بعد زيارة هرتسوغ لواشنطن.. للإسرائيليين: اقرأوا رسالة بايدن من مقال فريدمان

حجم الخط
0

كانت واشنطن دائماً الكأس المقدسة للسياسيين الإسرائيليين. من ناحية رؤساء الحكومة، فإن السفر الأول لواشنطن هو نوع من حفل تتويج غير رسمي، وكل سفر بعد ذلك هو رحلة دراماتيكية أو تاريخية، وبالتأكيد يتم عرضها كرحلة لها أهمية سياسية كبيرة وتعزيز للتحالف الاستراتيجي، وهكذا دواليك. ولكن واشنطن لم تكن في “ديزني لاند” للسياسة الإسرائيلية كما كانت في هذا الأسبوع، وكل شيء كان حول قضية “الزيارات”.
عملياً، يدور الحديث عن 3 زيارات إلى البيت الأبيض، الزيارة التي لم تكن وهي زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والزيارة التي كانت وهي زيارة الرئيس إسحق هرتسوغ، ثم الزيارة التي ظهرت أهميتها وبحق، وهي زيارة توماس فريدمان صاحب العمود في “نيويورك تايمز”. عدم زيارة نتنياهو غطى على زيارة هرتسوغ، الأمر الذي جعل الرئيس يحول الرسالة التي أرسلها بواسطة فريدمان إلى الموضوع الرئيسي. تضخيم زيارة هرتسوغ في وسائل الإعلام الإسرائيلية بسبب عدم دعوة نتنياهو، وضع في المنظور الصحيح فقط عندما نشر مقال فريدمان الأخير.
إذا كان هناك أمل لأحد أو أمنية أو وهم بأن زيارة هرتسوغ ستخفف الأزمة في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة فقد تبين أن الأمر يتعلق بخطأ أساسي. الأزمة في العلاقات حقيقية وجوهرية، وتتعلق بصلب العلاقات. “قيم مشتركة”. التصفيق الذي حظي به هرتسوغ أثناء إلقاء خطابه في الكونغرس هو الدليل على الصداقة الأساسية والدعم لإسرائيل، لكنه لا يخفف الشرخ. مشكلة الإدارة الأمريكية هي نتنياهو. عدم الثقة الذي صنعه لنفسه بجهد كبير في واشنطن خلال سنين؛ وتشكيل ائتلافه المتطرف والمسيحاني؛ والانقلاب النظامي، والحرب ضد الديمقراطية؛ والسياسة في “المناطق” [الضفة الغربية] التي تقترب من الضم الفعلي… هذه عوامل لا يمكن لأي زعيم ليست له صلاحيات تنفيذية أو أنه لا يملك أي تأثير على السياسة تغييرها، حتى لو أطلق مئة إضافية من الألعاب النارية والشعارات حول قوتها وتميزها وعن ثبات الديمقراطية في إسرائيل.
عندما يقول الرئيس الأمريكي “إذا تبين أننا لا نتشارك نفس القيم الديمقراطية فسيكون من الصعب الحفاظ على شبكة العلاقات الخاصة التي طورتها الدولتان خلال 75 سنة لـ 75 سنة أخرى”. لا يمكن تغطية ذلك من خلال المناورات. جودة وخصوصية العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل رغم عدم التشابه بينهما، ولدت على خلفية الحرب الباردة، وهي ترتكز إلى دعامتين: الأولى، مظلة سياسية دائمة وموثوقة، توفرها الولايات المتحدة لإسرائيل في المؤسسات الدولية حتى وإن تعارضت سياسة إسرائيل مع سياسة الولايات المتحدة العلنية. الثانية، الالتزام الدائم بأمن إسرائيل و”تفوقها النوعي النسبي” وأن تكون أول من يصل إلى منظومة السلاح والأبحاث والتطوير والتكنولوجيا. هاتان الدعامتان ترتكزان على قيم مشتركة – الرؤية التي تقول بأن الولايات المتحدة وإسرائيل هما دولتان صديقتان ومتشابهتان: صديقتان ديمقراطيتان في الجوهر، ودولتان قامتا ضد عملية تاريخية رداً على الاضطهاد والظلم، وتحدياً للعالم القديم، وتعتبران أنفسهما نموذجاً للتقليد. الولايات المتحدة هي “المدينة الواقعة فوق التلة”، وهذا مصطلح مأخوذ من موعظة الجبل التي ألقاها المسيح، وإسرائيل هي “منارة للأغيار”.
مفهوم “قيم مشتركة” لا يعتبر شعاراً أو ملصقاً على السيارة. فبدون هذه النواة لا يوجد للعلاقات أي معنى استراتيجي نوعي يختلف عن علاقات الولايات المتحدة – تركيا، والولايات المتحدة – اليابان. لذلك، عندما اقتنع الرئيس بأن إسرائيل انسحبت من منظومة العلاقات هذه وأصبحت تشبه تركيا أو هنغاريا، نفد صبره لأن إسرائيل ما تزال مهمة لأمريكا. لم ينتقد جو بايدن وأسلافه تفكك الديمقراطية في تركيا أو هنغاريا أو بولندا أو البرازيل – وهي دول مهمة بدرجة لا تقل أهمية من حيث سياقاتها الجيوسياسية – وحتى إنه لم يتم تحذيرها.
محادثة بايدن مع فريدمان في البيت الأبيض لم يكن من الواجب أن تفاجئ أحداً في إسرائيل. فهي متسقة مع سياسة الإدارة منذ تشكيل حكومة نتنياهو في كانون الأول 2022، خاصة منذ تم الإعلان عن “الإصلاح النظامي”، الذي يعني انقلاباً نظامياً، في بداية العام 2023. وعدم دعوة نتنياهو لزيارة واشنطن تحول إلى أمر فظ كلما مر الوقت، وزيارة رئيس الدولة هرتسوغ أضافت إلى ذلك حزمة ضوء غير مشجعة. خلال أشهر، حذر بايدن من ثمن لسياسة نتنياهو، وفي أفضل الحالات استقبل بتجاهل، وفي أسوئها بتطاول بربري فظ من قبل الوزراء وأعضاء الكنيست الثرثارين. الغضب وخيبة أمل نتنياهو من زيارة هرتسوغ مبررة. زيارته، التي هدفت إلى إلقاء خطاب في مجلسي النواب والشيوخ في جلسة مشتركة احتفالية بمناسبة الذكرى الـ 75 سنة على استقلال إسرائيل، تحولت إلى زيارة سياسية كانت فيها لقاءات مع الرئيس الأمريكي ونائبه ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي والسكرتير العام للأمم المتحدة.
نتنياهو محق. الحديث لا يدور عن زيارة لرئيس، ولا على خلفية عدم زيارة رئيس الحكومة. وقد أدرك بايدن المشكلة وتحدث مع نتنياهو هاتفياً. يا للعجب! الأمر الوحيد الذي فهمه نتنياهو من المحادثة هو أن بايدن دعاه أخيراً. ولكن في بيان البيت الأبيض لا يوجد أي ذكر لدعوة أو زيارة، بل مصادقة شفوية على أنهما “سيلتقيان في الولايات المتحدة مستقبلاً”، ليس بالضرورة في واشنطن، ومن غير الواضح متى، ربما في أيلول القادم، بما يسمى “على هامش الجمعية العمومية” التي يلتقي فيها الرئيس الأمريكي مع 50 – 60 رئيس دولة في لقاءات مدتها 10 – 15 دقيقة على الأكثر.
جو بايدن وضع نتنياهو أمام مفترق طرق. فقد أثنى على الاحتجاج في إسرائيل، وحذر من مواصلة التشريع بدون “موافقة واسعة”، ومن وجود ثمن لذلك. المقطع الساخر الذي عكس الفوضى في الحكومة جاء عندما نفى رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، أقوال بايدن. نعم، أنتم قرأتم الأمر بشكل صحيح. هنغبي نفى أقوال بايدن لفريدمان. ربما كان يقصد أن هذا لم يتم قوله لنتنياهو، لكن السخرية في الصياغة لا تسلي مجلس الأمن القومي الأمريكي.
يجب على نتنياهو الآن التقرير إذا كان سيجمد التشريع بضغط من الولايات المتحدة، أم سيواصل على فرض أنه دفع الثمن. هو مخطئ، فهو لم يدفع الثمن حتى الآن.
ألون بنكاس
هآرتس 20/7/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية