“ناشونال إنتريست”: سلوك موسكو أنانيّ بلا رحمة في غرب أفريقيا.. وتداعيات عالمية كبيرة لانقلاب النيجر

حجم الخط
0

واشنطن: يرى المحلل الأمريكي الدكتور ويسلي اليكسندر هيل، مدير البرنامج الدولي للطاقة والنمو والأمن بالمركز الدولي للضرائب والاستثمار، أنه يبدو أن يفيغيني بريغوجين، طباخ الكرملين الذي تحوّلَ إلى أحد أمراء الحرب، يقوم بإعداد المتاعب في أفريقيا.

فقد أعلن قائد مجموعة فاغنر، في مقطع فيديوـ في 19 تموز/ يوليو، أنه يتعين على قوات فاغنر الاستعداد للقتال في أفريقيا. ويتماشى هذا مع أنشطة مجموعة فاغنر السابقة.

بينما يئن الاقتصاد الروسي الأوسع نطاقاً تحت وطأة العقوبات، تساعد كميات الذهب والمعادن الأخرى الكبيرة التي تستخرجها مجموعة فاغنر الخزانة الروسية على البقاء على قيد الحياة.

ويرتكب مرتزقة فاغنر انتهاكات لحقوق الإنسان، وينخرطون في أعمال التهريب، وحملات التضليل واستخراج الموارد الطبيعية في بوركينا فاسو، ومالي، وموزمبيق والسودان، وفي أنحاء القارة.

ويقول هيل، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، إن عمليات التهريب تعتبر حيوية بالنسبة للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا، فبينما يئن الاقتصاد الروسي الأوسع نطاقاً تحت وطأة العقوبات، تساعد كميات الذهب والمعادن الأخرى الكبيرة التي تستخرجها مجموعة فاغنر الخزانة الروسية على البقاء على قيد الحياة.

ويقول هيل، المهتم بالقضايا الجيوسياسية والجيو اقتصادية المتعلقة بالصين، وآسيا الوسطى، وأفريقيا جنوب الصحراء، إنه سواء كان الانقلاب الأخير في النيجر يوفر فرصاً جديدة أم لا لتسلل مجموعة فاغنر، سوف يكون للحدث تداعيات جيو اقتصادية وجيو إستراتيجية كبيرة. فالنيجر به 5 % من الإنتاج العالمي لليورانيوم. كما أن إنتاج الطاقة في أوروبا يعتمد على يورانيوم النيجر.

ووفقاً لمنظمة أوكسفام، فإن “كل لمبة من ثلاث لمبات في فرنسا تُضاء بفضل يورانيوم النيجر”، الذي يعتبر حيوياً لإنتاج الطاقة الأوروبية الأوسع نطاقاً. ومع إعلان الحكومة الجديدة في نيامي الإغلاق التام لحدودها، في الوقت الحالي، سوف تشعر أسواق الطاقة الأوروبية بضغط شديد إذا لم يتم استئناف الصادرات المعتادة خلال عدة أسابيع.

منظمة أوكسفام: كل لمبة من ثلاث لمبات في فرنسا تُضاء بفضل يورانيوم النيجر.

وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها النيجر خلافاً سياسياً. وهذا الانقلاب الأخير هو الخامس، منذ حصلت الدولة على استقلالها من فرنسا، عام 1960. وكانت بعض الانقلابات مجرد استيلاء سافر على السلطة من جانب العسكريين، وكان البعض الآخر مجرد دفاعات مفترضة عن الديمقراطية. والآن يدافع الجميع عن الديمقراطية. فالوزراء المعزولون يدعون المواطنين إلى ” إنقاذ المكاسب الديمقراطية التي تم الحصول عليها بصعوبة”. وفي الوقت نفسه، تعهّدَ أفرادُ الحكم العسكري الجديد، والذين تعاونَ بعضهم مع روسيا في الماضي، بالحفاظ على الديمقراطية واستعادة حكم القانون.

وليس من الغريب أن يصل عدم الاستقرار الإقليمي إلى النيجر. فمنطقة الساحل الأوسع نطاقاً في حالة فوضى، وكان لزاماً على الدولة التعامل مع حركات التمرد الجهادية المتشابكة المتعددة. فكل الدول المحيطة بها تعاني من مثل هذه الحركات. وبدا لفترة من الوقت أن النيجر استثناءٌ لهذا التيار الفوضوي. وقد قام رئيس النيجر، المعزول حالياً، محمد بازوم بتعميق العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة.

وعلي أي حال، فإن الفوضى المستمرة سمة للسياسة الروسية في أفريقيا، وليست شيئاً طارئاً. فالقوة الروسية الناعمة المتعثرة والمتأخرة تعني أنها لا تستطيع أن تقدم لقيادات أفريقيا جنوب الصحراء سوى القليل بالمقارنة بالغرب أو الصين. ونتيجة لذلك، فتحت ترسانتها للطرفين في الصراعات المسلحة في أنحاء القارة، وتأمل أن تنقذ المكاسبُ القصيرة الأجل من استخراج المعادن والتهريب الاقتصادَ الروسي من تأثير تداعيات العقوبات الغربية.

باحث: سواء كان الانقلاب الأخير في النيجر يوفر فرصاً جديدة أم لا لتسلل مجموعة فاغنر، سوف يكون للحدث تداعيات جيو اقتصادية وجيو إستراتيجية كبيرة.

ويقول هيل إن سلوك موسكو الأناني بلا رحمة واضح في التحوّل الشامل للدبلوماسية الروسية نحو المنطقة، منذ 2022، ففي تموز/ يوليو العام الماضي، بحث الاتحاد الأفريقي وروسيا بصورة ودية احتمال استئناف شحنات الحبوب الروسية إلى الدول الأفريقية المحتاجة لها. وفي تموز/ يوليو هذا العام، بعد أن نسفت روسيا حرفياً اتفاق الحبوب، وكثّفت من عدم الأمان الاقتصادي في المنطقة، لم يشارك في قمة روسية أفريقية سوى ثلث القادة الأفارقة الذين تم دعوتهم.

ويرى هيل أنه إذا ما واصلت روسيا نفوذها في منطقة الساحل، فإنها سوف تساعد في انتشار الإرهاب المتطرف المعادي للغرب، بينما تعرقل في نفس الوقت، إمدادات الطاقة الغربية، بما في ذلك اليورانيوم. ويعتبر وقف سلاسل إمداد الطاقة البديلة أمراً مهماً بالنسبة لروسيا، لأنه يزيد من اعتماد اوروبا على الغاز الطبيعي والنفط الروسي.

ويضيف هيل أنه، ربما، فقدت مجموعة فاغنر بعض التواجد في أرض المعركة في أوكرانيا، لكن هذا لا يعني أنها لم تعد تساهم في المجهود الحربي الروسي. ومهما كان التباعد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبريغوجين، فإن بريغوجين ما زال يعزز إستراتيجية الكرملين الكبرى. فقد وصف بريغوجين الصراع مع الغرب بأنه “عالمي”. ومن المؤكد أنه هو كذلك بالنسبة لمجموعة فاغنر.

ودعا هيل، في ختام تقريره، إلى أنه يتعيّن على صانعي السياسات الغربيين العمل على حماية سلسلة إمداد اليورانيوم في أفريقيا، وإدراك أن النيجر والسودان ليسا مجرد نوبة عضوية أخرى من عدم الاستقرار في أفريقيا. فما يحدث هو جزء من الإستراتيجية الروسية لنشر الفوضى في رهان يائس للفوز في حربها المتعلقة بالطاقة.

(د ب أ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية