كثر الحديث في الآونة الأخيرة الحديث عن محاولة الولايات المتحدة الأمريكية التطبيع مع السعودية، وكذلك الضغط في اتجاه تطبيعها مع إسرائيل، فهنالك الكثير من العقبات التي تحول دون تنفيذ هذا الإنجاز الذي يطمع بايدن في تحقيقه ليلج معركة التنافس على الانتخابات القادمة مطمئناً، فالحزب الجمهوري يقف له بالمرصاد، ولن يقدم له ما يصبو اليه على طبق من ذهب، هذا في حال وافقت عليه الأغلبية المتمثلة في الجمهوريين على عدم تمرير أي قرار يزيد من رصيد بايدن في الانتخابات المقبلة.
هذا المشهد يلخصه تعاظم حالة الاستقطاب متعدد الأوجه (العرقي والديني والأيديولوجي) في الداخل الأمريكي، والذي رأى فيه فرانسيس فوكوياما في مقال نشرته مجلة “الإيكونوميست” التحدي الأكبر لمكانة أمريكا العالمية، فالمجتمع الأمريكي حسب فوكوياما يسوده استقطاب حاد، وهذا الاستقطاب كان قد بدأ حول قضايا السياسة التقليدية مثل الضرائب والإجهاض، إلا أنّه تحوّل إلى صراع مرير حول الهوية من هذا المنطلق.
إغراءات نتنياهو
يستبعد بعض المراقبين إبرام اتفاق سعودي أمريكي وسعودي إسرائيلي في الوقت الحالي، فرغم تحضيرات رئيس وزراء إسرائيل للتطبيع مع السعودية ما زالت الأمور عالقة بينهما، وخصوصاً فيما يتعلق بالبرنامج النووي السعودي السلمي المقلق لإسرائيل، مما دفع ذلك نتنياهو ليشكل طاقم بحث ودراسة من أجل دراسة الوزير في حكومة العدو مشروع السعودية النووي والخروج بنتائج يستند إليها لمعرفة مدى حجم تشكل خطر على دولته.
في المقابل يعكف نتنياهو لتقديم إغراءات للسعودية، وقال في وقت مبكر، إن إسرائيل ستطلق مشروع توسعة للسكك الحديدية بقيمة مئة مليار شيكل (27 مليار دولار) لربط مناطق بعيدة على الأطراف مع تل أبيب، موضحا أن ذلك قد يوفر روابط برية مع السعودية مستقبلا، لتسهيل التجارة ونقل البضائع، ومنها تزويد السعودية بالطاقة المتجددة والذكية.
سلام بدون ثمن
الوزير في حكومة نتنياهو “تسحاك فاسرلاف” يعارض شروط التطبيع مع السعودية: “لا أعتقد أن نشترط على السعوديين ألا يبنوا في السعودية، لا يمكننا عرقلة حياة المستوطنين وتجميد البناء في المستوطنات من أجل تحقيق السلام، هذا سلام مزيف، أنا أؤيد أي اتفاق تطبيع يتم التوصل إليه كما فعلنا مع اتفاقات إبراهام – سلام بقوة وليس من تنازلات”.
ما يريده الاحتلال هو التطبيع مقابل لا شيء، يبغون كل شيء في الوقت نفسه لا يروق لهم تقديم تنازلات للطرف الآخر، هذا ديدن المفاوض الإسرائيلي منذ موسى عليه السلام حتى يوم الناس هذا، فإسرائيل على ما يبدو تراهن على عنصر الوقت وتسابق الزمن في ظل موافقة أمريكية للمضي قدماَ نحو التطبيع مع السعودية، وبناء شراكة سياسية متينة مع الولايات المتحدة بعدما شهدت حالة فتور نتيجة تصلب حكومة اليمين الحالية، وهذا يعتمد على قوة الديبلوماسية الإسرائيلية في الكونغرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
إذن قد لا يستبعد أن يعطي الكونغرس الضوء الأخضر لبايدن نتيجة ضغط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية لفتح ملف إعادة العلاقات مع السعودية بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، رغم ذلك يبقى الحزب الجمهوري على مفترق طرق، أما أن يسمحوا لبايدن بالتطبيع مع السعودية كمطلب إسرائيلي ملح في هذا الوقت من أجل خروج نتنياهو من أزمته السياسية، وبعد التصويت بالقراءات الثلاث على تعديل القانون، أو لا يؤثرون على أنفسهم من أجل تفوقهم في الانتخابات المقبلة، وفي الوقت الذي يشتد التنافس على رئاسة الولايات المتحدة، وقوة الجمهوريين الذين يحاولون قدر الإمكان الثأر لهزيمة ترامب أمام بايدن.
كيانان رئيسيان
يفهم جلياً أن أمريكا ليست كياناً واحداً، إنها كيانان رئيسيان وكيانات أخرى لها تأثيرها الكبير، لهذا انقسمت الكرة الأرضية إلى (قسمين) إما مع الديمقراطيين أو مع الجمهوريين، بدل التقسيم القديم الذي قسمه بوش.
في المحصلة النهائية نتكلم عن صراع سياسي بين قطبي الرحى في الولايات المتحدة، وكل طرف يحاول إقصاء الآخر، لكن تجمعهم كلمة واحدة وهي خط الدفاع المتقدم عن دولة الاحتلال، وهذا ما نصت عليه أدبيات كل حزب، لكن يبقى عامل الوقت هو ما يحدد تحقيق مصلحة إسرائيل، بمعنى في حال كانت المساعدة عاجلة، فهذا لا يحتاج البتة للتريث في ذلك، فأما عما يدار في الغرف المغلقة حول التحرك الفوري للضغط على السعودية للتطبيع مع إسرائيل فالحزب الجمهوري ليس في عجلة من امره، حسب موقع أكسيوس الأمريكي زار رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي دافيد بارنياع، زيارة سرية إلى العاصمة الأمريكية واشنطن منتصف يوليو / تموز الجاري محور المحادثات كان بشأن مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن، من أجل التوصل إلى صفقة مع السعودية، تشمل التطبيع بين المملكة و”إسرائيل” وهذا يدلل مدى استعجال قادة الاحتلال في تحقيق ما يردونه في الوقت الحالي، وقبل أيام ، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن اتفاقاً “ربما يكون في الطريق” بين “إسرائيل” والسعودية، بعد محادثات أجراها مستشاره للأمن القومي مع مسؤولين سعوديين في جدة، بهدف التوصل إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.
نرى من هذا التنافس المحموم بين مكوّن الكونغرس الأمريكي أنه يصب في مصلحة دولة الاحتلال أولاً وأخيراً، فمدى جدية الأطراف في التوصل لاتفاق المقصود السعودية وإسرائيل فهذا مرهون بتحقيق طلبات كل طرف، والتي ما زالت السعودية مصرة على تسوية القضية الفلسطينية، حسب المبادرة العربية للسلام لكن الأمور لا تخلو من المفاجآت.
كاتب فلسطيني