لندن- “القدس العربي”:
قال وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد أوين، إن الوقت قد حان لكي تعترف بريطانيا بدورها في انقلاب عام 1953 ضد حكومة محمد مصدق في إيران.
وفي تقرير أعده مراسل صحيفة “الغارديان” في واشنطن جوليان بورغر، قال فيه إن أوين يرى في اعتراف بريطانيا بالدور الذي لعبته بذلك الحادث، دعما لحركة المطالبين بالإصلاح وحفظا لمصداقية بريطانيا.
واعترفت الولايات المتحدة بدورها في الإطاحة بمصدق قبل 10 أعوام، وذلك عندما قامت برفع السرية عن كمية كبيرة من الوثائق الاستخباراتية، والتي وضحت أن الإطاحة بمصدق قبل 70 عاما، كانت مؤامرة مشتركة من “سي آي إيه” و”أم أي 6″ إلا أن الموقف البريطاني الرسمي هو عدم التعليق على الأمور الاستخباراتية.
وأطلق على المؤامرة الأصلية اسم “عملية بوت” وتم إعدادها من قبل “أم أي 6” بعد أن تولى مصدق رئاسة الوزراء، وتأميم شركة النفط الإيرانية التي كانت تسيطر عليها بريطانيا. ولم تكن إدارة الرئيس الأمريكي هاري ترومان تريد أن تشارك في العملية، لأن مصدق كان حاجزا ضد الشيوعية، لكن وينستون تشرتشل كان قادرا على إقناع خليفته دوايت أيزنهاور بدعم العملية الانقلابية.
وفي ربيع 1953، بدأت “سي أي إيه” بالتخطيط المشترك مع “أم أي 6” وأعيد تسمية العملية باسم “أجاكس”. وفي الذكرى السبعين للانقلاب الذي حل يوم الثلاثاء، قال أوين، الذي كان وزيرا للخارجية في الفترة ما بين 1977- 1979، إن “هناك أسباب جيدة لاعتراف بريطانيا بدورها مع الولايات المتحدة عام 1953 بالإطاحة بعملية ديمقراطية. ومن خلال الاعتراف بالخطأ والخطوات التي كانت تتطور ضد التطورات الديمقراطية في إيران، فإننا نجعل الإصلاحات محتملة”.
وخلال فترة لورد أوين في وزارة الخارجية، سقط نظام الشاه بعد الثورة الإسلامية، والتي يرى الكثير من المحللين أنها نتيجة متأخرة لموت الديمقراطية الإيرانية. وقال: “لقد حذرت بطريقة علنية وعلى التلفاز في خريف 1978، من أن الحكم القادم للملالي سيكون أسوأ من حكم الشاه، فيما يتعلق بحقوق الإنسان والسعادة الشخصية” و”للأسف، فقد ثبت صحة هذا.. كنت واضحا للشاه أنه يجب أن يفتح المجال للإصلاحات الديمقراطية أثناء حكمه، وتمنيت لو كنت أعرف بمرضه الخطير، لنصحته بالبقاء في سويسرا لتلقي العلاج وفتح المجال أمام حكومة ديمقراطية تظهر في إيران”، وأضاف: “اليوم، تسمع أصوات النساء القوية الداعية للإصلاح في إيران وتحترم، لأنها ملتصقة بالروح السياسية التي لديها تاريخ طويل في إيران. وقد تساعد الحكومة البريطانية في قضيتهن ويمكن أن تسهم في نجاحها، ولا يمكن تجاهلها لو اعترفنا بالأخطاء الماضية في عام 1953، مثلما اعترفت بالأخطاء التي ارتكبتها عامي 1977 إلى 1979”.
وأشارت الصحيفة إلى فيلم جديد بعنوان “انقلاب 53” الذي يكشف عن تاريخ الانقلاب، ويركز على جاسوس بريطاني شاب اسمه نورمان داربيشاير، ورغم الحفاوة التي لقيها الفيلم إلا أن المخرج تاجي أميراني والمحرر في هوليوود وولتر ميرتش، لم يستطيعا العثور على موزع، وهي حقيقة مرتبطة بستار السرية البريطانية.
وقال أميراني: “لقد تعرضنا لمحاولات شريرة وغريبة لقمع محتويات الفيلم، لمنع الحصول على موزع، وهي أحداث تستحق كتابا من لوكاري -كاتب الراويات الجاسوسية”.
وقال ريتشارد نورتن- تايلور مؤلف كتاب “حالة السرية” حول الإعلام والمخابرات: “من المحزن والغريب، بالتأكيد يترك آثارا عكسية فيما يتعلق باستمرار الحكومة البريطانية الاختفاء وراء شعارها القديم: “لا نؤكد ولا ننكر”، وتواصل إنكار الدور الرئيسي لأم أي 6 في الإطاحة بمصدق، في حين كشفت سي آي إيه عن دورها منذ عدة سنوات”.
وتقول الصحيفة إن عمر داربيشاير كان في سن الـ28 عاما راقب تطور الأحداث من محطته في قبرص. وكان من النادر أن يقوم شخص لديه ميل للغات أن يغير التاريخ بالطريقة التي غيره بها ضابط أم أي 6، حيث تم اعتقال مصدق وعاد شاه إيران من المنفى وأصبح قويا. وكان مصدق محبوبا من شعبه، إلا أن البريطانيين كانوا مدفوعين بحسّ حماية مصالحهم. ومع مرور الزمن أصبح الشاه مكروها، بحيث عبّد الطريق أمام الثورة الإسلامية التي تركت أثرها على علاقة الكراهية المستمرة بين إيران والغرب.
ولا يعرف الكثيرون عن داربيشاير، حيث قررت أم أي 6 تكليفه بالعملية رغم حداثة سنّه، ولأنه كان متحدثا جيدا بالفارسية، وقضى عقدا في إيران. ومن محطة جمع معلومات خارج العاصمة نيقوسيا، عُرفت بـ “مزرعة الخيول”، عمل داربيشاير على تحفيز عملائه من أجل التظاهر في الشوارع. ونظر للانقلاب على أنه انتصار من خلال استعادة السيطرة الجزئية على آبار النفط، ورسالة بأن بريطانيا في مرحلة ما بعد الإمبراطورية كانت قادرة على ممارسة التأثير في العالم.
وبدا داربيشاير بأن له موعدا مع القدر، لكن حياته تعرقلت ومات مغمورا عام 1993. ويقول أميراني إن داربيشاير شارك في كتابة خطة الانقلاب ولعب دورا رئيسيا في توجيه العملية التي أطاحت بمصدق وإعادة تنصيب الشاه. ويضيف: “عندما كانت سي آي إيه تريد التخلي عن الخطة بعد المحاولة الأولى في 15 آب/ أغسطس، قام داربيشاير وبناء على مبادرة شخصية، بتحريك الرعاع وحرف المسار لصالح بريطانيا. كان شخصا وسيما، وجنديا سابقا في القوات الخاصة، ذكي يشبه العميل جيمس بوند، ولكن بثمانية أطفال. ووصف أقاربه وأصدقاؤه شخصيته بأنها معقدة، وهو رجل قادر على التعامل وبناء أصدقاء حول العالم.
وكانت لديه موهبة عالية في تعلم اللغات، فقد كان يعرف الفارسية والفرنسية ويستطيع التحدث بالألمانية والعربية. وكان يستطيع تغيير لهجته من اللهجة في شمال إنكلترا إلى لهجة أخرى.
نشأ أولاد داربيشاير في طهران وبيروت ونيقوسيا وجنيف ولندن، وكان لديه ضيوف غير عاديين مثل الرحالة الإنكليزي ويلفريد ثيسجر، ومسؤولين في أم أي 6 مثل نيكولاس إليوت، ومدير محطة سي آي إيه في الشرق الأوسط كيرميت (كيم) روزفلت الذي تعاون مع داربيشاير في انقلاب 1953.
وعندما كان عميلا لأم أي 6 في طهران، عاشت زوجته مانون وأولاده خارج مجمع السفارة البريطانية في منطقة نيافران الراقية. وعندما كان أولاده يسبحون في المسابح القريبة من بيتهم أو عند جبل البرز، كان داربيشاير يتسلل ليقابل المخبرين. ولما وصل مصدق للسلطة، كلف مع مساعد له لوضع خطة للإطاحة به.