القدس ـ «القدس العربي»: تعاني عائلة الحاجة المقدسية نورة صب لبن منذ 45 عاما من مضايقات المستوطنين ومحاولاتهم المستمرة للاستيلاء على منزلها في عقبة السرايا في البلدة القديمة في القدس المحتلة
ورغم كبر سنها ومرضها (60 عاما) إلى جانب زوجها مصطفى (70 عاما) إلا أنها تعكس رسالة صمود وثبات في مواجهة حملات وممارسات تهجيرها من منزلها، التي كان آخرها خلال الأسبوع الماضي حيث تسلمت مؤخرا «قرار الإخلاء من منزلها من «دائرة الإجراء والتنفيذ» الاحتلالية.
وعبر «آفاز» لحملات المجتمع، وهي منظمة عالمية أطلقت عام 2007، تناضل من أجل قضايا البيئة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والفساد والفقر والصراع تحاول أن تطلق صرختها الأخيرة على أمل وقف قرار تهجيرها. وتقول عبر الحملة الدولية: «سيتم تهجيري أنا وزوجي من منزلنا في القدس على يد المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية خلال الأيام المقبلة. لقد نجح الضغط الشعبي في تأجيل تنفيذ قرار الإخلاء حتى الآن، ونحن في حاجة إلى تدخل ممثلي كل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة وتحمل مسؤولياتهم».
اسمي نورة
وتطالب من خلال المنصة بالتوقيع على العريضة العاجلة الآن حيث تقول مخاطبة العالم: «أصدقائي الأعزاء، اسمي نورة، وأنا فلسطينية مقدسية. حاولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي والجمعيات الاستيطانية تهجيرنا من منزلنا في القدس القديمة منذ ما يزيد عن 45 عاما. حيث قامت المحاكم الإسرائيلية عام 2016 بمنع أبنائي وبنتي وأحفادي من العيش معي أنا وزوجي المسن في منزلنا المستأجر منذ عام 1953 قبل احتلال القدس». وتضيف: «اليوم، أنا وزوجي وعائلتي نعيش تحت خطر التهجير الوشيك على يد السلطات الإسرائيلية لصالح جمعية استيطانية، حيث سنخسر منزلنا لصالح المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي الذين يبذلون ما بوسعهم لطردنا منه ولطرد أهل القدس من مدينتهم. لذا، أنا أكتب إليكم اليوم لأني في حاجة ماسة للمساعدة».
وكان أعضاء مجتمع «»آفاز» قد وقعوا في عام 2015 على عريضة تطالب بإلغاء قرار طردها من المنزل، وساهم الضغط الشعبي المناصر لقضيتها في حينه في تأجيل تنفيذ هذا القرار حتى الساعة. إلا أن قوات الاحتلال والمستوطنين يريدون استئناف تهجير العائلة من القدس، ويخططون لطردها وعائلتها من منزلها خلال بعد أقل من أسبوع.
وتقول: «إن أظهرنا لهم دعم الآلاف لي ولعائلتي، فمن الممكن لهذا الدعم الشعبي أن يساعدني على البقاء والصمود في منزلي».
وتتوجه الحملة في جزء منها إلى ممثلي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة في القدس لحثهم على الالتزام بمسؤولياتهم، والتدخل لمنع تهجير العائلة من البلدة القديمة. وترى في الضغط الشعبي والعالمي الوسيلة الوحيدة لإقناع هذه الجهات بالتحرك.
وتقول صب لبن: «لقد سكنت عائلتي في هذا المنزل لعقود طويلة، وعملت جاهدة كي يتلقى أطفالي تعليما لائقا. كرس اثنان من أولادي حياتهما للعمل من أجل حقوق الإنسان، أما ابنتي فهي طالبة جامعية الآن. منعت من رؤية حفيدي يكبر أمامي في منزل العائلة وفي مدينتنا القدس، بالقرب من الأقصى. أنا أصلي من أجل أن يحظوا بمستقبل آمن ووطن حر».
وتضيف: «يعتصر قلبي الألم لمجرد التفكير في احتمال تهجيرنا من منزلنا خلال الأيام المقبلة».
أسبوع على قرار تهجيرها النهائي
وسيتم تهجير العائلة من المنزل بسبب منظمة داعمة للاستيطان والاستعمار تدعى «عطيرت لوشنا» التي تعلن صراحة عن نيتها رفع نسبة اليهود كي يصبحوا الأغلبية بين سكان القدس. ورفعت المنظمة دعوى قضائية تطالب فيها بطرد العائلة من المنزل بادعاء أن المنزل وقف يهودي.
وتعمل جمعية «عطيرت كوهنيم» تحت اسم «عطيرت لوشنا» وتعني حرفيا تاج الكهنة، هي جمعية إسرائيلية استيطانية تعمل على خلق أغلبية يهودية في البلدة القديمة والأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. وتملك مدرسة دينية (يشيفا) في الحي الإسلامي في البلدة القديمة من القدس.
ويقدر عدد المستوطنين الذين يقطنون في المنازل التي استولت عليها «عطيرت كوهنيم» في البلدة القديمة منذ إنشائها عام 1978 بألف مستوطن، وتركز نشاط الجمعية في العقدين الأخيرين في سلوان أيضا، وذلك بالتحالف مع جمعية ألعاد
ويعتبر رجل الأعمال الأمريكي إيرفينغ موسكوفيتش وزوجته من أبرز المتبرعين للجمعية
وأصدرت المحاكم الإسرائيلية قرارا بالإخلاء لصالحهم، بناء على شهادات زور قدمها مستوطنون إسرائيليون قد أعماهم الحقد والكراهية والعنصرية تجاه أهل القدس أصحاب هذه الأرض، وهم يهدفون إلى إحكام قبضتهم على الحي الذي يقع فيه المنزل والقدس عموما.
وتضيف الجدة المقدسية في رسالتها: «عشت حياتي وأنا أشاهد عائلتي وجيراني يبعدون من القدس نتيجة التعاون بين المستوطنين والمؤسسة السياسية الإسرائيلية والأحكام القضائية المجحفة. لقد قررت أن أصمد في منزلي وأنا في حاجة لمساعدتكم كي أبقى، فانتصاري سيكون للقدس وأهلها جميعا». ويقع منزل عائلة غيث ـ صب لبن ـ على بعد عدة أمتار من المسجد الأقصى، وهو مستأجر من المملكة الأردنية الهاشمية منذ عام 1953 ويخضع للإجارة المحمية
وفي عام 2010 ادعت «جمعية غاليتسيا الاستيطانية» أن منزل العائلة هو وقف يهودي، وعليه قررت محاكم الاحتلال إنهاء الإجارة المحمية للعائلة وإخلائها من المنزل، وسبق ذلك جلسات عديدة وقرارات مختلفة بدأت في ثمانينات القرن الماضي، في محاولة لانتزاع ملكية المنزل.
وفي سابقة حدثت مع العائلة عام 2016 أصدرت ما تسمى المحكمة العليا قرارا يقضي بمنع تواجد الأبناء والأحفاد فيه «بهدف منعهم من المطالب بحق الحماية كجيل ثالث» مع بقاء الزوجين فيه لمدة 10 سنوات «لعام 2026» لكنهم فوجئوا عام 2018 بملاحقة وقضية إخلاء جديدة انتهت بقرار إخلاء نهائي، وتحديد دائرة الإجراء الموعد لذلك.
وتعيش عائلة صب لبن في بناية ضخمة، تم الاستيلاء عليها خلال السنوات الماضية «بيت تلو الآخر» حتى باتت العائلة وحيدة داخل بؤرة استيطانية، تتحمل المضايقات والاستفزازات اليومية في سبيل الحفاظ على حقها فيه.
وفي سياق متصل، اقتحمت طواقم من بلدية الاحتلال حي البستان في بلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى. وقامت طواقم البلدية برفقة قوات الاحتلال، باقتحام حي البستان، وسلمت «استدعاءات للبلدية، وإخطارات» لعدد من الأهالي، كما علقت بعض الاستدعاءات على أبواب المنازل. وقامت الطواقم بتصوير أزقة الحي وبعض البيوت.
وخطر الهدم، يهدد حي البستان بالكامل، الذي يضم 100 منزل يقطنها 1550 نسمة، ومنذ سنوات يعيشون بخوف دائم وقلق على مصيرهم من مخططات البلدية ورفضها لكافة المشاريع المقدمة لترخيص المنازل. وتعود «قضية حي البستان» لعام 2004، عندما قررت البلدية هدم الحي، لإقامة «حديقة عامة فيه» وبعد عام بدأت في توزيع أوامر الهدم على السكان، وبعد ضغوط دولية جمّدت قرارات الهدم، وخلال السنوات الماضية حاول الأهالي من خلال طواقم المهندسين والمحامين من تقديم المخططات التنظيمية البديلة للحفاظ على وجود الحي، وفي عام 2021 رفضت المخططات.
وثمة دراسة للباحث أحمد إمارة نشرت في كتاب حمل عنوان «الاستيطان في أحياء القدس.. البلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح» تناولت أنشطة الجمعيات الصهيونية في إطار مشروع تهويد المدينة. يعالج الكتاب ظاهرة مختلفة عن الاستيطان الإسرائيلي الكلاسيكي، الذي يتمثل في مصادرة آلاف الدونمات من الحكومة الإسرائيلية وتخطيط لمدن وبلدات وأحياء كاملة، أي من الدولة الى الأسفل، حيث يتناول الكتاب ويستعرض بالتفصيل نشاطات الأفراد والجمعيات الاستيطانية مثل: «إلعاد» و«عطيرت كوهنيم» وغيرهما، في البلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح بشكل خاص، في سياق مشروع تهويد المدينة المحتلة.
الاستيلاء على البيت
ويحلل الكتاب في فصوله المختلفة البنية التحتية القانونية التي تعتمدها هذه الجمعيات، من أجل الاستيلاء على بيت وتحويله الى بؤرة استيطانية أو من أجل الاستيلاء على بيت آخر، وكيف تدعم سلطة الاحتلال الإسرائيلي عمل هذه الجمعيات الاستيطانية، حيث يتم التعامل الرسمي مع الاستيلاء على البيوت وإخلاء العائلات الفلسطينية باعتباره محض خلاف قانوني عقاري بين أشخاص، في إنكار لحقيقة أنه تعد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فضلا عن كونه خلافا سياسيا، كما أن هناك دورا كبير للحكومة الإسرائيلية متمثلة ببلدية القدس ودوائر التخطيط والبناء ووزارة الإسكان ودائرة الأراضي.
وحسب مؤلف الكتاب فإن كل المؤسسات الاحتلالية تلعب بشكل أو بآخر دورا من شأنه أن يمكّن الجمعيات الاستيطانية من فرض أهدافها عبر الاستيلاء على عدة بيوت وعقارات داخل الحي الإسلامي وحي النصارى وسلوان والشيخ جراح، وفي أحياء خرى مثل بيت حنينا وشعفاط.
ويستعرض الكتاب التغيرات الحاصلة في مشهد تهويد القدس، من خلال عرض شكل الاستيطان الحديث في قلب الأحياء المقدسية، والتي تديره وتحركه الجمعيات الاستيطانية بالشراكة مع المؤسسات الرسمية الإسرائيلية، ويكشف عن الممارسات القانونية والسياسية والإدارية التي تقوم بها الجهات للتضييق على المقدسيين في أرضهم وأماكن سكناهم.