برلين- “القدس العربي”:
مع احتشاد عشرات آلاف الإسرائيليين في تل أبيب، وقرب مبنى الكنيست في القدس، السبت، لتكثيف الاحتجاجات على مشروع قانون “الإصلاح” القضائي المثير للجدل، قبل التصويت النهائي على عنصر أساسي فيه، سلّطت مجلة “شبيغل” الألمانية الضوء على الجنود الإسرائيليين، ولا سيما من سلاح الجو، الذين باتوا يهدِّدون بوقف الخدمة، وإعلان الإضراب العام، في حال إقرار هذا القانون المثير للجدل.
وأثار “الإصلاح” القضائي المقترح من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو اليمينية المتشددة، انقساماً حاداً لدى الإسرائيليين، وسبّبَ واحدة من أكبر حركات الاحتجاج في تاريخ البلد، حيث كشفت الحكومة النقاب، في كانون الثاني/يناير، عن خطة للحد من سلطات المحكمة العليا، في إطار حزمة “إصلاحات” تعتبرها المعارضة تهديداً لـ “الديموقراطية”.
وتشمل التغييرات المقترحة الأخرى إعطاء الحكومة دورًا أكبر في تعيين القضاة.
طيار إسرائيلي: الحكومة باتت قريبة جداً من تجاوز الخطوط الحمراء لديهم.
ووفقاً لأرقام إسرائيلية، فقد هدّد أكثر من 1100 جندي من قوات الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي، بينهم طيارون، بتعليق الخدمة التطوعية، مع اشتداد الاحتجاجات، السبت، قبل تصويت نهائي في الكنيست على مشروع القانون.
وبحسب “شبيغل”، التي تمكّنت من إجراء بعض المقابلات مع هؤلاء الطيارين من أجل فهم حقيقة ما يجري داخل هذه المجموعة الرافضة، فإن المزيد، والمزيد من جنود الاحتياط باتوا يهددون برفض الخدمة. وأصبح من الواضح لهؤلاء الجنود أهمية اتخاذ موقف هجومي ضد الحكومة، و”إصلاحها” القضائي المثير للجدل.
وبحسب المجلة الألمانية، وبعد محاولات من أجل فهم حقيقة ما يجري داخل سلاح الجو الإسرائيلي، فقد تمكّنت من عمل لقاء مطول مع أحد هؤلاء الذين هددوا بوقف الخدمة، حيث تحدث عن موقفه وموقف زملائه من أهمية الخطوة التي يقومون بها. ورفض الطيار من سلاح الاحتياط، والذي رفض إظهار اسمه الحقيقي، مصطلح كلمة الاحتياط التي تصنفهم بها الحكومة، وقال:
«الاحتياط مصطلح مضلل إلى حد ما بالنسبة لطياري القوات الجوية. نحن مدنيون، لكننا نتدرّب أسبوعيًا، ونطير بمهمات عند الحاجة. الجيش كله يحتاج إلى جنود احتياط، وخاصة سلاح الجو. أخاطر بحياتي عندما أكون ضمن مهمة حربية أو استطلاعية مثل باقي الجنود».
ويقول الطيار الإسرائيلي للمجلة إنه، وغيره من الجنود الرافضين لهذا القانون، باتوا «يشعرون بأنهم ممزقون من الداخل، وبأن الجنود باتوا يشعرون بشكل أوضح أن إسرائيل باتت تتّجه بشكل أسرع من الديمقراطية صوب الديكتاتورية».
وقال: «قرارنا بات واضحاً: لن نخدم ديكتاتوراً. نحن كنا نخدم البلد. نحن نخدم القيم التي تأسسنا عليها، وباتت تضمحل مثل الحرية والعدالة والديمقراطية، بيد أن هذه القيم باتت مهددة لدينا، ونحن أمام معضلة كجنود، فأنا أريد أدافع عن البلد، وأشعر أنها باتت مهددة أكثر من ذي قبل، بيد أن أكبر تهديد نشعر به هو اختفاء الديمقراطية لدينا».
فقدان ثقة متزايد
وبحسب الطيار الإسرائيلي، فإن غالبية الطيارين الاحتياطيين قلقون. لا يعرفون ما إذا كان بإمكانهم الوثوق بهذه الحكومة. وقد نوقش هذا علناً في سلاح الجو. تختلف الآراء فقط حول ما يجب أن يحدث بالضبط بالنسبة لهم لإنهاء خدمتهم. لكن الجميع يتفقون على أن الحكومة باتت قريبة جداً من تجاوز الخطوط الحمراء لديهم، ولا يعرف الجندي الإسرائيلي كيف ستصبح هذه الحركة الاحتجاجية، وهل ستكبر، وهل ستقود لأمور أخرى، بيد أنه يقول في حال إقرار القانون سأتقاعد وسأحاول الاختفاء والتواري.
طيار إسرائيلي: في حال إقرار القانون (الإصلاح القضائي) سأتقاعد وسأحاول الاختفاء والتواري.
وقال الطيار الإسرائيلي: «أنا واثق أن هذا الأمر سيقود لتبعات عسكرية. إسرائيل قد تفقد تفوقها الجوي، وقد تجد صعوبة في الدفاع عن نفسها. لكن مرة أخرى، فإن خطر الديكتاتورية أكبر من أي تهديد خارجي».
وقال للمجلة الألمانية: «لا يوجد طيار واحد يصدق ما يقوله بنيامين نتنياهو. إنه كاذب مريض. لقد فقد مصداقيته بالكامل. لا أعرف حتى ما قاله. لم أعد أستمع إليه».
وأضاف: «يتم سؤالي ماذا لو هاجم حزب الله، أو تعرضت البلاد لحرب، ألن تشاركوا في القتال، بيد أنه لا توجد إجابة لدي، ولا لبقية الزملاء، حتى لو هاجمت إيران فجأة، واندلعت الحرب، فلا يوجد إجابة لدي كيف سأتصرف، لقد وضعتنا الحكومة أمام معضلة كبيرة».
وكان جنود الاحتياط قد أصدروا بياناً، ضمّ توقيع 235 طيارًا مقاتلًا، و173 قائد مسيّرات، و85 جنديًا من قوات الكوماندوس، أكدوا فيه أنهم «يتشاركون جميعًا مسؤولية وقف الانقسام العميق والاستقطاب والشقاق بين الناس».
ودعوا الحكومة لـ «التوصل إلى توافق واسع، وتعزيز ثقة كل فئات الشعب بالنظام القضائي والحفاظ على استقلاليته».
وقال الموقعون إن أي تشريع يُنفَّذ بطريقة “غير منطقية”، «من شأنه أن يقوّض رغبتي في مواصلة المجازفة بحياتي، وسوف يحثّني بحزن شديد على تعليق خدمتي التطوعية في قوات الاحتياط».
ويتعيّن على معظم الإسرائيليين الذين أنجزوا خدمتهم العسكرية الإجبارية، التي تستمر 32 شهرًا للرجال، و24 شهرًا للنساء، المشاركة طواعية في صفوف قوات الاحتياط لفترة محددة سنوياً.
وأعلن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت أنه “يتخذ خطوات للتوصل إلى إجماع واسع”، في وقت تشتدّ أهمية القدرات العسكرية، في ظل التصعيد الحالي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.