لم يتبق سوى ان يستجيب القدر لمحاولات نجمة التنس التونسية أنس جابر في تتويجها بأحد ألقاب البطولات الأربع الكبرى، المعروفة باسم «غراند سلام»، بعد وصولها الى المباراة النهائية لبطولة ويمبلدون العريقة الموسم الماضي، كما خسرت نهائي الولايات المتحدة أيضا السنة الماضية، فباتت وكأنها تطرق الباب بقوة، بل تدفعه بشراسة لتفتحه وتقول مجدداً: أنا أول سيدة تونسية وعربية وافريقية تفوز بلقب كبير، بعدما أيضا حققت هذا الإنجاز باحراز لقب الماسترز في بطولة مدريد.
ظاهرة أنس جابر في عالم اللعبة الصفراء جديرة بالدراسة والاستفادة، بل المتابعة عن كثب لكيفية تطور هذه النجمة العربية، وقدرتها على التغلب على المصاعب والعقبات، وأبرزها المشاكل الذهنية، التي تحدثت عنها بصراحة كبيرة عقب انتصارها الرائع على البيلاروسية أرينا سابالينكا في الدور نصف النهائي، فقالت عن كيفية تعاملها مع الضغوطات: «أعمل كثيرا مع المعالجة النفسية. يساعد ذلك كثيرا. أنا فخورة بنفسي لأن أنس القديمة كانت لتخسر المباراة اليوم، ولكن أنا أنس الجديدة وانا فخورة أنني قاتلت حتى الرمق الأخير».
طبعاً هذا هو سر النجاح، وسر الوصول الى العالمية، وهي الكلمة التي نسمعها كثيراً، عندما يبرز لاعب عربي في رياضة ما، أو حتى موهوب في حقل ما، كعالم الغناء والفن والتمثيل، لكن حقيقة فان العالمية لا تعني سوى منافسة الأبرز في رياضتك أو مهنتك في أهم المحافل والمسابقات والبطولات في العالم، والاهم ان يحدث هذا باستمرار، وليس لمرة واحدة. وكي تنجح في تحقيق ذلك فان الامر يتطلب الكثير من التخطيط والتنفيذ السليم وتحمل المشقات والضغوطات، ولهذا نرى دائماً الى جانب النجمة التونسية في مبارياتها ثلاثة أشخاص يصبونها دائما أينما حلت، هم من أبرز مقومات نجاحها الى جانب موهبتها بالتأكيد، وهم زوجها كريم كمون، الرياضي السابق في سلاح الشيش، والمعد البدني لها، والثاني هو مدربها عصام جلالي، لاعب التنس التونسي السابق، والثالث هي الاخصائية النفسية الفرنسية ميلاني مايار والتي أضافت اللمسة الأخيرة لما تحتاجه أنس في احراز الألقاب، حيث كانت خلال الأعوام الماضية تكتفي بالفوز على بعض اللاعبات صاحبات التصنيف العالمي المتقدم، وتقدم مباريات رائعة في عدد من البطولات التي تشارك فيها، لكن خطوة وحيدة كانت دائماً تفصلها عن تحقيق الإنجازات العالمية. ويبدو أنها اهتدت أخيراً إلى هذه الخطوة بعدما تعاقدت مع المختصة مايار، التي أصبحت ترافقها في جميع البطولات التي تشارك فيها، وهو ما لا ينقص شيئا من قيمة العمل الذي يقوم به مدربها عصام جلالي ومعدها البدني كريم كمون. لكن الفرنسية مايار عملت كثيراً على أن تتحلى النجمة التونسية ببرودة الأعصاب حتى في الأوقات الصعبة من المباريات المهمة، ولا تدخل كثيرا في حالات الغضب التي كانت تنتابها من وقت الى آخر. ولهذا علّقت بعد انتصارها على سابالينكا يوم الخميس الماضي عمّا تعلّمته من العام الماضي: «تعلمت أن أحوّل الطاقة السلبية الى ايجابية والغضب من خسارة المجموعة الاولى الى أن أبقي على تركيزي. يمكن ان تلعب المنافسة ارسالات في أي لحظة وتوجه كرات قوية، لذا تعلمت كيف أستمر على أمل الفوز بهذه المباراة» قبل أن تضيف مبتسمة «وبهذه البطولة».
الفكرة تكمن بالتخطيط ومعالجة السلبيات، وتعزيز الإيجابيات، فهناك الكثير من النجوم العرب أو من أصول عربية، برزوا في الساحات العالمية في السنوات الأخيرة، وكل منهم يستحق الدراسة، فالنجم المصري محمد صلاح تعامل بحرفية عالية مع الكثير من الظروف الصعبة قبل أن تتفجر شعبيته الهائلة مع ليفربول وبعدها، ومثله النجم الجزائري رياض محرز الذي حقق ألقاباً رائعة مع ليستر ومانشستر سيتي، بينها ثلاثية تاريخية في الموسم المنصرم، كما برز النجم اليمني الأصل، البريطاني الأصل نسيم حميد، في عالم الملاكمة في عقد التسعينات ومطلع الألفية، واشتهر باسم «برنس ناز»، وحصد العديد من أحزمة وزن الريشة.
الفكرة تكمن بأن الموهبة دائماً موجودة، لكن توجيهها بشكل صحيح واستغلالها بالوسائل العلمية التي تجدد هذه الموهبة وتطورها، هو مربط الفرس، فلا عجب من وجود الكثير من مواهب كرة القدم من أصول عربية، هم من مواليد بلدان أوروبية، أي أنه كانت لهم فرصة الاستفادة من الخبرة المتاحة لاستغلال مواهبهم من مختصين ومتابعين حرفيين. ومن هنا تعتبر ما فعلته أنس جابر ظاهرة فريدة، وتجربة تدرس بكل المقاييس، فهي ابنة مدينة المنستير التونسية، ومارست رياضة التنس خلسة في فنادق المدينة، حتى تشبعت بالرغبة الكافية لمعرفة انها بارعة بها. وتدرج تطورها مروراً بكل المراحل التي أوصلتها الى ما هي عليها اليوم، لأن قبل كل شيء كانت تملك العزيمة.
ولهذا توجت «وزيرة السعادة» بالعديد من الألقاب قبل الامس، أبرزها بطولة مدريد للأساتذة (1000 نقطة)، وتشارلستون 2021 (250 نقطة)، ودورات أنطاليا التركية والدار البيضاء المغربية 2010، وتونس 2013 و2014 و2016. ومن أهم فوائد هذه الظاهرة انها قد تشجع أجيال من وطنها وعالمها على اتباع خطواتها.