لندن- “القدس العربي”:
يشدد الاتحاد الأوروبي على الطابع الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية، رغم أن المنظمة الرئيسية للغرب، وهي حلف شمال الأطلسي لا تشملهما بالحماية العسكرية. ويحدث هذا في وقت يتفادى المغرب الرسمي فتح هذا الملف.
وأصبحت بعض الأحزاب السياسية الإسبانية ذات حساسية تجاه ملف سبتة ومليلية. فمن جهة، تضغط به على حكومة مدريد الائتلافية بزعامة بيدرو سانشيز (مؤقتة حاليا في انتظار تشكيل أخرى جديدة)، ومن جهة أخرى، ارتفعت مشاعر التطرف القومي لدى عدد من الأحزاب السياسية الإسبانية التي تتحرك للرد حتى على بعض الأخبار التي تنشرها الصحافة المغربية حول المدينتين.
في هذا الصدد، تقدم نواب حزب “اسيودادانوس” الإسباني في البرلمان الأوروبي، بسؤال إلى المفوضية المكلفة بالشؤون الخارجية والدفاع، للمطالبة بتوضيحات حول ما تنشره الصحافة المغربية هذه الأيام حول مطالب ومخططات الرباط بشأن السعي لاسترداد المدينتين مستقبلا.
وجاء جواب المفوضية الأوروبية المكلفة بالشؤون الخارجية والدفاع برئاسة جوزيب بوريل حرفيا بما يلي: “أعادت مؤسسات الاتحاد الأوروبي التأكيد علنا على الموقف الرسمي المعروف جيدا بشأن أهمية حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وكان هذا أيضا هدف تصريحات نائب الرئيس شيناس بشأن مدينتي سبتة ومليلية الإسبانيتين، وهما منطقتان تنتميان إلى الاتحاد الأوروبي. وتشكلان جزءا من حدوده الخارجية، لذلك ينطبق قانون الاتحاد على سبتة ومليلية”.
وعلقت الصحافة الإسبانية ومنها “هافنغتون بوست” في نسختها الإسبانية بالقول: “الاتحاد الأوروبي يرد على محاولات المغرب استعادة سبتة ومليلية”.
وكان الاتحاد الأوروبي في الماضي يبتعد عن التورط في ملف سبتة ومليلية بسبب طابعهما الاستعماري، رغم أنه يخصص مساعدات مالية للمدينتين، ويعتبرهما بشكل غير مباشر جزءا من الاتحاد. ولكن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومنذ تولي الإسباني جوزيب بوريل منصب رئيس المفوضية الأوروبية، وهو الذي كان يعمل وزيرا لخارجية مدريد منذ ثلاث سنوات، أصبح الاتحاد يشدد على الطابع الإسباني للمدينتين. ويسود الاعتقاد أن بوريل قام بالتنسيق مع مدريد في هذا الرد؛ لأن حكومة إسبانيا لا تريد الرد المباشر على الرباط، لاسيما وأن رئيس الحكومة بيدرو سانشيز كان يقضي عطلته في المغرب. ونشرت جريدة “ديباتي” الإسبانية منذ أيام، كيف تجنبت حكومة مدريد الكشف عن تنسيقها مع الاتحاد الأوروبي للرد على المغرب في هذا الشأن.
ومن ضمن المنعطفات الكبرى في هذا الملف أوروبيا، هو البيان الصادر خلال منتصف يونيو 2021 عن البرلمان الأوروبي الذي اعتبر اقتحام أكثر من عشرة آلاف مغربي لمدينة سبتة ضمن الهجرة السرية، اعتداء على الحدود الأوروبية. ووقع هذا الحادث إبان الأزمة الشائكة بين مدريد والرباط المرتبطة بملف الصحراء الغربية، حيث كانت إسبانيا قد رفضت وقتها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، قبل أن تغير موقفها وتدعم الحكم الذاتي، وتشترط قبول جبهة البوليساريو له.
وتبقى المفارقة الكبرى، هي التزام البرلمان المغربي الصمت في ملف استراتيجي يتعلق بالوحدة الترابية للبلاد، ولم يرد على بيان نظيره الأوروبي، لكنه قام بالرد على بيان هذا البرلمان حول حقوق الإنسان في المغرب، خلال مارس الماضي.
ومن ضمن المفارقات الأخرى، أن أكبر منظمة غربية وهي حلف شمال الأطلسي، ترفض حتى الآن أن تشمل سبتة ومليلية بالحماية العسكرية رغم مساعي مدريد في هذا الشأن منذ ترخيصها للولايات المتحدة بإقامة قواعد عسكرية، ثم انضمامها إلى الحلف. في الوقت ذاته، ترى دول شمال أوروبا هذا الملف بتحفظ كبير، ولا تتحمس كثيرا لمطالب إسبانيا.