة على عناوين الصحف والشاشات، اكتشف خلالها سليمان جودة في “المصري اليوم” أن الحرب في السودان، التي كانت مانشيتات لم تعد كذلك، وأن أخبارها انحسرت وتراجعت أمام المتابعين. ولم يحدث هذا التراجع في صدر الصفحات الأولى وفي مقدمات النشرات، لأن الحرب توقفت أو حتى هدأت، ولا لأن طرفيها جلسا معا على مائدة واحدة.. فلا تزال الحرب دائرة تدمر السودان في طريقها، ولا تزال نارها مشتعلة تأكل كل ما تجده على اتساع البلد. إن أخطر ما يمكن أن يواجه السودان ليس هذه الحرب في حد ذاتها، ولكن أن يعتاد العالم عليها بمرور الأيام، وأن ينشغل بغيرها، وألا يجد في ساحتها جديدا يشده إلى هناك، وأن يفقد اهتمامه بها مع الوقت، وأن تصبح شأنا سودانيا مجردا لا يكاد يهم إلا السودانيين الذين يكتوون بنارها. تتراجع أنباء الحرب على الصفحات الأولى من الجرائد وفوق الشاشات، رغم أن سعيرها يزداد، ورغم أن التصعيد فيها وصل إلى حد أن قوات الدعم السريع تتحدث عن إسقاط طائرة من طراز «ميغ» في أم درمان من بين طائرات الطرف الآخر، وتتحدث عن أن هذه هي الطائرة الخامسة التي تسقطها، وعن أنها أوقعت اثنين من الطيارين كانا على متنها في الأسر. ينحسر الاهتمام بالحرب، رغم الكلام المنشور عن انضمام سبع عشائر إلى جانب قوات الدعم السريع، وعن استهداف لأحد مواقع الجيش في ولاية جنوب كردفان قامت به الحركة الشعبية لتحرير السودان.. ولو أنت ذهبت تتابع التفاصيل أكثر، فسوف يتبين لك أن الحرب التي اشتعلت في 15 إبريل/نيسان لا تتوقف عن تدمير مقدرات وثروات الشعب في السودان. لا تستمر الحرب.. أي حرب.. إلى ما لا نهاية، ولا بد أن تأتي عليها لحظة تتوقف فيها بالتسوية أو بانتصار طرف على طرف، ولكن الاعتياد عليها من جانب العالم يمكن أن يجعلها تدوم أكثر، ويمكن أن يحولها من حرب إلى عبث بكل شيء وبلا نهاية. الاعتياد على حرب من نوعية الحرب في السودان أخطر من الحرب نفسها، لأنه يجعل نهايتها مشروطة بأن يقضي الطرفان على بعضهما بعضا.

عرفات أون لاين

أمام ضغط الزحام الشديد على الحج هذا العام، وارتفاع نفقاته، تردد أن يكون الحج أون لاين أو على «زووم»، حسبما اتهمت بالسعي لتطبيقه الإعلامية لميس الحديدي، وهو ما نُفته في ما بعد، ولكن نسي البعض وفق ما أكده الدكتور ناجح إبراهيم في “المصري اليوم” أن ذلك يخالف صريح القرآن لأن الآية واضحة جدّا: «وَأَذِّن في النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ». الوقوف على عرفات يعني الوقوف في مساحة محددة معروفة دينيّا، فمَن لم يقف يومها في هذا المكان فلا تنطبق عليه أحكام الحج، والطواف والسعي هو في أماكن محددة أيضا لها بركتها وخيرها وثوابها، ومَن لا يوجد في هذه الأماكن ويؤدي هذه المناسك فيها فلا حج له. أما أن يحج مع التلفزيون فذلك ممكن لسكان الكرة الأرضية في كل عام، ولكنه ليس الحج الذي أراده الله وأمرت به شريعته وقال به علماء الأمة أجمعون. الحج أساسه التسليم والانقياد والإذعان لله، فأنت تُقبل حجرا، وتضرب حجرا آخر، وتطوف بحجارة أخرى، مناطها كلها الانقياد والاستسلام للمحبوب الأعظم سبحانه. ونسى هؤلاء أن الاجتهاد في الدين له ضوابطه وأهله وأحكامه وقواعده الرصينة، وهناك علوم أساسية ينبغي لمَن يريد أن لا يجتهد في الدين، أن يتجاوزها مثل أصول الفقه مع دراسة الفقه القديم والحديث وعلوم اللغة ونظريات الفقه العامة، فباب الاجتهاد باب صعب وعر، فاستفتِ أهله وشاورهم قبل الولوج فيه. وهل الذي شاهد الكعبة وطاف حول نفسه في البيت مثل الذي طاف حول الكعبة، أعظم بيت مقدس على ظهر الأرض: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا وَهُدى لِلْعَالَمِينَ». الحج رسالته واضحة أن تعيش بقلبك وجوارحك مع آل إبراهيم كقدوة وأسوة ونموذج يحتذي به المسلم يقلد إبراهيم تارة وإسماعيل أخرى وهاجر ثالثة، ليحيا بقلبه مع أعظم أسرة على وجه الأرض، ولن يكون ذلك إلا في مواطن قدوتهم وأسوتهم.

ضد الإنسانية

هي جريمة بكل المقاييس، كما وصفها عمرو وجدي في “الشروق”، تؤجج مشاعر ملياري مسلم ومسلمة حول العالم خلال احتفالهم بعيد الأضحى المبارك، وتتنافى مع كل القيم والمبادئ الإنسانية، وسيكون لها عواقب وخيمة لا يُحمد عُقباها. وكما هو معروف، فإن السويد تسمح بحرق القرآن بعد أن ألغت قرار رفض التصريح بالمظاهرات التي تتضمن حرقه، باعتباره أحد صور حرية الرأي والتعبير. تفجرت بعد هذا الفعل موجة من الغضب العارم اجتاحت جميع الأقطار الإسلامية، وتجددت دعوات مقاطعة المنتجات السويدية بعد تكرار الانتهاكات غير المقبولة تجاه القرآن الكريم والاستفزازات الدائمة لجموع المسلمين حول العالم، تحت لافتة حرية الرأي والتعبير. يرى بعض المسؤولين الغربيين أن حرق القرآن الكريم يعتبر عملا قانونيا، ويأتي في إطار حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما يتنافى مع الواقع العملي. فقد نصت المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود”. نصت المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الآتي: 1ـ لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2ـ لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين، دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها.3 ـ تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي، أو النظام العام، أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
حريات منافقة

عرّفت الأمم المتحدة خطاب الكراهية وفق ما قاله عمرو وجدي بأنه “أي نوع من الاتصال في الكلام أو الكتابة أو السلوك، يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية، بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم، أو لونهم أو نسبهم أو جنسهم، أو أي عامل هوية آخر”. كما يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان خطاب الكراهية الذي يتضمن التحريض على التمييز، أو العداء أو العنف، فنصت المادة 20 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن “يحظر القانون أي دعوة إلى الكراهية القومية، أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف”. فالتعبير بخطاب موجه ضد طائفة معينة الذي لا يتضمن تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف، مُصرّح به في القانون الدولي لحقوق الإنسان وهو غير مُجّرم. أما حين يتضمن الخطاب تحريضا واضحا أو ضد طائفة معينة، أو أنه يتسبب في تأجيج العنف، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحظره ويدعو الدول إلى اتخاذ الإجراءات لمنعه. وبالتالي، فإن حرق القرآن الكريم هو عمل يتضمن التحريض على التمييز والعداء والكراهية، وبالطبع العنف بدليل أنه تسبب في مرات عديدة بعنف متبادل وخلق بيئة معادية للمسلمين بصفتهم الجماعية كمسلمين، ويتضمن عنصرية دينية واضحة، وبالتالي هو عمل محظور في القانون الدولي، ولا يمكن الادعاء بحرية الرأي والتعبير واعتباره عملا قانونيا. مثل هذه الأعمال المتطرفة وغير المسؤولة قد تكون بوابة لخلق مناخ للفوضى وعدم الاستقرار، وتساهم في تفجر أعمال عنف انتقامية تطال الكثير من دول العالم، وهو ما شاهدناه سابقا في أكثر من مناسبة، بعد قيام متطرفين يمينيين بالتطاول والإساءة للأديان والتطاول على الرموز والمقدسات. فجريمة حرق القرآن الكريم، ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة، ولكنها بالتأكيد تعكس بشكل واضح فكرا عنصريا متطرفا بدأ يغزو كثيرا من المجتمعات، ممثلا في جرائم الإسلاموفوبيا ومعاداة الأجانب والمسلمين والمسلمات، سيظل القرآن الكريم في مقامه العالي كتابا هاديا للبشرية جمعاء، ولن تنال من قدسيته أحقاد متطرفين وصناع الكراهية والعنف.

قيم بالية

لم تكن واقعة حرق نسخ من القرآن الكريم في السويد هي أولى التعديات على معتقدات ومقدسات المسلمين، بل سبقتها حوادث أخرى، اهتم برصدها علاء ثابت في “الأهرام”: قبلها نشرت صحيفة فرنسية رسوما مسيئة للإسلام، وجميع تلك الاعتداءات والإهانات لأكثر من ملياري مسلم في العالم، جرى تبريرها بأنها أحد أشكال حرية التعبير التي يقول الغرب إنها أهم دعائم قيمه ونظامه، لكنها في الحقيقة ليست كذلك، فعندما تقدم عدد من المسلمين بطلب تنظيم مسيرة يرفعون فيها نسخ القرآن الكريم، ويؤكدون احترامه ورفض الإساءة إليه رفضت السلطات السويدية الترخيص للمسيرة السلمية، التي ترد بشكل حضاري بعيدا عن العنف أو الإساءة، على واقعة حرق نسخ من القرآن الكريم، فلماذا السماح للإساءة من جانب طرف، وعدم السماح برد الاعتبار لطرف آخر؟ أليس هذا ازدواجا في المعايير؟ بل تحيزا إلى المسيء، وتشجيعا له على تكرار فعلته. الأفعال الدنيئة تكررت في السنوات الأخيرة، مع صعود اليمين العنصري، الذي يرى أن مشاكل مجتمعه سببها الآخرون، المهاجرون، ومن هم من أصول غير أوروبية، وبعض الحكومات رأت أن توجيه التهم لغير الأوروبيين مفيدة، لأنها تشغلهم وتضللهم عن السبب الحقيقي لمشكلاتهم، فقد كانت أوروبا والولايات المتحدة تفتح أبوابها للمهاجرين، خاصة أصحاب المهارات والمتعلمين المتفوقين، في ما يسمى «هجرة العقول»، وتستثمر تلك الطاقات لخدمة بلدانها، فهذه العمالة الماهرة التي تكلفت بلدانها الأصلية في تعليمها ثروة كبيرة، تضاف إلى الثروات التي نهبتها الدول الاستثمارية عندما كانت تحتل أوطانهم، وشيدوا صناعاتهم وراكموا عناصر القوة من وراء تلك الطاقات.

أدلة الإدانة

ينبغي على حد رأي علاء ثابت، أن لا ننسى ما فعله الغرب أيضا باصطياد البشر من القارة الافريقية، واستعبادهم وتشغيلهم في الزراعة والأعمال الشاقة بلا أجر، ومطلع هذا الأسبوع فقط اعتذر ملك هولندا عن فترة استعباد البشر، لكن معظم أوروبا لم تراجع ماضيها البغيض، ولم تعتذر فرنسا حتى الآن عن ماضيها الاستعماري، وما زالت تحتفظ بجماجم ضحاياها ممن قاوموا الاستعمار في متحف، وترفض تسليم بعضها إلى بلدانهم الأصلية. هذه هي القيم الأوروبية أو الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان، ونعود إلى أسباب انقلاب الغرب على العمالة المهاجرة الرخيصة، التي كانت المنقذ لها، والكنز الذي لا ينضب خلال فترة الازدهار الصناعي وعقب الحرب العالمية الثانية، حيث كانت العمالة قليلة بسبب موت عشرات الملايين في الحربين العالميتين، وأمام نقص العمالة جرى تسهيل الهجرة، بل جندت الجيوش الأوروبية جنودا من مستعمراتها في افريقيا وآسيا، كانوا يدافعون عن الأوروبيين، ومات منهم أعداد هائلة، لأنهم كانوا يوضعون في الصفوف الأمامية، لكن الأمر تغير الآن، وتقلص الإنتاج الصناعي بعد هروب صناعات كثيرة إلى شرق آسيا، هربا من الضرائب الباهظة، واستفادة من العمالة الرخيصة، وكانت النتيجة أن تراجع الإنتاج الأوروبي والأمريكي، وارتفع معدل البطالة، فوجهوا التهمة إلى الأوروبيين من أصول افريقية وآسيوية، ومعظمهم من المسلمين، ويصفونهم بأنهم ليسوا أوروبيين أصلاء، بل يحملون قيم وهوية بلدانهم الأصلية، وبدأت حملات التشويه والعداء لهؤلاء، ونال الإسلام القسط الأكبر من هذا العداء المتنامي، لأنه يعبر عن تلك الهوية الأخلاقية والثقافية.

إلى الله المشتكى

من أهم السلع التي تشكل سلوكياتنا كمصريين اللحم، فهو المؤشر على مكانة المواطن، وكلما زادت الكمية التي يشتريها المواطن زادت مكانته لدى المجتمع، تابع رفعت رشاد في “الوطن”: بعضنا يباهي الناس ويعلن في صيغة شكوى فيقول مثلا: «أمس ذهبت إلى الجزار في كارفور علشان أنا لا أثق في جزار حتتنا، فوجدت أسعار اللحم نار، الكيلو بأربعمئة جنيه، وضربت كفا بكف، إيه الأسعار دي، واضطررت أن أشترى 4 كيلو بس، أعمل إيه؟ عندي عزومة على الضيق، وجبت معاهم كبدة وكلاوي، العيال بيحبوها، ولقيتني دفعت 3 آلاف جنيه، أيام ما يعلم بيها غير ربنا، إيه الأسعار دي». المواطن الفقير يستحي أن يشتري اللحم من الجزار، وهو من الأصل لا يعبر أمام محل الجزارة، فلا حاجة للشرح عن أسباب ذلك، فكلنا نعلم أن زيارته للجزار غير مجدية، فهو لن يشتري كمية من اللحم تتناسب مع مقادير التسويق عند الجزار. المواطن الفقير يبحث عن مكان يشتري منه كمية أقل بسعر أرخص، وهذا المكان غالبا ما يكون بعيدا عن مسكنه حتى لا يعلم الجيران أنه اشترى نص كيلو لحم أو اشترى «إكسسوارات» الماشية أو بعض العظم الملتصق به بعض الشغت، لعمل شوربة للعيال. كيف يمكن أن نحل هذه المشكلة، مشكلة نقص قدرة المواطنين على الشراء وفي الوقت نفسه مشكلة تقييم قيمة المواطن على أساس حجم وكمية ما يشتريه من السلعة؟ الحل في تغيير ثقافة المجتمع وثقافة الفرد. أن نقنع الناس، من خلال التوعية الممنهجة، بأن يغيّروا من عاداتهم، وأن يشتروا ما يحتاجون. لكن ذلك يتطلب من السلطات أن تدفع في هذا الاتجاه بتغيير آخر، أن تغير من أوزان وأحجام السلع المباعة، فإذا كنا نشتري اللحم بالكيلو، فلماذا لا يكون الشراء بالرطل؟ الرطل نحو ثلث كيلو تقريبا، فإذا كان المواطن لا يخجل من طلب كيلو من سلعة ما لأن الكيلو وحدة كاملة من الأوزان، فإنه لن يخجل إذا طلب رطلا لأنه وحدة كاملة من الأوزان. فإذا ذهب المواطن للفكهاني أو الجزار فإنه يطلب الكمية التي يحتاجها «بقلب جامد».. سيؤدي ذلك إلى خفض كميات الاستهلاك وخفض نفقات الشراء بما يخفف العبء عن الجميع.

لا مفر منها

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي منشورا للجمارك يتضمن قائمة من السلع المختلفة تم حظر استيرادها من الخارج.. والتداول لهذا الخبر كما قال عبد القادر شهيب في “فيتو” جاء مقرونا بالدهشة والاستنكار أحيانا.. وسرعان ما أعلنت الحكومة عدم صحة هذا الخبر، ونفت صدور قرارات بحظر استيراد أي سلع من الخارج.. وهكذا ما بين الذين روجوا المنشور المنسوب للجمارك، والحكومةَ التي نفت صحة هذا المنشور، بدا الأمر وكأن الامتناع عن استيراد قائمة من السلع هو أشبه بالجريمة، رغم مشكلة النقص في النقد الأجنبي التي نعاني منها، والتي يتعين علينا أن نخفض استيرادنا من الخارج، فإن التخلص من فجوة النقد الأجنبي التي تواجهنا لا حل لها إلا بزيادة مواردنا من النقد الأجنبي وتخفيض إنفاقنا منه.. وزيادة مواردنا من النقد الأجنبي يحتاج لوقت تتحسن السياحة فيه ويزيد إنتاجنا لتزيد صادراتنا للخارج، وأيضا تزيد فيه عائدات قناة السويس.. بينما تخفيض انفاقنا من النقد الأجنبي هو أمر نستطيع فورا، أن نقوم به بترشيد وتخفيض وارادتنا من الخارج، سواء بالامتناع عن استيراد سلع معينة، أو تخفيض واردات سلع أخرى.. وللعلم هذا ليس عيبا ولا جريمة أو تحظره منظمة التجارة العالمية التي تسمح للدول التي تمر بأزمات اقتصادية أن تتوقف عن استيراد سلع من الخارج، وقد استفادت دول عديدة غيرنا من ذلك في أوقات مختلفة. إننا لم نفعل ذلك حتى الآن، وإذا فعلناه لأننا نحتاج إليه الآن بالفعل فإننا لا نرتكب حينها جريمة تستحق التعجب والدهشة، أو الاستنكار.. فهذا حق للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، وسبق لغيرنا أن قام به.. وهذا ما يطالب به فريق من الخبراء الاقتصاديين الآن، وهو ما سيرفع الضغط على البنك المركزي لتوفير نقد أجنبي للمستوردين، لكن يبدو أن الحكومة تخشى من كبار المستوردين.

لا بد من حل

كل يوم تكسب السوشيال ميديا أرضا جديدة على حساب الإعلام التقليدي الذي بات بعضه ينقل عنها في أحيان كثيرة؛ ذلك أن التطور التكنولوجي الهائل الذي يرصده علي هاشم في “فيتو”، جعل كل مواطن بمثابة صحافي أو إعلامي، يستطيع أن ينقل الصورة من قلب الحدث؟ ولا أبالغ إذا قلت إن هناك حوادث مهمة ما كنا لنعرف عنها شيئا لولا تصدرها التريند في مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت أداة ضاغطة على صانع القرار في أي مكان في العالم، بما تملكه من قدرة على تحويل أي حادث ذي شأن أو عابر إلى قضية رأي عام، يلتف الناس حولها ويتابعون تفاصيلها وتداعياتها ونتائجها بشغف لا حدود له. والسؤال: هل نصحو يوما لنجد السوشيال ميديا بوصلة للوعي العام.. وهل يمكن الاطمئنان إلى نزاهتها وصدقها في نقل الأحداث والمعلومات دون تدقيق أو تمحيص أو تثبت؟ الأمر خطير.. وهو ما تنبهت له منظمة اليونيسكو في تقرير حذر من التهديد الوجودي الذي تفرضه تلك الوسائل على وسائل الإعلام المهنية، لافتة إلى الخلل في نموذج أداء عمل وسائل الإعلام، ما يقوض حق الجمهور الأساسي في الحصول على المعلومات. التقرير تناول الاتجاهات العالمية في حرية التعبير وتنمية وسائل الإعلام في الفترة ما بين 2016 و2021.. وخلص إلى أن شركتي غوغل وميتا، تستحوذان على ما يقرب من نصف إجمالي الإنفاق العالمي على الإعلانات الرقمية، وفي المقابل تراجعت إيرادات إعلانات الصحف العالمية بمقدار النصف في السنوات الخمس الماضية وهذا بالطبع تحدِ آخر.

