ماذا لو رضخ مبابي للعقد السعودي الملياري؟ وهل يكتفي الريال بالمتابعة فقط؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: تضاعف الغموض حول مستقبل الميغا ستار كيليان مبابي، أكثر من أي وقت مضى، بعد القنبلة الصحافية التي فجرها الإعلام الفرنسي منتصف الأسبوع الماضي، بوضع اسم الهداف التاريخي لباريس سان جيرمان في جملة مفيدة مع نادي الهلال السعودي، في ما عُرف ووُصف إعلاميا بالعرض الملياري، الذي أحدث هزة عنيفة هناك في مكاتب «سانتياغو بيرنابيو»، لخطورته الشديدة على خطط وأهداف رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز، في تأمين الهجوم الأبيض لنهاية العقد الجاري، بالتوقيع مع المدمر الباريسي، بعد وصول علاقته بأصحاب «حديقة الأمراء» إلى طريق مسدود.

الرد المبدئي

يعرف المتابع البسيط قبل خبراء النقد والتحليل، أن رئيس النادي الباريسي السيد ناصر الخليفي، أعطى الضوء الأخضر لبيع المهاجم المتمرد بأعلى عائد مادي متاح هذا الصيف، وذلك بعد انتهاء المهلة المحددة لكيليان ومستشاريه، بشأن الرد على رسالة النادي، إما بالجلوس على طاولة المفاوضات لتفعيل بند تمديد عقده لمنتصف العام بعد المقبل، وإما عدم لوم الإدارة في الحفاظ على حقوق الكيان، وهذا وضح في الخطوة المفاجئة للوالدة ووكيلة أعماله السيدة فايزة العماري، بإجباره على التدرب مع الفريق الرديف للنادي في العاصمة، وحرمانه من مرافقة اللاعبين في جولة الاستعداد للموسم الجديد في كوريا الجنوبية واليابان، كرسالة ضمنية إلى رغبة النادي واستعداده للبيع لمن يدفع أكثر، وهو ما حاول صندوق الاستثمار استغلاله، كما تابعنا في ردود الأفعال على انفراد صحيفة «ليكيب»، عن العرض الخرافي الذي طرحته إدارة الزعيم الهلالي على طاولة رجل الأعمال القطري ناصر الخليفي، لنقل مبابي إلى دوري روشن، في صفقة قياسية في عالم كرة القدم، بموجبها ستنتعش خزينة باريس سان جيرمان بما مجموعه 300 مليون يورو على أقل تقدير، وبالنسبة للميديا والميركاتو، ستكون الصفقة الأغلى في تاريخ اللاعبين، بكسر الرقم المسجل باسم نيمار جونيور، في صفقة انتقاله من «كامب نو» إلى «حديقة الأمراء» بقرابة الربع مليار يورو، لكن المثير للدهشة والاستغراب ما يتردد عن راتب اللاعب، إذ يُقال إنه سيقضي فترة نقاهة في جنة النجوم الجديدة في الشرق الأوسط، نظير حصوله على 700 مليون بنفس العملة، شاملة حقوق صورته، وذلك بعقد مدته عام واحد، حتى يعوض صفقة البرغوث ليونيل ميسي، بعدما رضخ لضغوط زوجته أنتونيلا، التي كانت ترغب في نقل حياة الأسرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا لاعتقاد المسؤولين في السعودية، أن تأثير الصفقة إعلاميا وجماهيريا ومكاسبها لخطة دوري روشن بثوبه الجديد تفوق المليار يورو. ومع ذلك، تخبرنا الرواية الرائجة في المحيط الإعلامي المقرب من ريال مدريد، أن الدولي الفرنسي، لم ولن يوافق على العرض السعودي، والأمر لا يتعلق فقط برفضه واعتراضه على فكرة الابتعاد عن المجد واللعب في أعلى مستوى تنافسي في عالم المركولة المجنونة، بل أيضا لتجدد النوبة البيضاء، برغبة زائدة هذه المرة لتحقيق حلم الطفولة وكتابه الكوميدي «أريد اللعب في ريال مدريد»، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن الوثوق في لاعب قال «لا» مرتين لنادي القرن الماضي بسبب المال؟

ماذا لو؟

بحسب ما نسمع ونقرأ على رأس الساعة في الصحف والمواقع الرياضية، فإن النادي الباريسي لا يكترث لاسم المشتري المحتمل لأفضل لاعب في العالم، بل أبعد من ذلك، أكد بعض المصادر أن الإدارة وافقت على العرض السعودي، وأعطت مسؤولي الهلال الضوء الأخضر لطرق أبواب السيدة فايزة العماري. وحتى وقت كتابة هذه الكلمات، لم يصدر أي بيان أو حتى تلميحات من اللاعب وبيئته عن موقفهم من العرض الخرافي، وهذا يعكس صعوبة القرار، على أسرة معروف عنها براعتها في المعارك التفاوضية طويلة الأجل، لضمان فرض شروطهم المادية، التي يراها البعض شطارة وذكاء من العقل المدبر فايزة العماري، والبعض الآخر يضعها في إطار المساومة والتعامل مع اللاعب على أنه سلعة باهظة الثمن، وفي رواية أخرى «دجاجة تبيض ذهباً كل يوم»، لكن في كل الأحوال، هذا يأخذنا إلى «بيت القصيد»، وهو صعوبة الوثوق أو التسليم بوعود مبابي وبيئته عندما يتعلق الأمر بالدلع والطبطبة في حساباته البنكية، ولا ننسى أنه في قانون الحياة، من تمنع ورفض مرتين، من السهل جدا أن يكررها مرة ثالثة، بعدما أيقن أن موهبته أكبر من شعارات الأخلاق والمبادئ، فيكفي أنه في مثل هذه الأيام في «ماركا» و«آس» وباقي المنصات المقربة من القرش الأبيض الكبير، كانوا يتسابقون في تمرير رسائل فلورنتينو بيريز، عن تحريم اسم مبابي على قميص النادي الملكي للأبد، ردا على ما وُصفت آنذاك بالخيانة والمخادعة، بالاتفاق مع وسطاء الرئيس على الخطوط العريضة في عقد انتقاله إلى «سانتياغو بيرنابيو» بموجب قانون بوسمان، وفي الأخير فاجأ عالم كرة القدم بموافقته على تجديد عقده في معقل «بي إس جي» لمدة موسمين وآخر باتفاق الطرفين، وذلك بسبب الامتيازات المادية المهولة، ومنها ما يُقاتل من أجلها في الوقت الراهن، وهو ما ابتكرته الوالدة تحت مسمى «بند الولاء» للنادي، لموافقته على التجديد بدلا من الخروج بموجب قانون بوسمان، لدرجة أن بعض المصادر، تؤكد أنه على استعداد للمضي قدما في تمرده على النادي، حتى لو اضطر للجلوس على مقاعد البدلاء طوال الموسم الجديد، ليظفر بهذه المكافأة بجانب الأخرى التي ستنتظره بمجرد أن يضع القلم على عقده مع ناديه الجديد، لذا دعونا نتفق، على أنه على الورق ومن ناحية المنطق والعقل، سيكون من الصعب رفض العرض، الذي سيوفر للعائلة ما يزيد على المليون يورو كل صباح، في ما ستكون أشبه بالعطلة المدفوعة الأجر، قبل أن يبدأ في تحقيق أحلامه الكروية مع نادي الطفولة، وأيضا في الموعد المتفق عليه صيف 2024، حتى تتم تحت مسمى صفقة انتقال حر، سواء بعد انتهاء عقده مع باريس أو وافق على جنة عدن السعودية لمدة عام.

رفاهية ومجازفة

بالعودة إلى تفاصيل العقد السعودي، سنجد أنه سيضمن لمبابي زيادة تقدر بنحو 1000% من راتبه الحالي وما سيتقاضاه مع الريال في المستقبل، ولنا أن نتخيل انعكاس وتأثير حياة الرفاهية والمكانة التي سيحصل عليها، على شخصيته وطريقة تفكيره ونظرته الى الحياة. الأمر أشبه بموظف أو مهندس أو طبيب أو صحافي كان يعمل في مؤسسة صاعدة أو ناشئة مقابل ربع مليار يورو في الموسم، وفي العام التالي سيعود إلى سطح الأرض مرة أخرى ليتقاضى فتات الفتات، رغم أنه بنسبة كبيرة سيكون الأعلى أجرا في القارة العجوز، لكن في نهاية الأمر، ستبقى مجازفة كبرى من الريال ورئيسه فلورنتينو بيريز، بالاكتفاء بمشاهدة وريث كريستيانو رونالدو يهرب للمرة الثالثة بعد 2017 و2022، وهذه المرة، من مسار مختلف وغير متوقع من قبل اللاعب ووالدته. وبعبارة أكثر وضوحا، قد يصطدم بوجه آخر لمبابي أكثر جشاعة بعد ملايين السعودية، وسيكون ذلك في صورة ترحيب بمد العقد مع الهلال لموسم آخر وربما اثنين، أو في أضعف الاحتمالات سيرفع شعار «الأولوية لمن يدفع أكثر في أوروبا»، بعد انتهاء التزامه في جنة روشن الموسم المقبل، ولهذا يرى الكثير من النقاد والمتابعين، أن فرصة الريال الأخيرة للتخلص من صداع صفقة العقد، هو الإسراع في طرق أبواب «حديقة الأمراء»، من أجل التوصل إلى اتفاق مع الخليفي والمسؤولين على كافة التفاصيل، بدلا من مد فترة الانتظار والمبالغة على رهان استسلام النادي الباريسي كلما اقترب موعد «الديد لاين»، على الأقل لإنقاذ المدرب كارلو أنشيلوتي، بعد صدمة خروج ثاني أفضل هداف في تاريخ النادي كريم بنزيمة، الذي صدم النادي بقراره المفاجئ بالاكتفاء بما قدمه للكيان منذ العام 2009، بينما كانت الإدارة تخطط لخروجه في صيف 2024، ريثما تغلق صفقة كيليان مبابي بموجب قانون بوسمان، أو يقع الاختيار على خليفة بنفس مواصفات الجزائري الأصل. ولعل من شاهد المباراة الافتتاحية للريال في جولة الاستعداد للموسم الجديد أمام ميلان، لاحظ الرسائل غير المبشرة للخط الأمامي، وبالأخص ضعف إنتاجية وتأثير خوسيلو، رغم مجهوده الكبير في الركض وضغطه على حامل الكرة من الروزونيري، حتى العائد لبيته براهيم دياز، بدا تائها في مركز رقم 10 في طريقة 4-3-3. وبوجه عام، لم يتحسن الأداء إلا بعد مشاركة فينيسيوس ورودريغو في الشوط الثاني، الذي شهد الريمونتادا بقلب التأخر في النتيجة من 2-0 إلى فوز معنوي بثلاثية مقابل اثنين، لكنه كان كاشفا للشكوك حول فاعلية الهجوم وجودة رأس الحربة الذي سيتحمل المسؤولية في أول موسم بدون أبو إبراهيم.

معضلة الريال

كما أشرنا أعلاه، الشيء المؤكد أن الريال في أشد الحاجة لمهاجم بالمواصفات والمعايير المطلوبة في المتحدث الرسمي لهجوم الفريق الأشهر عالميا والأكثر طمعا في البطولات الكبرى، على أن يبقى خوسيلو على مقاعد البدلاء كبديل طوارئ للخليفة المنتظر لكريم بنزيمة. وبالنسبة للبدائل المتاحة في الوقت الراهن، فلا خلاف أبدا على أفضلية مبابي، لكن هناك معضلة ما زالت غامضة حتى هذه اللحظة، كيف ومن أين سيدبر بيريز تكاليف صفقة كيليان الباهظة، بعد إنفاق ما يزيد على 100 مليون يورو هذا الصيف، لضم جود بيلنغهام من بوروسيا دورتموند وقرابة نصف المبلغ للتوقيع مع أراد غولر، بالإضافة إلى رسوم استعارة خوسيلو، ما يعني أن الإدارة بأريحية وصلت الى الحد الأقصى للإنفاق المعروف عن اللوس بلانكوس في عصر توحش أسعار وأجور اللاعبين، لكن الشيء المحير، أن وسائل الإعلام توقفت عن تحديث الأنباء عن المهاجم الكبير المحتمل وصوله هذا الصيف، والإشارة إلى النيجيري فيكتور أوسيمين مهاجم نابولي وباقي القائمة المرشحة راندال كولو مواني ودوشان فلاهوفيتش وغونسالو راموس، ربما لمبالغة أنديتهم في الشروط المادية، وربما لتركيز المسؤولين على صفقة مبابي، لكن سيبقى القاسم المشترك بين أوسيمين وبدلاء الخطة بي وبين كيليان، هو تحفظ بيريز ومجلسه المعاون على فكرة دفع هكذا مبالغ في لاعب، بجانب مكاسب الاستفادة من العلامة التجارية والامتيازات الاستثنائية للريال في عقوده التجارية، وقبل هذا وذاك الاستفادة من الشعبية الطاغية للنادي في كل مكان على هذا الكوكب، ولهذا بدأ يتردد على نطاق واسع، أن الميرينغي انسحب من صفقة أوسيمين، رغم أنه على الورق، يبدو كالقطعة النادرة ليكون البديل لبنزيمة، بعد انفجار موهبته التهديفية في موسم عودة لقب الكالتشيو إلى مدينة الفقراء للمرة الأولى منذ عصر الراحل دييغو أرماندو مارادونا، متربعا على عرش هدافي «السيريا آه» بـ31 هدفا، وذلك للتشابه الكبير في أدوارهما في الثلث الأخير من الملعب، خاصة في المرونة التكتيكية مع الأجنحة الطائرة، كما كان يبدع كريم برفقة فينيسيوس ورودريغو في موسم كأس دوري أبطال أوروبا الرابعة عشرة، الذي ختمه بالتتويج بجائزة «الكرة الذهبية» كأفضل لاعب في العالم من قبل مجلة «فرانس فوتبول»، لكن عند وضع سعره في مقارنة مع مبابي، سيخرج من السباق.
ولو أن هذا لا يعني بالضرورة أن الريال سيتهاون في دفع مئات الملايين في لاعب من المفترض أنه سيكون حرا بعد 11 شهرا من وقت كتابة هذه الكلمات، تلك الثغرة التي كان يراهن عليها بيريز للحصول على أهدافه بأقل تكاليف ممكنة، كما فعلها من قبل مع نجمي تشلسي تيبو كورتوا وإيدين هازارد لإطلاق سراحهما من «ستامفورد بريدج» بسعر في المتناول، أو يقوم بتفعيل خاصية «الانتظار» مع الصفقات الموثوقة، التي تلتزم بالكلمة والاتفاق بالتوقيع على صفقة انتقال حر، مثل نموذج ديفيد آلابا، بعد فشل كل محالات ضمه من بايرن ميونيخ، وتبعه أنطونيو رودريغر بعد رحيله عن تشلسي، لكن في حالة مبابي، كما أشرنا أعلاه، هل يمكن الوثوق في وعود كيليان المعروف بتغيير نهجه ومزاجه المتقلب؟ هذا ولم نتحدث عن نظرته الى المال وما تفعله وكيلة أعماله وراء الكواليس لفرض شروطها المادية القاسية. الشاهد عزيزي القارئ، أن رئيس الريال في وضع لا يُحسد عليها، إما أن يتنازل عن القليل من الكاريزما ويقبل بتوسيع الميزانية بعد إنفاق أكثر من 150 مليون يورو، وبالتبعية يوافق على الشروط المنطقية للرئيس ناصر الخليفي، وإما ينتظر مزاج كيليان وعائلته عندما يكون متاحا لمن يدفع أكثر في صيف 2024. وفي كل الأحوال، سيبقى النادي الباريسي هادئا، في انتظار رضوخ اللاعب لإغراءات الجنة الجديدة في الشرق الأوسط، أو يأتي الريال ويظفر بالصفقة بسعر مناسب لكل الأطراف، فهل يا ترى ستحدث المفاجأة المدوية ونشاهد الميغا ستار الفرنسي في الدوري السعودي ليكمل الخطة التسويقية الخيالية للموسم الجديد؟ أم بيريز سيُخرج ما تحت البلاط ويُعيد إلى الأذهان زمن السخاء والإنفاق ببذخ في بداية الألفية؟ هذا ما سنعرفه في الأسابيع القليلة المتبقية على غلق سوق الانتقالات الصيفية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية