نواكشوط- “القدس العربي”:
أكد وزير خارجية موريتانيا الأسبق والسياسي المخضرم محمد فال بلال “أن حلف الناتو يتجه بوضوح إلى موريتانيا مستعيضا بنواكشوط عن باماكو ونيامي اللتين شهدتا تغييرات في أنظمة الحكم أبعدتهما عن الفضاء الغربي وجعلتهما أقرب للمصيدة الروسية”.
وتساءل بلال في تحليل سياسي على صفحته عن العلاقة بين توجه الناتو إلى التحالف مع موريتانيا في ظل تغيير التوازن داخل مجموعة دول الساحل الخمس، والتهديد الروسي المتمثل في الحضور المكثف لمجموعة فاغنر في منطقة الساحل”.
وقال “لقد أصبحت موريتانيا بالفعل حليفا مهما للغرب في هذا الجزء من دول الجنوب، وهو ما كانت بدايته عضوية موريتانيا، عام 1995، في الحوار المتوسطي لحلف “الناتو” والتي جعلت موريتانيا شريكًا يوثق به لدى هذه المنظمة، خاصة وأن الثقة المتبادلة تعززت، واتسعت الشراكة معها على مر السنين”.
“وفي عام 2013، يضيف الوزير بلال، انضمت موريتانيا إلى برنامج يهدف إلى “تحسين التدريب الدفاعي لحلف الناتو”، والذي يوفر للدول المشارِكة دعما عمليا مخصصا لتطوير وإصلاح مؤسسات التعليم العسكري العالي، ليتأكد، في عام 2022، الاعتراف بوضع موريتانيا كشريك متميز في قمة مدريد، التي شارك فيها وزير الشؤون الخارجية الموريتاني”، مضيفا “أنه في نهاية القمة، وافق رؤساء دول وحكومات حلف الناتو على حزمة من الإجراءات لتعزيز القدرات الدفاعية والأمنية الموريتانية”.
وتوقف الوزير في تحليله أمام ما شهدته السنة الجارية 2023، من كثرة في اللقاءات وتبادُل الزيارات على مستوى رفيع بين موريتانيا وبين “الناتو”، حيث تسارعت الحركة في الآونة الأخيرة”، “وهذا، يقول الوزير، دليل على اهتمام متزايد ورغبة واضحة في تعزيز التعاون بين الطرفين”.
وزاد “مهما يكن، فإن اهتمام “الناتو” بالاستمرار في تعميق الشراكة مع موريتانيا في السنوات القادمة، عبر توسيع دائرة الحوار السياسي وتعزيز التعاون على الأرض، هو دليل قاطع على نوايا الدول الغربية في الاستعاضة عن “باماكو” و”نيامي” بنواكشوط من منظور استراتيجي، ويتجلى ذلك في مغازلة موريتانيا سياسيا وإعلاميا، وبشتى الوسائل الممكنة: فما من دولة في “الناتو”، ولا صحيفة، ولا قناة إذاعية أو تلفزيونية إلا وتتغنى بمشاعر الود والإعجاب والتقدير لموريتانيا، رئيسا وحكومة وشعبا، والكل يتنافس في الثناء والإطراء، حتى الرئيس الأوكراني ووزير خارجيته اقتطعا من وقتهما “المشحون” دقائق للتعبير عن آيات الحب والتقدير لموريتانيا الصديقة”.
وقال “الحالة هذه، تبقى موريتانيا أمام معادلة صعبة، حيث لا ينبغي لها “الولاء”.. ولا ينبغي لها “الجفاء”! لا ينبغي لها أن تساير “الناتو” في أهدافه الحربية، ولا ينبغي لها أن تبتعد عنه، وتخيب آماله، فالقرب من “الناتو” يعرض للانتقام من روسيا وأدواتها في المنطقة، والابتعاد عنه مثل الابتعاد عن أي صديق، قد يؤدي إلى خيبة، وردود فعل مضرة”.
“نحن، يقول الوزير بلال، نوجد في قلب منطقة مضطربة، وسط مصالح متناقضة، وفي مرمى جميع الأطراف المتحاربة، ومهما بذلنا من جهد لإرضاء الجميع، فإننا سنكون دائما محل اتهام وظنون وشكوك من قبل الأصدقاء، والأعداء، والخصوم، والحساد، وسنتعرض لإغراءات وضغوط قوية، ولكن الأمر بين هذا وذاك، يحتاج فقط لدبلوماسية واضحة، ومرنة، ومتوازنة، ويقظة”.
ولا شك أن تحليل وزير الخارجية الموريتاني الأسبق والسياسي المحنك، تؤيده مواقف الناتو تجاه موريتانيا وكثافة اللقاءات والتنسيقات والزيارات بين مسؤولي موريتانيا وحلف الناتو في القطاعات العسكرية والأمنية؛ ومن أبرز ذلك قرارات قمة الناتو التي عقدت في مدريد يومي 29 و30 يونيو الجاري، والتي قررت إرساء شراكة عسكرية وأمنية موسعة مع موريتانيا، من خلال مسارات عدة بينها مبادرة بناء القدرات الدفاعية والأمنية لموريتانيا.
ومن تجليات التوجه الأطلسي نحو موريتانيا، الندوة الثانية رفيعة المستوى التي نظمها حلف شمال الأطلسي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط قبل شهرين، لصالح السفراء والضباط السامين، بالتعاون مع مجموعة الساحل، والتي أكد خلالها مسؤولو الحلف على “مواصلة مساعيه للوصول إلى منطقة الساحل عبر موريتانيا، بواسطة شراكات عسكرية وأمنية مخطط لها مع مجموعة الساحل، حتى لا تظل روسيا اللاعب الوحيد في هذه المنطقة الحساسة، حسب تأكيداهم”.
ومن الأدلة على توجه حلف الناتو إلى موريتانيا، تبادل نشط ملحوظ للوفود السياسية والعسكرية والأمنية بين مجموعة الساحل التي ترأسها موريتانيا وحلف الناتو، ضمن مساع يبذلها الحلف لمواجهة الوجود الروسي في الساحل وللتعويض عن غياب فرنسا العضو المؤثر في الحلف، عن الأراضي المالية.
ويشمل التعاون بين نواكشوط والحلف، في مجالات محاربة الإرهاب والتصدي للهجرة غير الشرعية، عبر شراكة تشمل تقديم الحلف لتمويلات خاصة موجهة لزيادة قدرات موريتانيا العسكرية وتدريب جيشها وقواها الأمنية وتطويرها.