أشبه بفيلم سينمائي بثته شبكة «نتفليكس» يتحدث عن لحظة «قبل السقوط بدقائق».
طائرة تترنح في السماء، وفيها راكب واحد، وأثناء تعطل المحرك سقطت وسط الأدغال، فيما بقي الطيار منشغلا بإبلاغ زوجته عبر اللاسلكي أن عليها أن لا تنسى «سقاية نبتة الصبار»، على شرفة الكوخ وإطعام «القطة سالي».
تذكرت تماما هذا المشهد، وأنا أتابع المفارقة التالية: محطة «سي إن إن» تفرد أثير هوائها لتغطية ما قاله الرئيس جو بايدن علنا عن «سلطة فلسطينية لا تقوم بواجبها»، ويسمح تقصيرها لـ»مسلحين بالتواجد»، فيما استديو «الجزيرة» يستنفر لتغطية زيارة الرئيس محمود عباس لجنين.
غريب أمر هالختيار بايدن، يصر على توجيه اللوم لـ»الضحية»، وينسى «جنود الرب» الإرهابيين، الذين حطمت مدرعاتهم، حتى رفوف الخبز والكعك في المخيم؟!
جنين بين ختيارين
الأغرب في الواقع أمر «الختيار الفلسطيني» – أطال الله في عمره – وهو يقف وسط «1000» من جنود الحراسة المدججين بالسلاح، حاملا أحد أغصان الزيتون، واعدا الشعب بزراعة «ألف شجرة»، بدلا من كل غصن اقتلعته مجنزرات الاحتلال.
شخصيا، أصوت لـ»الشرعية»، لكن لاحظت عبر ثنايا كاميرا الفضائية الفلسطينية مشهدا يستحق «زغروتة من الحجة»، حيث وقفت بشموخ «مدرعات درك فلسطينية» تتبع حرس الرئاسة والأمن الوقائي، في ثنايا وأزقة المخيم، تكتسي باللون الأزرق القاني، مع جنود بأسلحة وخوذات تلمع.
مشهد يبعث على البهجة، لكن السؤال: أين كانت تلك المدرعات عندما أرسل العدو ألفا من جنوده المدججين بالمدرعات والطائرات لقصف أغصان زيتون المخيم؟
فقدت القدرة على «الفهم والحفظ» معا: غير معقول أن المدرعات الفلسطينية المطلية بالكحلي وظيفتها توزيع أغصان زيتون فقط، على ضحايا الاعتداء الهمجي، ثم تقديم الشكر للجزائر على قرارها بإعادة بناء المخيم.
نزعم أن مشاهدة «أي رئيس فلسطيني» وسط شعبه، وفي مخيم، مشهد نضالي بامتياز.
لكن كنا نتمنى لو حمل «السيد الرئيس» في يد غصن الزيتون، وفي اليد الثانية رصاصة أو لوحة فنية رسم عليها مسدس حتى تصبح صيغة «الوحدة الوطنية» منطقية أكثر، فمشكلة السلطة والرئاسة ومدرعات الحرس، مع إسرائيل، وليس مع الشعب أو أهل جنين.
«كله عند أيمن»
«طائرة عسكرية في سماء جنين، ولأول مرة لا تقصف».
كانت تلك «عبارة ذكية» في مستهل تقرير مراسل قناة «رؤيا» الأردنية المحلية عن زيارة الرئيس لجنين.
تلك في كل حال التقاطة من المراسل الذكي، عجز عنها كبار الساسة من الشخصيات الأردنية، الذين سرعان ما يقولون لك عندما تستفتي عن «الرواية الأردنية» عبارة غريبة تقول «كل شيء عند أيمن».
«إسألوا أيمن»؟ «وينه أيمن؟». حاولنا نفهم «لكن أيمن مسافر»، تلك عبارات سمعناها في فضاء لجنتين تتقمصان حالة «الشؤون الخارجية».
زميلة «تعمل في تلفزيون مصري اتصلت بي: هل ترشح لنا شخصية أردنية تتحدث باسم الموقف الرسمي؟
زميل آخر في تلفزيون لبناني، سأل عن نفس الموضوع، وفقط قناة «الجزيرة» تلاحق بحماس أي معلومة أو كلمة يقولها «أيمن».
طبعا، المقصود زميلنا ووزيرنا للخارجية أيمن الصفدي، وقد سألته في أحد مراكز الدراسات مؤخرا عن «حاجة الجميع لفهم الزاوية الأردنية في قراءة مستقبل السيناريو الفلسطيني»، فرد، مشيرا الى أن «الموقف معقد، وفيه تفاصيل تحتاج لجلسة خاصة».
طبعا، لم تعقد الجلسة منذ 6 أسابيع، وحتى التلفزيون الرسمي تلاحظ عليه صعوبة تقديم معلقين لديهم معلومات طازجة أو يستطيعون فعلا تقديم «سردية مقنعة» عن الموقف الرسمي.
سياسي كبير جدا ومخضرم لاحظ: «مش معقول لا أحد لديه معلومات عن الموقف الرسمي، إلا الوزير أيمن»، ثم أضاف: «هذه حالة فريدة والرجل مشغول جدا».
أيمن، وزير نشط جدا، لكنه رجل مثلنا جميعا، مشغول للغاية ويتعرض لسوء فهم، ويُلام ويحمل كل «البطيخات» بحضنه، ويتركه الآخرون ولا يقومون بواجباتهم، ويقضي ثلثي عمره على طائرة.
بصراحة، نقولها: ينبغي أن يتوزع عبء الرواية الرسمية، وزميلنا يتوجب أن «يرتاح قليلا»، ذلك يوفر خيارات استراتيجية وإعلامية أكثر أمام القرار.
مدير مكتب «القدس العربي» في عمان