إسرائيل أمام السؤال: ما الذي عرضه رئيس الأركان على نتنياهو في الغرفة المغلقة؟

حجم الخط
0

بعد 75 سنة وشهرين من توقيع الحكومة المؤقتة لإقامة الجيش الإسرائيلي، أجيز هذا الأسبوع التشريع الذي سيشهد بداية تفكيك الجيش. في الأسابيع القريبة القادمة سنواصل قياس الضرر اللاحق بأهلية الجيش وكم من الوقت سيكون مطلوباً لأجل استعادتها، لكن الشرخ الكبير الذي فتح في الجيش الإسرائيلي لم يعد ممكناً رأبه. لن يعود الجيش الإسرائيلي ليكون الجيش الذي كان.
صحيح، تآكلت فكرة “جيش الشعب” منذ زمن بعيد، وأصبحت أسطورة. فمعدل الحريديم المعفيين من الخدمة يتزايد كل سنة بسنة ويقترب إلى 20 في المئة من عموم أبناء الـ 18 اليهود. لكن الأسطورة كانت قوية بما يكفي لتشجيع 70 في المئة من الفتيان الإسرائيليين على التجند، وهذا معطى ليس تافهاً. بخلاف الديماغوجيا السائدة، فإن معدلات التجنيد الأعلى سجلت في المدن العلمانية في مركز البلاد، ومنها أيضاً يأتي معظم المقاتلين في الوحدات القتالية. معدلات التجنيد العالية للشبيبة والتي أبقي عليها رغم عدم المساواة البارزة وعلى الرغم من الثواب البائس للخادمين هي الأساس لتميز الجيش الإسرائيلي وقدرته على الحفاظ على تفوق نوعي هائل على المحيط.
روى لي قائد وحدة 8200 ذات مرة عن لقاء له مع رئيس وكالة جمع المعلومات الإلكترونية البريطانية، التي تعتبر الأفضل في العالم. “أحسدك على قدراتكم”، قال له القائد الإسرائيلي. “أتمزح؟”، أجاب البريطاني، “أحسدك! أعطني ما لديك كل سنة لسنة واحدة – القدرة على انتقاء أبناء الـ 18 من بين عموم وتجند الأفضل، وستملك تفوقاً هائلاً لا جهاز استخبارات آخر تجد له مثيلاً في العالم الغربي”.
يبدأ التفوق الهائل الآن في التآكل. مواليد العام 2005، الذين بدأوا بالتجند الأربعاء من هذا الأسبوع، يتجندون لجيش آخر، لدولة أخرى، وهم يصلون إلى غرفة التجنيد مع علامات استفهام وترددات لم ترافق أي جيل آخر من المتجندين. بالمناسبة، منذ بداية الشهر انتهى مفعول قانون التجنيد السابق والإعفاء الجارف الذي منحه للحريديم. ابتداء من تموز، تحول آلاف الشبان الحريديم إلى فارين رسمياً من الخدمة. غير أن الحكومة وجهت تعليماتها لوزير الدفاع وللجيش بعدم اتخاذ إجراءات تجنيد ضد تلاميذ المدرسة الدينية الرقيقين حتى نهاية آذار 2024، لمنح الكنيست الوقت لإثبات تهربهم في قانون جديد وخالد.
رغم هذا التشويه، كانت الخدمة في الجيش الإسرائيلي حتى الآن في إجماع واسع، وحظي الخادمون بالاعتراف والتقدير من كل أجزاء المجتمع، حتى لدى قطاع المتهربين. والآن، في إطار التفكيك العام، تحطم حكومة الخراب هذا الإجماع أيضاً. أعضاء الائتلاف الذين بدوا وكأنهم في منافسة دائمة على البهيمية وفظاظة الروح يتهجمون بفظاظة على الخادمين ولهذا ثمنه.
روى رئيس الأركان لرئيس الوزراء هذا الأسبوع (حين تفضل نتنياهو بلقائه) بأن طيارين وضباطاً في سلاح الجو يلقون ملاحظات مهينة في الحيز العام. يسمونهم “شماليون مدللون” حين يتسوقون في السوبرماركت. وفي محطة الوقود يصرخون عليهم بأنهم “بيض مميزون”. بعضهم يفضل نزع البزة عند الخروج من القاعدة ولاحقاً سينزعون البزة إلى الأبد.
