الأرجح أن وزارة الخارجية الأمريكية لم تجد مفراً من تبديل اللغة التي اعتادت استخدامها لتوصيف جرائم عصابات المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فانتقلت من مفردة «العنف» الغامضة والعامة إلى أخرى أكثر دقة وانطباقاً على واقع الحال وتلك الأفعال، أي «الإرهاب». وفي بيان خارج عن المألوف قالت الخارجية إنها تدين بشدة «الهجوم الإرهابي» الذي قام به «مستوطنون متطرفون» ضد بلدة برقة شرق رام الله، وأسفر عن مقتل الفتى الفلسطيني قصي المعطان (19 سنة) ودعا البيان إلى «المحاسبة والعدالة الكاملتين».
المنطق السليم يرجح أيضاً أن التبدل في الخطاب الرسمي الأمريكي لم يكن مبادرة ذاتية تندرج في أي قطع مع ماضي التوصيفات الأمريكية لممارسات الاستيطان والمستوطنين، بقدر ما شجعت عليه أولاً تقارير القلق التي أخذت تتعاقب من جانب استخبارات «الشاباك» الإسرائيلية حول المخاطر العديدة على أمن دولة الاحتلال القومي جراء تزايد الخلايا الاستيطانية والدينية المتطرفة ذات الطابع الإرهابي. كذلك استند تغيّر اللغة الأمريكية إلى تصريحات واضحة صدرت عن كبار رجالات المعارضة الإسرائيلية، أمثال بيني غانتس الذي حذر من أنه «يتطور أمامنا إرهاب قومي يهودي خطير» أو يائير لابيد الذي اعتبر «فتية التلال» الاستيطانية مجموعة إرهابية، أو زعيمة حزب «العمل» التي غردت بأن حكومة بنيامين نتنياهو تضم حزبا «مؤيداً للإرهاب».
لافت في المقابل أن انتقال المفردات إلى توصيف كان في الماضي حكراً على حشر الفلسطينيين وحدهم في خانة «الإرهاب» لم يقتصر على المعارضة الإسرائيلية التي يُفهم أنها لا توفر جهداً لإضعاف ائتلاف نتنياهو، بل أخذ يتوسع أكثر فأكثر في قلب مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والهيئات الأكاديمية داخل دولة الاحتلال وخارجها في الولايات المتحدة خصوصاً. تلك كانت حال مركز «بتسيلم» الإسرائيلي لحقوق الإنسان الذي تحدث عن «عصابات مسلحة وإيديولوجيا عنصرية فاشية» وحركة «السلام الآن» التي شددت على «نظام السيادة الدينية اليهودية» التي يطمح المستوطنون وقادتهم إلى تكريسه. ومؤخراً كانت الجمعية الأنثروبولوجية الأمريكية قد صوتت بأغلبية 71٪ على قرار تاريخي يتعهد بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية التي تدعم نظام الفصل العنصري، كما يشير إلى أن قانون يهودية الدولة «عنصري يتبنى نظرية تفوق الشعب اليهودي» وأن الاحتلال «يمارس التطهير العرقي».
صحيح أن الإرهاب الإسرائيلي، الرسمي الذي تمارسه الدولة أو القومي أو الديني أو الاستيطاني على حد سواء، ليس جديداً بقدر ما كان ويظل ركيزة تكوينية في بنية الكيان الصهيوني منذ أربعينيات القرن المنصرم، عبر عصابات «هاغانا» و«بالماخ» و«أرغون» و«ليحي» ثم «غوش إيمونيم» و«كاهانا حي» و«أمناء الهيكل». وصحيح كذلك أن الانتداب البريطاني والخارجية الأمريكية وبعض المحاكم في الولايات المتحدة سبق لها أن صنفت عدداً من التنظيمات الإسرائيلية المتطرفة في خانة الإرهاب.
إلا أن التبدل الراهن في الخطاب الداخلي الإسرائيلي والخارجي الأمريكي خصوصاً يحمل دلالة إضافية تخص الاستيطان والتوجهات المتطرفة القومية والدينية، وتشكل عنصراً إضافياً يشخّص المزيد من مظاهر تأزم دولة الاحتلال، بقدر ما يعمق في الآن ذاته مصداقية أشكال الصمود والمقاومة الفلسطينية كافة.