هكذا وبلحظة واحدة انتهى شهر العسل، أو بالأحرى سنوات العسل التي عاشها العمالقة في ما بينهم ليس حباً ببعضهم بعضا، بل رغبة منهم في السيطرة على أموال الشعوب، بهدوء وحكمة قائمة على المنافسة بعيداً عن الصخب، والتسابق بعيداً عن الضوضاء، وتوزيع الغنائم بعيداً عن الأنظار. كلهم سبحوا بفلك المال والفضاء التقني، وكلهم تسابقوا على معلوماتنا فباعوها، وعلى خصوصياتنا فاجتاحوها، وعلى أموالنا فأخذوها، لتتم معظم هذه الأمور، برضانا ورغبتنا. إلا أن استفحال الطمع والجشع وحب المال، قد قوض دبلوماسية النار السابقة، وهدنة العمالقة المتآكلة، وصولاً إلى اختراق جدار الهدوء المشوب بالحذر بخطوة هزت عالم المال والأعمال.
عمالقة يقتلهم حب المال، والشهرة، والسيطرة، وهو ما يدفعهم نحو دائرة النار والمواجهة المباشرة
نعم عن إيلون ماسك ومارك زوغربيرغ أتحدث، بعد أن اشتعلت النيران في علاقة الرجلين، عبر قرار الأخير استحداث خدمة «ثردث» للتغريدات المباشرة للمشتركين من خلال شركة «ميتا» المالكة «لفيسبوك» وهي الخاصية التي ميزت تطبيق «تويتر» ونقلته من تطبيق صغير إلى تطبيق يقدر بمليارات لا تحصى من الدولارات. زوكربيرغ الذي بات يرى نزوحاً كبيراً من الفيسبوك إلى تطبيقات أخرى نتيجة كلاسيكية تطبيقه، وبطء تبنيه لمفاهيم التطوير، وتساوقه مع فرض القيود على الحسابات المختلفة، بإذعانه لمطالب وكالات المخابرات على اختلافها، وتقاطعه مع المطالب الأمنية بتقنين توزيع منشورات المشتركين، وممارسته هو لإعدام الكلمة والرأي وحرية التعبير، وفق رؤاه العقائدية، بات اليوم بحاجة لتحريك المياه الراكدة، فقرر أن يدوس على قدم غريمه إيلون ماسك، الذي يقع اليوم ضحية جنون العظمة، باستحداث «ثردث» .جنون العظمة الذي قاد ماسك لإصدار قرار غريب كل يوم بعد استحواذه على «تويتر»، ما دفعه إلى أن يجن جنونه مع قرار زوكربيرغ باستحداث تطبيق «ثريدث» الموازي تماماً لتطبيق «تويتر»، لنجد أنفسنا أمام المشهد الأسوأ مع إعلان فيسبوك عن انضمام ما يزيد عن 30 مليون مشترك لتطبيق «ثريدث» في أول يوم من انطلاقه. هذا الإعلان أشعل نار الغيظ لدى ماسك فبدأ بنشر تغريدات غريبة، بل منافية للأخلاق وليؤسس معها لعهد سوقي جديد لصراع العمالقة. عمالقة يقتلهم حب المال، والشهرة، والسيطرة، وهو ما يدفعهم نحو دائرة النار والمواجهة المباشرة.
إذن نحن مع عالمٍ جديدٍ من صراع العمالقة دون رحمة ولا هوادة، فهل نرى المزيد من النيران المماثلة؟ ننتظر ونرى.
كاتب فلسطيني
s.saidam@gmail.com