يعرف هرتسي هليفي بأنه يفقد الجيش الذي كان له، ويشعر أيضاً بأنه إسناد له من رئيس الوزراء. انعدام الوسيلة لديه انكشفت في الفيلم البشع الذي نشر هذا الأسبوع وفي دعوته اليائسة لتقريب رجال الاحتياط بمن فيهم أولئك الذين اختاروا ألا يمتثلوا للخدمة. صورة الوضع التي عرضها على رئيس الوزراء في الغرفة المغلقة كانت قاتمة أكثر بكثير. عدد الطيارين الذين أعلنوا أنهم يتوقفون عن الامتثال يقترب في نهاية هذا الأسبوع إلى 300. وهم يشكلون الهيكل المجرب والكبير لسلاح الجو، وهم شريحة كبيرة جداً من عموم القوة المقاتلة. ثمة ضرر شديد لقدرة سلاح الجو، ولهذا سيتفاقم مع مرور الوقت، حين يفقد هؤلاء الطيارون أهليتهم.
نجد أن الوضع في القيادة العملياتية أخطر من ذلك؛ نحو مئة من أصحاب الوظائف بمن فيهم الأعلى، أعلنوا عن وقف الامتثال. لم يعد ممكناً في الليالي الأخيرة ملء كل المواقع في حجرات التحكم في السلاح. لا يوجد لسلاح الجو بديل عن هؤلاء الأشخاص المجربين وخبراتهم، وسيتعين عليه أن يهاود ويأتي بأناس أقل تأهيلاً للمهام وللوظائف المختلفة.
منظومتان أخريان في الجيش تعرضتا لضرر جسيم: منظومة الطب وشعبة الاستخبارات. نحو خُمس رجال الطب أعلنوا عن وقف الامتثال، وهم أيضاً لا بديل فورياً لهم. صحيح أن الأطباء لن يهاجموا في إيران، لكن لا يمكن لأي كتيبة أن تخرج إلى الحرب أو حتى إلى التدريب بدون طبيب. مئات من أصحاب الوظائف والاختصاصات في شعبة الاستخبارات يتوقفون عن الخدمة، وهناك أيضاً سيستغرق وقتاً حتى تنشئة بدائل.
لن تقف هذا الموجة عند خادمي الاحتياط فقط؛ فقد بدأت تعطي مؤشراتها الآن بين خادمي الدائم ممن يتحدثون عن فك العقد. ويتواصل هذا إلى النظامي أيضاً، حين يبدأ أهالي المتجندين بالتردد فيما إذا كان مناسباً إيداع الأعز لديهم في يدي دولة سلوكها ثائب. سيكون مشوقاً أن نرى إذا كان هذا المزاج سينعكس الآن في معطيات تجنيد آب الذي بدأ الآن.
لا شيء من هذه الأمور كان جديداً لرئيس الوزراء. فقد اطلع على ذلك قبل أيام. وإذا كان لأحد ما شك، فقد أوضح نهائياً بأن الأمن لم يعد على رأس اهتمامات بنيامين نتنياهو. فاليأس والهزيمة المنعكسان من وجه وزير الدفاع يوآف غالنت في أثناء التصويت ليسا فقط مؤشراً على هزيمته الشخصية – بل هزيمة أمننا جميعاً.
تضرب ألسنة لهيب الانقلاب النظامي الآن ليس فقط بالجيش الإسرائيلي، بل تقترب أيضاً من قدس أقداس إسرائيل – لجنة الطاقة الذرية. في أوساط علماء كبار اللجنة، يدور خطاب يقظ في الأسابيع الأخيرة عن استمرار طريقهم وعن السؤال إذا كانوا يريدون مواصلة خدمة الدولة التي تصبح مَلكية. هؤلاء العلماء هم مجموعة ضيقة جداً تحمل على أكتافها تطوير قدرات إسرائيل النووية. هم أصحاب علم خاص، يغازلون في كل العالم، ولا بديل لهم حقاً.
في المرات السابقة التي خربت فيها إسرائيل، قام أفضل أبناء هذا الشعب، وحزموا أمتعتهم وخرجوا إلى المنفى. بقيت من خلفهم حاضرة يهودية صغيرة، ظلامية، فقيرة وضعيفة كانت فريسة سهلة لشعوب أجنبية. أما التهديد بالخراب الثالث فمحظور قبوله مرة أخرى، هذا القدر التاريخي.
كلنا أبناء لعائلات تضطر مرة كل بضعة أجيال للنهوض من مكان وجودها وتنتقل إلى مكان آخر. أقيمت دولة إسرائيل كي تكسر دائرة التنقل هذه، ومنذ بدأنا نتجمع هنا من جديد، أثبت التاريخ القصير للصهيونية بأننا معاً يمكننا التصدي لكل تحد وكل الاحتمالات. لم ييأس آباؤنا حتى أمام تحديات أصعب، وحتى لو كان التحدي هذه المرة من الداخل فسنتغلب عليه لأن لدينا قدرة عليه.
ألون بن دافيد
معاريف 28/7/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية