الجزائر- “القدس العربي”:
تشير التغييرات الأخيرة على رأس الوكالة الوطنية لتثمين المحروقات في الجزائر وتصريحات المسؤولين حول الرغبة في تكثيف الإنتاج، إلى قرب إطلاق مناقصة دولية لاستكشاف رقع جديدة في الصحراء الجزائرية، وهو الإجراء الذي كان مقررا قبل سنوات وتأخر تنفيذه بسبب الأحداث التي عرفتها البلاد.
وفي تصريح لافت، قال مراد بلجهام المدير الجديد للوكالة الوطنية للنفط الجديد التي تعرف اختصارا بـ “ألنفط”، إنه سيجعل هدفه “توفير الشروط اللازمة لنجاح عروض المناقصات المستقبلية”، مؤكدا على ضرورة وضع آليات وقواعد تعتمد على “الشفافية والبراغماتية للحفاظ على مصالحنا وتعزيز العروض”.
وأبرز المدير الجديد للوكالة التي من مهامها في الجزائر طرح المناقصات الدولية، أنه سيقوم بتشجيع ومرافقة الشركة الوطنية سوناطراك على القيام بمفاوضات مباشرة لإبرام عقود المحروقات مع المستثمرين الأجانب، مع الحرص على تحسين سياسة الاتصال مع المستثمرين الأجانب لتكريس وتثمين جهود الشراكة القائمة على “الثقة، الاحترام، الشفافية، والمصالح المشتركة تطبيقا لمقاربة رابح-رابح”.
وتحدّث عن أن من أولوياته على رأس الوكالة وضع وتطبيق إستراتيجية تهدف إلى “إعادة التموقع بما يتماشى والتغيرات التي يعرفها عالم الطاقة اليوم، لتكون جزءا فاعلا فيه حتى ننتقل في تعاملنا من رد الفعل إلى استباق الأحداث والذهاب إلى مرحلة جديدة تكون فيها الوكالة ملجأ للمتعاملين”.
كما تعهّد بتكثيف المساعي للتعريف بالمزايا التي تضمنها قانون المحروقات الجديد، عن طريق تنظيم دورات وورشات عمل لترقية مجال المحروقات قصد استقطاب مستثمرين جدد ذوي كفاءات تقنية حديثة عالية من شأنها أن تعود بالإيجاب على القطاع.
ويعد هذا الحديث مؤشرا على إعادة إحياء المناقصة الدولية الخامسة لاستكشاف المحروقات في الجزائر، والتي تنتظر إطلاقها منذ سنة 2017، لكنها تأخرت بفعل حالة الركود العالمي وانخفاض أسعار النفط التي لم تكن مشجعة على الاستثمار في هذا القطاع ثم الظروف الداخلية التي مرت بها الجزائر خلال فترة الحراك الشعبي وما صاحب ذلك من تغيير لقانون المحروقات نهاية سنة 2019. وجاءت بعد ذلك فترة كورونا لتزيد من تأجيل طرح المناقصة.
وتراهن الحكومة على التحفيزات الجبائية الواردة في قانون المحروقات الجديد، في استقطاب شركات دولية في مجال الاستثمار في المحروقات، ولتفادي التجارب السابقة التي لم تكن فيها هذه المناقصات مثمرة، مثل المناقصة الرابعة للبحث والاستغلال التي تم إطلاقها في كانون الثاني/جانفي 2014، والتي انتهت بمنح 4 مناطق من أصل 31 منطقة عرضت على منافسة الشركات الدولية. وكانت أول مناقصة قد أطلقت سنة 2008 وانتهت بمنح أربع كتل والثانية سنة 2009 وتوجت بالحصول على ثلاث كتل أما الثالثة فأسفرت على الحصول على كتلتين.
وظلت الجزائر في السنوات الأخيرة تعتمد في تحقيق مزيد من الاكتشافات لدعم احتياطيها من البترول والغاز على جهود الشركة الوطنية سوناطراك أو من خلال تعاقد مع شركات بعينها خاصة إيني الإيطالية التي قامت باستثمارات كبيرة في هذا المجال. وفي الثلاثي الأول من السنة الجارية، أعلنت سوناطراك عن تحقيق 6 اكتشافات للمحروقات، اعتمادا على مجهودها الخاص، أظهرت وجود كميات معتبرة من النفط والغاز والمكثفات.
ومن خلال الانفتاح على شركات جديدة عبر نظام المناقصة، تبحث الجزائر وفق ما ذكر وزير الطاقة محمد عرقاب تكثيف إنتاجها من المحروقات، وهو هدف ضروري للبقاء في واجهة التصدير للقارة الأوربية خاصة، حيث بات يعتمد الشركاء الأوربيون خاصة في إيطاليا على نسبة كبيرة من الغاز الجزائري تفوق أحيانا الثلاثين بالمائة، إلى جانب تلبية الطلب الداخلي المتنامي بقوة.
وقال الوزير عرقاب خلال حفل تنصيب مدير وكالة تثمين المحروقات في هذا الشأن: “نريد تكثيف الإنتاج بالتنسيق بين الوكالة وسوناطراك، وكذا شركائنا من الشركات العالمية الموجودة في الجزائر وكذا تلك التي سنجلبها في المستقبل القريب”. وذكّر الوزير أيضا بالدور الذي يلعبه قانون المحروقات الجديد في إعطاء ديناميكية للقطاع وتثمين نشاط المحروقات في المصب، وكذا تطوير الصناعات التحويلية.
ومن بين ما تسعى إليه الجزائر حاليا استقطاب شركات أمريكية عملاقة لسوقها النفطي. وما يؤكد ذلك، تصريح وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جولة الحوار الاستراتيجي بواشنطن الأسبوع الماضي، حيث كشف عن اتفاق مع “أكسيدنتال” وآخر قيد التشاور مع “شفرون” و”أكسن موبيل” وهي الشركات النفطية الأكبر في أمريكا. واعتبر الوزير ذلك تحولا، فمنذ استقلال الجزائر، كانت دائما الشركات الأمريكية التي تدخل السوق الجزائري من الدرجة الثانية أو الثالثة، في حين نشهد اليوم لأول مرة حسبه، اهتمام الشركات الكبرى (ميجور) بالمحروقات في الجزائر.
وعلى الرغم من سعي الجزائر في الفترة الأخيرة لتنويع اقتصادها وتنمية الصادرات خارج المحروقات التي يتوقع حسب المسؤولين أن تصل إلى 13 مليار دولار، يبقى قطاع المحروقات الشريان الرئيسي للاقتصاد الجزائري وأهم مورد بالعملة الصعبة للبلاد وأكبر منول للخزينة بالجباية، حيث تصدر الجزائر سنويا ما بين 35 إلى 40 مليار دولار من النفط والغاز وباقي المنتجات الطاقوية.