أيهما أهم؟

خطورة السوشيال ميديا من وجهة نظر علي هاشم أن المحتوى الكاذب ينتشر عبر منصاتها كالنار في الهشيم كما حدث مع جائحة كورونا وهو ما تسبب في إغلاق غرف الأخبار وتقليل عدد الوظائف، وأحدث فراغا كبيرا في المشهد الإعلامي، لاسيما في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. الإعلام الجديد أو البديل -إن صح التعبير- أحدث تحولا على صعيد الوسيلة الإعلامية، والمحتوى الإعلامي وحتى الجمهور المتلقي، وهو ما طرح سؤالا: أيهما أهم.. سرعة وانتشار الوسيلة في إيصال الخبر، أم الخبر في حد ذاته.. وهل تقود السوشيال ميديا أو تتحكم في الإعلام التقليدي.. والإجابة قد تكون بالإيجاب.. وأكبر دليل على ذلك أن نسبة مشاهدة الحلقات التلفزيونية على يوتيوب تفوق بمراحل نسب المتابعة خلال العرض، وأحيانا تنتشر مقاطع من الحلقات على مواقع التواصل بعد أيام من عرضها تلفزيونيا، وهذا دليل آخر على أن الأثر الأكبر هو من مواقع التواصل. الإعلام التقليدي طالما افتقد التنوع والتعدد وعانى من التراجع المهني، فإن السوشيال ميديا ستكسب أرضا جديدة، خصوصا في ميادين الأخبار.. وطالما كان عاجزا عن تغيير إيقاعه وتطوير أدواته، للحاق بجمهور بات مزاجه في التعرض الإخباري أكثر ميلا للمحتوى الموجز الموحي، وربما الحاد.. والسؤال: هل يمكن خلق تكامل وتعاون بين الإعلامين التقليدي والجديد، بحيث يصبح أولهما أكثر تحررا وسرعة وشفافية، والآخر أكثر دقة ومسؤولية وخضوعا للضبط الذاتي؟ أم أن ذلك معادلة صعبة قد يقود الإخفاق في تحقيقها إلى أن اكتساح السوشيال ميديا لتكتب شهادة وفاة إعلامنا التقليدي.

انتفاضة فرنسية

ليست جديدة كما يرى الدكتور وحيد عبد المجيد في “الأهرام” الاحتجاجاتُ العنيفة المستمرة في بعض المدن والبلدات الفرنسية منذ مقتل الصبي نائل برصاص رجل شرطة في 27 يونيو/حزيران الماضي، خلال محاولته الهرب من عملية تدقيقٍ أمني في ضاحية نانتير غرب باريس. لكن جديدها، الذي يتطلبُ بحثا في العمق، أن معظم المحتجين أطفالُ حسب التعريف القانوني للطفولة، تتراوح أعمار أكثرهم بين 10 و18 عاما، أي في مرحلتى الطفولة المتأخرة والمراهقة. متوسط أعمار من أُلقي القبض عليهم، حسب البيانات الرسمية 17 سنة. تلاميذ في المرحلة الثانوية ومعاهد فنية، وعاملون في مقاه ومطاعم وحانات. ومحتجون هذا حالهم يصعب الحوار معهم، وهذا جديدُ تماما. في 2005 حين تصدر صغارُ السن احتجاجاتٍ اندلعت إثر مصرع شابين صعقا بالكهرباء في أثناء محاولتهما الهرب من الشرطة في ضاحيةٍ باريسية، كانت معدلاتُ أعمارهم أكبر. ولهذا أمكن التواصل والحوار مع بعضهم، حسبما أفادت به رئيسةُ بلدية مدينة ليل مارتين أوبري. ظاهرة غير مسبوقة في الشارع الفرنسي الذي لا يكفُ عن تقديم الجديد في مجال التفاعلات الاجتماعية والسياسية بمختلف أشكالها وأنواعها. ولا يكفي سعيا لتفسيرها أن عمر من أشعل مقتلُه لهيبها 17 عاما. فليس خافيا أن الشعور بالظلم الناتج من التفاوت والتهميش ازداد في السنوات الأخيرة. ويكون الاحتجاج في هذه الحالة، تنفيسا عن غضبٍ مكبوت، أو تعبيرا عن أملٍ في الحد من الظلم، أو كليهما معا. وقد يكون العنف في هذا السياق نتيجة اعتقادٍ في أن الاحتجاج السلمي لا يثمر قياسا على تجارب سابقة. لهذه الاحتجاجات إذن أبعاد اجتماعية وسياسية تجعلُها أقرب إلى انتفاضة عنيفة، وتنأى بها عن أن تكون مجرد أعمال شغب. وهي بالتأكيد ليست تقليدا لألعاب فيديو عنيفة في بعض منصات التواصل الاجتماعي، وإن لوحظ في بعض تحركات المُنتفضين تطبيقا لأساليب شاهدوها في فيديو أو آخر. أما أن تكون فيديوهاتُ هي دافعهم للاحتجاج، فهذا تبسيطُ شديد وخطأ واضح أيضا، لأن تقليد ألعاب يُمّثلُ خروجا من الواقع المعيش إلى عالمٍ افتراضي، في حين أن ما يحدثُ إنما هو نتيجة مباشرة لاختلالاتٍ ظاهرة في قلب هذا الواقع.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية