أزمة إسرائيل بعد “المعقولية”… من وسائل الإعلام العربية إلى “خريطة سموتريتش”

حجم الخط
0

حظي مفهوم “ذريعة المعقولية” في وسائل الإعلام العربية بترجمة مثيرة، “تقييد عدم المعقولية” (محدودية المعقولية). يبدو أنها ترجمة تطابق المفهوم بالعربية، لكنها تثير دلالة تناسب القانون أكثر من المفهوم بالعبرية؛ لأن “معقول” بالعربية ليست فقط “معقول” بالعبرية، بل “منطقي”، و”ربما” و”من المحتمل”. عندما يقال عن شيء بأنه “مش معقول” فالقصد أنه أمر لا يمكن قبوله، وغير منطقي، وأحياناً مهم وخيالي. من كان عليه ترجمة المفهوم العربي للغة العبرية ليصف به قانوناً كهذا، الذي تم سنه في برلمان عربي، كان يمكن أن يكتب “محدودية المنطق”.

لكن ليست الدلالات اللفظية هي التي تهم المحللين العرب. إذا كانت وسائل الإعلام العربية قد اكتفت في بداية الاحتجاج وفي أثنائه بتقارير واقعية بدرجة معينة، التي أخذت من وكالات أجنبية أو من وسائل إعلام إسرائيلية، فقد نشرت مؤخراً مقالات تحاول تحليل التقلبات في إسرائيل، بعد طرح السؤال المعروف في الخطاب الإسرائيلي: هل هذا جيد للعرب أم سيئ لهم؟

صحف عربية كبيرة تستعين بـ “محللين كثيرين للشؤون الإسرائيلية”، بينهم من هم من أصل فلسطيني، ينشرون بشكل ثابت عما يحدث في إسرائيل. ماجد كيالي، أحدهم، وهو من أصل فلسطيني وولد في سوريا وألف كتباً عن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. شرح كيالي أن ادعاء الائتلاف أنه يستند إلى الأغلبية ولذلك “يحق له سن قوانين كما يشاء من ناحية ديمقراطية” هو ادعاء لا أساس له. “حصل الائتلاف على 2.305.234 صوتاً من إجمالي 4.793.641 صوتاً؛ أي فعلياً كانت هناك أصوات أكثر للكتلة المعارضة، لكنها كتلة فقدت 288 ألف صوت بسبب خسارة “ميرتس” و”بلد”، اللذين لم يدخلا الكنيست. إضافة إلى ذلك، كانت نسبة المشاركة في الانتخابات 70.63 في المئة، أي أن 30 في المئة من أصحاب حق الانتخاب لم يصوتوا.

من هنا يستنتج كيالي أن هناك إمكانية في المستقبل لتغيير تشكيلة الحكومة، وأن حكومة وسط – يسار يمكنها “إعادة الدولاب إلى الخلف”. ولكنه بدد هذا “التفاؤل” فوراً، وقال: “إسرائيل كدولة مصطنعة جلبت سكاناً من كل أرجاء العالم، ومن جميع الثقافات والشعوب، فوحدتهم حول الهوية الدينية رغم أنها دولة علمانية، وحول التهديد الخارجي (العربي). ولكنها عوامل لم تعد جزءاً من المعادلة؛ فالتيار الديني يطمح إلى التقوى (على حساب التيار العلماني)، وتبدد التهديد الخارجي عقب التطورات في المنطقة قبيل التطبيع مع إسرائيل”. لا يتفاخر كيالي بالتنبؤ كيف سيظهر وجه إسرائيل ووجه المنطقة عقب التطورات التي يعتبرها “حدثاً تاريخياً سيشهد تداعيات كبيرة على إسرائيل ومكانتها في الشرق الأوسط”؛ بل يكتفي بافتراض أن الوقائع التي عرضها ستقود القراء إلى الاستنتاج المطلوب.

حسن لافي، محلل فلسطيني للشؤون الإسرائيلية ونشر مقالات في موقع “الميادين”، الذي يتخذ مقراً في بيروت ومقرب من النظام السوري ومن “حزب الله”، يعرف جيداً الوضع السياسي في إسرائيل. ولقاء ذلك، يفترض أنه ذو معرفة كهذه. قراءة المقالات التحليلية عربية عن إسرائيل تظهر أن محرري المواقع والصحف تنازلوا عن الحاجة للعودة عن وصف مناصب الشخصيات في إسرائيل. مثلما باتت إسرائيل لا ترى في أسماء مثل حسن نصر الله، وإسماعيل هنية، ومحمود عباس، حاجة للشرح.

في مقال بعنوان “قانون عدم المعقولية وولادة الهوية الصهيونية الجديدة”، وصف لافي العمليات التي مرت فيها الحركة الصهيونية منذ إقامة الدولة. ومثل كيالي هو أيضاً يصف الصهيونية القديمة بأنها حركة كانت تطمح إلى إقامة دولة علمانية ذات رابطة دينية. ولكن إزاء التطورات الجديدة، فإن “تمرير قانون ذريعة المعقولية قد يعتبر تحطيماً للفكر الصهيوني القديم والتطلع إلى إعادة تعريف الفكرة الصهيونية من قبل مجموعة فكرية، اجتماعية وأيديولوجية، لم تشارك في إقامة المشروع الصهيوني وتشكيل هويته القديمة”.

هذا تمييز مثير، لأنه لا يتعلق فقط بالمجالات السياسية والمسائل العملية، مثل مستقبل القضية الفلسطينية، بل هو يحدد المغزى والأهمية من ناحية إسرائيل ليبين أنه لم يكن بالإمكان أن تكون هناك نتيجة أخرى لمثل هذا المشروع الصهيوني.

محمود الريماوي، وهو كاتب ومحلل سياسي فلسطيني – أردني، له وجهة نظر أصيلة أخرى، تتعلق بحقيقة أن إسرائيل لا دستور فيها لأنها لا حدود لها. في المقال الذي نشره الأسبوع الماضي، أشار إلى أنه يجدر الانتباه إلى أن إسرائيل، إلى جانب معارضة تقييد قوة المحكمة العليا بصفتها الجسم الذي يتعين عليه ملء الفراغ في ظل غياب الدستور، لم تصدر أي دعوة لوضع دستور. “يبدو أن هناك اتفاقاً غير مكتوب (بين القطاعات في إسرائيل) يرى أنه من الأفضل إبقاء الوضع الدستوري على حاله والاكتفاء بقوانين الأساس”، ما لم يتم ترسيم الحدود النهائية للدولة. ضمن هذه الحدود، قال الريماوي، ليس الضفة الغربية وشرقي القدس هما فقط المشمولتين في الخارطة التي كانت معلقة وراء سموتريتش أثناء إلقاء خطابه في باريس، بل والأردن كذلك. وإلى أن يتم تطبيق ذلك، فلن يكون هناك أي دستور.

تسفي برئيل

هآرتس 31/7/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية