لم يضغط أحد على الرئيس الأمريكي جو بايدن ليقول ما قاله قبيل توليه مقعد الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، فالمرشحون جميعاً مطالبون بتحديد مواقفهم من شؤون وقضايا مختلفة، ومنها الصراع العربي الإسرائيلي. وفي ذلك بادر بايدن لإطلاق وعوده الستة الشهيرة، التي أكد فيها على ضرورة حل الصراع على أرضية مبدأ الدولتين، ووفق قرارات الشرعية الدولية، والتزامه بوقف الإجراءات التي تؤثر في الحل النهائي لهذا الصراع، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في شرقي القدس، ورفع الحظر المفروض على مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بفتحه، واستئناف المساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
كفى حديثاً عن خريطة طريق لن تكون إلا ممهورة بانبطاح بايدن ونزوات نتنياهو، فالطريق الأقصر تكمن في إنهاء الاحتلال واستقلال فلسطين
ومع تولي بايدن السلطة، بادر إلى الاتصال بالرئيس الفلسطيني ليؤكد له أنه «ليس ترامب» على حد قوله، وأن إدارته تختلف عن سابقاتها وتحديداً ترامب وأنه سيفعل كذا وكذا. لكن «كذا وكذا»، جعلت من وعود بايدن أضحوكة ليس إلا، فقد ذهبت تلك الوعود أدراج الرياح، فلا هو أوقف خطوات إسرائيل أحادية الجانب، ولا أعاد فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ولا أعاد القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية إلى الحياة، بل استبدلها بمندوب قام بترفيعه إلى مسمى « ممثل الإدارة الأمريكية»، وبشخصٍ آخر مقيم في القدس سمّاه: مسؤول الشؤون الفلسطينية، في خطوة استعراضية استرضائية غير مقبولة.
وعليه عاد بايدن لإثبات مواقفه السابقة عام 1986عندما قال: لقد آن الأوان أن نضع حداً لأولئك الذين يطلبون منا الاعتذار عن دعمنا لإسرائيل، لو لم يكن هناك إسرائيل لكان على أمريكا أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحنا في الشرق الأوسط. وعام 2011 عندما قال: إن إسرائيل وحدها هي أعظم قوة تمتلكها أمريكا في الشرق الأوسط، إذ دائما ما أقول لأصدقائي: تخيلوا كيف كان لوضعنا أن يكون من دونها، وما قاله عام 2016: لو كنت يهودياً سأكون صهيونياً. مقولات بايدن «المتصهينة» والصريحة والواضحة، وبعد سنوات على وعوده للفلسطينيين ووجوده في الحكم، لم يبدلها الزمن، بل بقيت على ضحالتها هي الثابت الوحيد أمام ادعائه الرغبة في التغيير والتبديل، وزعمه العمل على إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني. بايدن الغارق في مساعي التطبيع، ليس سوى الجيل الثاني من ترامب، ووعوده السابقة للفلسطينيين لم تأتِ إلا في إطار الاستعراض الانتخابي ليس إلا، أما خطواته الصغيرة فما هي إلا نقطة في محيط استحقاقات الشعب الفلسطيني. المفارقة أن التطبيع مع العربية السعودية بات الشغل الشاغل لإدارة بايدن، التي أنفقت آلاف الساعات سعياً لإنجاز ذلك التطبيع، واستكمال مشروع ترامب المعروف باتفاقات إبراهيم، حتى إن كثافة الحديث عن هذه الاتفاقات وما سمي لاحقاً بدين إبراهيم، دفع الأزهر الشريف إلى القول علانية بأن لا وجود لدينٍ اسمه الديانة الإبراهيمية. كلنا أمل في أن تستمر حكمة القيادة السعودية برفض التطبيع والإصرار على المرور عبر مبادرة السلام العربية، التي تبدأ بحل الصراع أولاً، وعلى أرضية إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني كاملة، يتبعها مسار سياسي حددته تلك المبادرة، لا أن نبدأ بالتطبيع ونؤكد عبر تصريحات تضليلية جوفاء تحاول إقناعنا بأن التطبيع إنما جاء بغرض دعم القضية الفلسطينية، فقد شهدت فلسطين حربين متتاليتين صمت فيها المطّبعون ولم ينطقوا بحرف واحد، وهو ما يدلل على أن الذهاب بالمبادرة العربية نحو تطبيق بندها الثاني، دونما البدء بالبند الأول، لن يوفر أبداً ومطلقاً أي حاضنة شعبية للسلام مع دولة الاحتلال، خاصة في دول التطبيع، التي تقبل بإدارة الظهر لفلسطين. أما بالنسبة للفلسطينيين فإن الحديث الأمريكي المتكرر عما يسمى بخطوات بناء الثقة، أو الإجراءات التسهيلية، أو الحل الاقتصادي، ما هو إلا ضحك على الذات والادعاء بالفعل على حساب الفعل ذاته. فالمطلوب، حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله، بانتهاء الاحتلال والتعويض وإقامة الدولة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين التزاماً كاملاً بالشرعية الدولية والقانون الدولي.
ثلاث سنوات تقريباً من عمر إدارة بايدن، أثبتت انبطاحها وبشكل كامل أمام نزوات ثلاثي الموت الصهيوني: نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، ومعهم من يحكمون الدولة العبرية، بالأحلام والآلام والأوهام المجبولة بالقتل والدمار والمستوطنات والعنصرية. لذلك كفى حديثاً عن خريطة طريق لن تكون إلا ممهورة بانبطاح بايدن ونزوات نتنياهو، فلا داعي للمزيد من الخرائط والخطط المزعومة، فالطريق الأقصر يكمن في إنهاء الاحتلال واستقلال فلسطين، وتجاوز الدول الأعضاء خاصة الدائمين في مجلس الأمن، الواقع الحالي البائس وتنفيذهم لوعودهم بالاعتراف بفلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، فهل يشهد النظام العالمي الجديد الذي يولد حالياً إثر الحرب الروسية الأوكرانية، وتعاظم الدور الصيني العالمي نهاية للصراع العربي الإسرائيلي؟ ننتظر ونرى!
كاتب فلسطيني
[email protected]