ربيع إسرائيلي!

حجم الخط
0

أعلن حوالي 160 ضابطاً من سلاح الجو الإسرائيلي تعليق خدمتهم في الاحتياط، وذلك احتجاجاً على الإصلاحات القانونية التي تسعى حكومة نتنياهو المتطرّفة إلى سنّها، وبكلمات أخرى سيتوقف هؤلاء عن التدريبات العسكرية، الأمر الذي يجعلهم غير جاهزين للقصف والإغارة بدقة على أهدافهم، التي قد تكون عمارة في قطاع غزة، أو سيارة في أحد شوارعها، أو بيتاً في مخيّم جنين فيه مقاومون، بسبب قانون يلغي حق القضاء في مراجعة قوانين تسنّها الكنيست وإلغائها بذريعة عدم المعقولية.
ثار الجمهور المعارض للانقلاب القضائي بصورة منظّمة وموجَّهة، فأغلق الشوارع ومطار بن غوريون، وعرقل حركة القطارات، والتصعيد مستمر في الاحتجاجات والضغط والتلويح بإضرابات واسعة تشلُّ الدولة.
لا شك في أهمية هذه الانتفاضة، لأنّها تدافع عن أهم معاقل الديمقراطية الإسرائيلية. إلا أنّ هذه الديمقراطية تجمع نقيضها من داخلها، فهي تجمع بين شرعنة الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى تضمن لمواطنيها الحقَّ في حرية التعبير والعيش بكرامة. ديمقراطية مشوَّهة تتيح ضم أراضي الآخرين بالقوة، وفي الوقت ذاته تتيح التّظاهر ضدّ هذا الضم ورفع دعوى قضائية، يقرِّر فيها القضاة معقولية هذا القانون أو ذاك. ديمقراطية مركَّبة من عدَّة وجوه، فهي متساهلة جداً ومتسامحة مع القَتلة، عندما تكون الضحية فلسطينية، كما هو الحال مع المتوحّد إياد الحلاق، الذي برَّأت المحكمة قتَلته، لكنَّها تتيح في الوقت ذاته رفع شعارات احتجاجية على قرار الحُكم، وتتيح كتابة مقالة تهاجم قراراً يبرِّئ قَتلة الأبرياء. الذي ينتفض الآن، هي الطبقة التي كانت صاحبة القرارات على مدار عقود، والتي كانت تدير السّياسة في الداخل وأمام العالم كنهج حياة غربي، تشعر الآن أنها تفقد سلطتها، وأن الأحزاب الدينية الأرثوذكسية تفرض فكرها الاجتماعي والسياسي على المجتمع، فهم سيحدّدون للناس نهج الحياة اليومي، وهذا يتعلّق بالطعام الحلال وتقديس السبت، الأمر الذي يعني عدم استطاعة المواطن في تل أبيب قيادة سيارته ابتداء من قبيل غروب الشمس يوم الجمعة، حتى بعد غروبها يوم السبت، الأمر الذي يعني تكبيل حركة ملايين الناس وإخضاعهم لرغبة الأقلية الدينية الأرثوذكسية حليفة نتنياهو، وهذا مسٌّ جوهري في روح الديمقراطية وفي نهج حياة الدولة التي أسّسها وبناها علمانيون. ستتدخل الأحزاب الدينية في مناهج التدريس، بحيث تصبح دينية أكثر وأكثر باتجاه الغيبيات، وضخِّ الأموال أكثر وأكثر إلى طلاب المدارس والمؤسسات الدينية. كذلك فقد يصل الأمر إلى فصل النساء عن الرجال في المواصلات العامة وغيرها.

التظاهر رائع جدا ضدَّ الانقلاب القضائي، لكن لا نستطيع أن نسميه ربيعاً إسرائيلياً ما دام لا يتطّرق إلى المعضلة الأساسية والأشد أذى، وهو الاحتلال

يشعر المنتفضون الآن أنهم في طريقهم إلى فقدان مكانة إسرائيل باعتبارها جزءاً من منظومة الدول الديمقراطية الغربية، وبهذا تشويه لصورة إسرائيل التي يراها الغرب حليفة فكرية له، وهذا ما يمنحها ميزة عن ما يحيط بها من أنظمة تحارب الديمقراطية بشراسة في المنطقة العربية. عندما نرى هذه الآلاف تتظاهر بقوّة، نتساءل لماذا يصمت هؤلاء على الاحتلال وكوارثه التي يجلبها على رأس الشعب الفلسطيني؟ أين هؤلاء من مصادقة الحكومات المتعاقبة على سياسة الضَّم وبناء أكثر من مئة مستوطنة في الضفة الغربية خلال العقود الأخيرة! ولماذا الصمت، بل الموافقة على ضم هضبة الجولان! ألا يرى هؤلاء في البناء الاستيطاني نقيضاً للديمقراطية! ألا يرى هؤلاء أن الشعب الفلسطيني يستحق الحرية وتقرير مصيره في وطنه مثل بقية شعوب الأرض، كما نصَّت على ذلك قرارات دولية كثيرة! ألا يرى المنتفضون حصار قطاع غزة المستمر منذ ما يقارب العقدين، وبأنَّه يؤدِّي إلى كوارث بيئية وصحيّة لسكّانه! أين هؤلاء من الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى من قبل جمهور المتطرِّفين بقيادة أعضاء كنيست ووزراء، ألا يرون أن اقتحام مقدسات الآخرين مناقض للديمقراطية! يريد هؤلاء احتلالاً أقل استفزازاً للفلسطينيين وللعرب وللعالم، أي إدارة احتلال أكثر ذكاء، وملخَّصُه إبقاء الاحتلال وقضم الأرض والتوسِّع دون استفزاز أصدقاء إسرائيل وداعميها. نعم إن التظاهر رائع جدا ضدَّ الانقلاب القضائي، لكن لا نستطيع أن نسميه ربيعاً إسرائيلياً ولن يكون كذلك، ما دام أنّه لا يتطّرق إلى المعضلة الأساسية والأشد أذى، وهو الاحتلال، أقذر مستويات الديكتاتورية وممارساتها ووحشيتها.

كاتب فلسطيني

ربيع إسرائيلي
الإصلاح القضائي
الاحتجاجات
الاحتلال الإسرائيلي
بناء المستوطنات

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية