مشاكل المدارس تنتقل من عام لآخر… وشعار المسؤولين «كله تمام»… والفجوة واضحة بين الأحزاب والشارع

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: بعد مرور عقد من عمر السلطة الراهنة تخلى الكثيرون من أنصارها تباعا عن سابق قناعاتهم القديمة، وفي صدارتها أن “الخبز أهم من الحرية” إذ أدرك هؤلاء أن أيا من الحلمين لم يتحقق، إذ تراجع الأمل بالنسبة لغالبية المواطنين عند مجرد سد رمق أسرهم بما تيسر من خبز.. لكل ما سبق بات كثير من أنصار السلطة يتخلصون من تبعات ولائهم القديم، والاعتراف بقيمة فضيلة الحق في الكلام، التي لا يمكن تجاهلها. وفي مقدمة من أعلن غضبه العالم فاروق الباز، الذي اعترف قبل يومين بأن: “الإدارة في الدولة خربانة، وهذا سبب تأخرنا في برنامج الفضاء مقارنة بالإمارات والدول الأخرى”. وأضاف: تأخرنا في برنامج الفضاء المصري ليس بسبب الإمكانيات المالية، ولكن نتاج سوء الإدارة.. ومن بين المعترفين بالحق في الكلام الكاتب عماد الدين حسين رئيس تحرير “الشروق” الذي يرى أن الحوار الساخن أفضل من عدم الحوار، مشيرا إلى أن هناك ضرورة لتأييد حرية الرأي مع عدم انتهاك القانون، معقبا: «الأساس حرية الرأي وحرية التعبير، فدون حرية الرأي، لا يوجد أمل في أي شيء».
ومن القضايا الدينية التي أثارت جدلا: علق الدكتور إبراهيم رضا أحد علماء الأزهر، على الإعلان الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بما يسمى «المحلل الشرعي والمخصب»، مؤكدا أن هذا الأمر زنا ولا يسمى زواجا، وفي حال رجوعها لزوجها السابق أيضا زنا. وأضاف أن أحد شروط عقد الزواج هو نية التأبيد أي تكون زوجة العمر، مشددا على أنه إذا اختلت النية، يعتبر العقد فاسدا وباطلا وما يترتب عليه أيضا باطل وفاسد. ومن الأخبار التي لها علاقة بـ”فخر العرب”: علق الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين في وزارة الآثار، على الصورة المتداولة للاعب ليفربول الإنكليزي محمد صلاح أمام تمثال رمسيس الثاني في المتحف البريطاني مؤخرا، قائلا: «أتصور مع جدي رمسيس الثاني أشهر ملوك الأرض، ووجه رسالة مهمة، بيقول للناس مش أنا اللي جزمتي تتحط أمام التمثال، وابتسامته بتقوله بعتذر لك يا جدي عما فعلوه بك، رسالة كمان أنكم سرقتم التمثال وأنا من خلال ابتسامتي لا بد إنكم ترجعوه». وأوضح أن المتحف البريطاني يضم بين جنباته أكثر من 110 آلاف قطعة آثار مصرية منهوبة، واصفا من جانبه نهب الآثار الفرعونية بـ«السرقات المشروعة» وجدد دعوته بضرورة رفع دعوى قضائية ضد المتحف البريطاني على خلفية سرقة حوالي 2000 قطعة أثرية مؤخرا بضرورة استعادة الآثار المنهوبة. يشار إلى وضع المتحف البريطاني حذاء صلاح أمام التمثال الجرانيتي للملك رمسيس الثاني في قسم الآثار المصرية؛ كنوع من التكريم للاعب عقب فوزه بلقب هداف الدوري الإنكليزي الممتاز عام 2018.. ومن التقارير الطبية: كشف الدكتور عمرو الحديدي أستاذ أمراض القلب كيفية التعامل مع توقف القلب المفاجئ المؤدي لزيادة حالات الموت المفاجئ، قائلا، أن الوفاة المفاجئة ربما تحدث لشخص لديه أمراض غير مكتشفة، مثل تضخم في عضلة القلب، والكوليسترول، الذي يؤدي لجلطات. ومن أخبار الساحرة المستديرة: يستعد منتخب مصر الوطني لمواجهة نظيره الإثيوبي مساء اليوم الجمعة على استاد الدفاع الجوي، في الجولة الأخيرة من التصفيات المؤهلة لنهائيات أمم افريقيا للكبار – كوت ديفوار 2024.
أسوأ من البيع

يرى ياسر شورى في “الوفد” أن كل ما قمنا ببيعه من أصول وشركات وما سوف نبيعه مستقبلا لمستثمرين أجانب، وإن كانوا أشقاء، سوف نكون مطالبين العام المقبل بتوفير ما يساوي نصيبهم من أرباح ما اشتروه بالنقد الأجنبي، عندما يحولونها للخارج.. وهذا بالتأكيد ليس غافلا عن الذين يديرون اقتصادنا.. أي إنه إذا كان بيع أصول وشركات يوفر لنا الآن نقدا أجنبيا يساعدنا في أزمتنا الحالية، فإنه سيكون مستقبلا أمرا ضاغطا علينا في تلك الأزمة.. فإن الذين اشتروا أصولنا وشركاتنا سوف يحولون أرباحهم التي تحققها هذه الشركات التي صاروا يشاركوننا فيها، وبذلك أضيف عبء جديد للنقد الأجنبي علينا، ولذلك يتعين على من يديرون اقتصادنا أن يستعدوا لمواجهةَ ذلك حتى لا تستمر أزمة النقد الأجنبي حتى بعد بيع العديد من أصولنا وشركاتنا.. ويتعين عليهم أن يعتبروا بيع الأصول والشركات القائمة بالفعل أمرا اضطراريا لحاجتنا الماسة لنقد أجنبي هذا العام، ويتوقفوا عنه مستقبلا، بعد أن يكونوا وفروا موارد دائمة للنقد الأجنبي.. وليست موارد نحصل عليها مرة واحدة من عائد البيع، ثم بعدها ندفع للمشترين أرباحهم بالنقد الأجنبي ليحولوها إلى بلادهم.. والموارد الأساسية من النقد الأجنبي تأتى أساسا من الإنتاج الذي يغنينا عن الاستيراد الكثير ويزيد من صادراتنا. أما إذا كان من يديرون اقتصادنا يبغون تخلص الدولة من ملكيات لها، فلتطرح الشركات والأصول للمصريين، سواء في شكل أسهم أو بأسلوب المستثمر الرئيسي.. فالمصريون لن يحولوا أرباحهم إلى الخارج، ولذلك لن يحملوا الاقتصاد المصري عبء توفير نقد أجنبي مثل الأجنبي. لقد قلنا هنا من قبل أن بيع الأصول ليس هو الاستثمار الأجنبي الحقيقي الذي يفيدنا بإنشاء شركات جديدة توفر فرص عمل للمصريين وتضيف للناتج القومي، وهو ما لا يوفره بيع الأصول والشركات الجاهزة..

دجاجة هربت

بنظرة البعض قد يكون ياسر شورى محق في النتيجة التي انتهى إليها: تقريبا لم ينشغل المصريون بقرار بيع أسهم في شركة حكومية مثلما انشغلوا ببيع الدولة لنسبة تقترب من الثلث من الشركة الشرقية للدخان المهيمنة على معظم حصة إنتاج الأدخنة في مصر، إذ أعلنت الحكومة المصرية الأحد الماضي عن استحواذ شركة إماراتية على حصة في الشركة الشرقية للدخان المصرية «إيسترن كومباني»، منتج السجائر الأكبر في مصر، التي تهيمن على قرابة 75% من حجم السوق المحلية للدخان. ووفق ما أعلنه مجلس الوزراء، فقد استحوذت شركة جلوبال للاستثمار القابضة المحدودة الإماراتية على 30% من أسهم الشركة الشرقية في صفقة بقيمة 625 مليون دولار، مع قيام المشترى بتوفير مبلغ 150 مليون دولار لشراء مواد التصنيع. طبعا في بلد مثل مصر معظمه من المدخنين غنيهم وفقيرهم، فإن الموضوع أخذ حجما أكبر من حجمه، ووصف البعض الأمر بأنه بيع لأصوال مصرية تحقق الربح، بل زاد آخرون بأن الارتفاع الجنوني لأسعار السجائر خلال الفترة الماضية يعود إلى خطة وضعت لتشجيع المستثمر الإماراتي. وفي رأيي أن كل هذا بعيد عن الحقيقة، فالصفقة ليست بيعا وإنما مشاركة بنسبة غير حاكمة تبقى الإدارة مصرية وتنقذ الشركة من عثرتها في توفير مواد الإنتاج، وتجعلها تحقق نجاحا، وقد تنخفض أسعار السجائر على عكس ما يراه البعض. وفي كل دول العالم هناك قاعدة استثمارية وهي، عندما تنشأ شركة وتنجح تلجأ بعد ذلك إلى بيع جزء من أسهمها، لكي تنشأ أخرى أكثر نجاحا. إلى جانب ذلك، فإن توفير الدولار من خلال السعر الذي بيعت به الأسهم هو أيضا إيجابي على الاقتصاد، إلى جانب أن هناك جزءا لتوفير مواد الإنتاج. لقد طالب الكثيرون بأمرين: أولهما زيادة الاستثمارات الأجنبية لحل أزمة الدولار، وثانيهما تفعيل وثيقة الملكية وتوسيع مشاركة القطاع الخاص. ولو نظرنا بشيء من الحكمة لهذه الصفقة فسنجد أنها حققت الشرطين أو المطلبين بشكل واضح فلماذا الغضب؟ الشرقية للدخان شركة مصرية ما زالت، تم تدعيمها وإعادة الحياة لها من جديد في صفقة أعتقد أنها ستكون مثالا يحتذى لصفقات أخرى، ومؤشرا على بدء تشجيع المستثمرين العرب والأجانب، خاصة أن الحكومة المصرية تملك ترخيص وإنشاء شركات جديدة تتجنب من خلالها مشاكل الشركات القديمة.

جوعى ومرفهون

يوما بعد يوم يتخلى حسين حلمي في “الوفد” عن حذره لينضم للساخطين على ما آلت إليه أوضاع البلد، الذي كان محط أنظار العالم قبل أن يهدد أهله الجوع والخوف: الأمل نور يُضيء الحياة ويصنع المستقبل، من دونه يسير الشخص في الحياة من دون روح ويتخبط في ظُلمات الحياة والحزن. من دون الأمل يرفع الشخص رايات اليأس، رغم أن الحياة ستمر ولن تنتظرك، في ذلك يقول صلاح جاهين «يأسك وصبرك بين إيديك وإنت حر تيأس ما تيأس الحياة راح تمر» لذلك يجيء دور الرواد في زرع بذور الأمل لدى شعوبهم حتى لا يتمكن منهم الضيق، ويجعلون من تلك البذور مخرجا لكل يأس. ولعل أهم ما يشغل الناس في عصور «الرماد» ألا يقعوا في الوهم والقحط، ولا يترك البعض ليشقى والبعض من دون إحساس، فهذا الأمر خطر على المجتمع، لذلك يجب على الناس أن يشعروا بالمساواة في ما بينهم… ويكون معيار الصعود هو العلم والمعرفة والعمل، هذا ما فعله سيدنا يوسف عليه السلام، حيث استطاع أن يُنجي أمته من الشدة التي أصابت البلاد، بأن ادخر لها واستعد حتى استطاع منع المجاعة عن البلاد، فلم يجُع أحد، بل استطاع أن يُغيث البدو في الصحراء. ولكن في الأزمنة اللاحقة اضطر بعض الناس إلى أكل أي شيء، وآخرون يتباهون بفاخر الثياب والترف ولا حياة لآلام الناس بسبب الغلاء.

ليس حلا

أخذت قضية اندماج الأحزاب السياسية وقتا أكثر مما ينبغي، خلال أولى جلسات المرحلة الثانية من الحوار الوطني، وكان الأولى بمناقشات المحور السياسي وفق ما يرى عماد فؤاد في “الوطن”، أن تركز على التعديلات المقترحة على قانون تنظيم الأحزاب السياسية، بما يحقق هدف دعم الحياة الحزبية، وتفعيل دورها كأحد أهم مكونات النظام السياسي في مصر، وفقا لنص الدستور. يجب ألا نتعامل مع عدد الأحزاب الذي يزيد على الثمانين حزبا، وكأنه العائق الوحيد أمام تطور الحياة السياسية، وللعلم ففي الدول الديمقراطية يزيد عدد الأحزاب على ذلك الرقم بكثير، وفي فرنسا – على سبيل المثال هناك 408 أحزاب، ويتداول الحكم حزبان فقط هما الأقوى على الأرض، ولا يوجد في الجمعية الوطنية (البرلمان) سوى ممثلين لنحو 25 حزبا فقط، وكذلك الحال في الولايات المتحدة الأمريكية التي يتبادل فيها الحكم الحزبان الديمقراطي والجمهوري فقط، رغم وجود عشرات الأحزاب الأخرى، لا أعتقد أن غالبية الأمريكيين يعرفون عنها شيئا، ومن بينها الحزب الشيوعى الأمريكي، وحزب «حفلة شاي بوسطن».. هكذا اسمه. الحوار الوطني لن يخرج حتما بأي مقترح لتعديل تشريعي يدفع الأحزاب للاندماج، فهذا يتعارض مع الدستور الحالي – وهو غير مطروح للحوار- الذي ينص على التعددية السياسية والحزبية. ربما لا يدرك دعاة الاندماج أن التباينات بين أحزاب التيار الواحد في مصر، سواء كان تيار اليسار أو اليمين، أعمق مما يقدّرون، وحتى أن اتفقوا على المنطلق الفكري، إلا أنهم مختلفون في أسلوب التطبيق وطريقة الأداء.

يحيط بها الموات

المؤكد من وجهة نظر عماد فؤاد، أن الحياة الحزبية في مصر ليست كما نريد، أو كما ينبغي، والفجوة واضحة بين الأحزاب والشارع، ولكنّ الممارسين للعمل السياسي والحزبي يعرفون أن ذلك مردّه غياب الدور الحقيقي والمؤثر للمجتمع المدني، وهو ينعكس على الحياة الحزبية بالسلب، لأن الأحزاب الحقيقية تستمد عضويتها من أوساط النقابات والجمعيات الأهلية التي تضم مواطنين واعين بقضاياهم النوعية، وفي غياب المجتمع المدني يبدو الجميع وكأنه ينفخ في «قِربة مقطوعة». الأولى بالمناقشة داخل الحوار الوطني هو تعديل قانون الأحزاب، بما يتيح لها الوجود والنفاذ، حيث توجد العضوية المتوقعة في الجامعات والمصانع، ولا يعني ذلك تأسيس لجان حزبية داخل هذه الكيانات، وعلينا أن نتذكر أن حظر العمل السياسي داخل الجامعات، أتاح الفرصة لجماعة الإخوان الإرهابية وكل التنظيمات الخارجة منها للتحرك وسط الطلاب وتجنيدهم وتنظيمهم في تشكيلات معادية للوطن، ومَن نجا منهم وقع في الأخطر من التطرف وهو السلبية. عندما صدر قانون تنظيم الأحزاب السياسية قبل 47 عاما كان متفقا مع الواقع آنذاك، ولم تستطع التعديلات الثمانية التي تم إدخالها عليه – بمعدل تعديل كل 6 سنوات- تدارك الخلل الموجود. الإرادة السياسية لاستنهاض الحياة الحزبية متوافرة، وقد عبّر عنها رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، ويبقى توافر حسن النية لدى الجماعة السياسية في مصر لإعادة تقييم التجربة بما لها وما عليها، والوقوف على ما وصلت إليه الآن، للوصول إلى ما يلائمها حاليا حتى تقوم بدورها على الوجه الأكمل.

قبل أن تضيع

بيان الدكتور محمد حمدي، مؤسس مبادرة «رسم مصر»، اعتبره حمدي رزق في “المصري اليوم” يُجلي الحقيقة، ويضع النقاط فوق حروف المبادرة التي شاهت بفعل فاعل، واستبيحت سياسيا لغرض غير خافٍ. فحسب مبادرة وطنية تهدف إلى تعريف الشباب بتاريخ الوطن وفنونه ليست لها أي أهداف سياسية، وكما يقول الدكتور حمدي: “رسم مصر” ستستمر في إشاعة الجمال من خلال جولاتها الفنية والتاريخية في القاهرة. مبادرة بكل وطنيتها وألقها ورحلتها الطويلة (خمس سنوات مضت) في تقفي مواطن الجمال في وطن جميل، جمال البشر منقوش على الحجر، تستباح من منصات عقور (جهات معادية للدولة المصرية، حسب البيان). «رسم مصر» في مقبرة الإمام الشافعي جولة جانبها التوفيق في التوقيت، تغري بالاستخدام السياسي المفرط، وقد حدث، لكنها في الأخير جولة رسم، “دخلت غلط على الخط البطال”. قافلة رسم تتعرض لحادث سطو في الطريق، حظهم عاثر، جولة رسم من عشرات الجولات الملونة على مدار خمس سنوات تشير سياسيا وتستخدم إخوانيا نكاية ومكايدة. جولة “رسم مصر” التي نهشتها الذئاب الرمادية في الفضاء الإلكتروني كانت بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول إلى مقابر الإمام الشافعي، جولة رسم بريئة من الهوى، يتم حرفها عن طريقها الملون، تستغل سياسيا باعتبارها حركة احتجاجية على هدم ونقل مقابر الإمام. ننقل من بيان مؤسس المبادرة الدكتور حمدي نصا: «الجولة استُغلت من قِبَل بعض الجهات المعادية للدولة المصرية، وبعض وسائل الإعلام المضللة والكاذبة، وتم تحميلها بأثقال لا تحتملها». لزم التنويه (والكلام للدكتور حمدى): “رسم مصر” مبادرة مجانية تطوعية، تعمل ميدانيا منذ حوالي خمس سنوات، قامت بعشرات الجولات التاريخية والفنية لتعريف الشباب بتاريخ وطنهم وفنونه..

«الشافعي يناديكم»

واصل حمدي رزق دعمه للفريق الذي يسجل الآثار المصرية: إذ يجتمع أعضاء “رسم مصر” على حب الوطن للقيام بجولة تاريخية وفنية لأحد الأماكن الأثرية أو التاريخية في القاهرة، ونشرح تاريخ هذا المكان وتاريخ الشخصيات الوطنية والمؤثرة التي عاشت فيه. نوثق هذه الجولات من خلال التصوير والرسم لعمل لوحات تشكيلية تستلهم روح المكان، ونعرض هذه اللوحات في إحدى قاعات العرض ونشترك بها في المعارض الجماعية. ليست الجولة الأولى، ولن تكون الأخيرة أن شاء الله. فنانو “رسم مصر” قاموا بالعديد من الجولات التاريخية والفنية إلى دير سمعان الخراز في المقطم، قبة الباشا، قبة الإمام الشافعي، الإمام الليث، جامعي السلطان حسن والرفاعي، وادي المستضعفين في القرافة، مقابر الروم الأرثوذكس (هناك ثبْت بالأماكن والجولات ملحق بالبيان). ترك المغرضون كل هذه الجولات الملونة، وتربصوا بجولة “رسم مصر” في منطقة مقابر الإمام الشافعي، وحاولوا إظهارها على غير ما تهدف إليه. تم تصوير جولة “رسم مصر” كما لو كانت احتجاجا، وهو غير ما ترمي إليه المبادرة من أهداف وطنية وتربوية وفنية موثقة ومسجلة على مدار الخمس سنوات الماضية. خلاصته، والبيان بنصه منشور، كل ما نشر بوسائل الإعلام المغرضة والمضللة (كما يقول الدكتور حمدي) عار تماما من الصحة، بل أن بعضهم اختلق تصريحات على لسان أعضاء مبادرة “رسم مصر”. إزاء مكايدة واستخدام سياسي فاضح، وخلاصته “رسم مصر” مبادرة وطنية تهدف إلى تعريف الشباب بتاريخ الوطن وفنونه فحسب، ليست لها أي أهداف سياسية.. وستستمر في إشاعة الجمال من خلال جولاتها الفنية والتاريخية في القاهرة.

مجرد مصري

في حوار له مع جريدة «نيويورك تايمز» سنة 1995، تعجب رجل الأعمال المصري الراحل محمد الفايد من نظرة البريطانيين له، قال نصا كما نقل عنه عبد اللطيف المناوي في “المصري اليوم” يعتقدون أن كل من يأتي من مستعمرة (يقصد مصر) هو نكرة، وعندما تثبت أنك أفضل منهم، وتقوم بأمور تجعل منك حديث البلد، يسألون أنفسهم كيف أمكنه القيام بذلك، هو مجرد مصري. هذه الجملة تلخص الكثير من حياة محمد الفايد، الذي رحل عن عالمنا صباح الأول من سبتمبر/أيلول الجاري، تلخص كيف كانت حياته، وكيف كوّن ثروته، وكيف تحدى الأسرة المالكة في بريطانيا العظمى، وكيف مات بهدوء عن عمر ناهز 94 عاما بعد حياة مديدة مليئة بالتقلبات والمعارك. ولكن، مخطئ من يظن أن الفايد، أو محمد فايد بالأحرى، المصرى، المولود في الإسكندرية سنة 1929، كوَّن امبراطوريته بسهولة ويسر، ومخطئ من يظن أنه اعتمد على ضربة حظ، بل أن تلك الإمبراطورية تكونت من عرق رجل ذي شخصية مركبة للغاية، تلك الشخصية التي حولته من «مجرد مصري»، بوصف البريطانيين، فقير يعمل حمالا على أرصفة ميناء الإسكندرية، إلى أحد أهم أغنياء العالم في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، والسنوات الأولى من الألفية الجديدة، وإلى وقت قريب. نعم، بدأ محمد فايد حياته في الميناء القريب إلى محل سكنه ومسقط رأسه، يحمل حقائب المسافرين، ويبيع المشروبات الغازية لهم، وانتقل بعد ذلك إلى العمل في بيع ماكينات الخياطة، لم يكن يأبى أي عمل، طالما أنه يحقق له ربحا ماديا يعينه على الاستقلال المادي عن أسرته الفقيرة. ساعدته شخصيته الطامحة إلى التعرف بالكاتبة سميرة خاشقجي، شقيقة الملياردير عدنان خاشقجي، التي تزوجها في ما بعد، فقد منحه هذا الزواج عملا مكّنه من دخول دوائر المجتمع في الخليج، ثم في بريطانيا. كالنمل المجتهد ظل محمد فايد يجمع ثروته بنفسه، بعد أعمال صغيرة تحولت بمرور الوقت إلى صفقات كبيرة مع الكثير من أثرياء العالم. صار فايد مليونيرا في ستينيات القرن الماضي، بعد أن تعرف إلى دوك دوفالييه، حاكم هاييتي الشهير، كما صار المستشار المالي لسلطان بروناي، فيما أسس شركة شحن خاصة به في مصر، باختصار تحول هذا الرجل المصري الثلاثيني إلى واحد من أهم وأشهر رجال الأعمال في العالم.

عادة قارتنا الانقلابات

بعد انقلابين في مالي (عامي 2020 و2021)، وآخر في غينيا، وانقلابين في بوركينا فاسو (في عام 2022)، وتشاد والنيجر، يعتبر انقلاب الغابون الذي تابعت فصوله وفاء صاندي في “الأهرام” ثامن انقلاب في غرب افريقيا في السنوات الثلاث الأخيرة. يأتي هذا الانقلاب الأخير في ظرفية قارية يغلب عليها الارتباك، خاصة بعد انقلاب النيجر، وفي ظرفية محلية اتسمت باحتجاجات قوية، ضد نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعلن الرئيس المعزول فوزه فيها بولاية ثالثة، ما أثار سخطا عارما وتشكيكا بالنتائج واتهامات بالتزوير، وهيأ الفرصة للتحرك العسكري. على عكس الانقلاب في النيجر الذي أثار ردود أفعال متباينة بين الفاعلين الأساسيين في افريقيا (خاصة أمريكا وفرنسا)، يبدو أن مصالح الغرب تلاقت مع الانقلاب في الغابون. أمريكا اكتفت بالقول، على لسان منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، أن ما حصل هو سيطرة الجيش على السلطة، بدل وصفه بالانقلاب. معتبرة أنه أمر غير مقبول، والحل بالعودة إلى الديمقراطية، وفرنسا اعتبرت أن ما حدث في الغابون هو شأن داخلي، وتبنت رواية الانتخابات المزورة، وجاء في بيانها الرسمي أنها ليست متأكدة من أن نتائج الانتخابات الأخيرة تستجيب لتطلعات الشعب الغابوني، ومن هنا فهي ترى أن الحل في انتخابات جديدة شفافة. تميزت العلاقات بين الغابون وفرنسا بالمد والجزر خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من حرص الرئيس المعزول علي بونجو، على الحفاظ على المصالح الفرنسية في البلاد وتوطيد العلاقة مع باريس، وحرص الإليزيه في المقابل على عدم فقدان حليفها، لكن تهم الفساد التي ظلت تلاحق عائلة بونجو، والانتقادات التي وجهت لماكرون بشأن دعم النظم الاستبدادية، دفعت الأول للتوجه نحو لندن ومحاولة الانضمام للكومنولث البريطاني العام الماضي، ودفعت الإليزيه إلى القبول بالانقلاب الأخير، طالما أن المجموعة العسكرية لم تصدر أي موقف ضد باريس، ولم تهدد مصالحها.

باريس مطمئنة

تتمتع فرنسا بنفوذ عسكري واقتصادي كبير في الغابون، لديها كما تؤكد وفاء صاندي قاعدة عسكرية دائمة يوجد فيها نحو 400 جندي. وتهيمن مجموعة توتال على إنتاج النفط في البلاد، بإنتاج يصل إلى 200 ألف برميل يوميا، يمثل نحو 80% من صادرات البلاد. كما تستخرج شركة إيراميت الفرنسية المنغنيز في الغابون، باعتبارها ثاني أكبر منتج لهذا المعدن في العالم، الذي يستخدم في صناعة الحديد والصلب وبطاريات السيارات. وأصبحت الغابون عام 2022، أهم وجهة للصادرات الفرنسية، بين الدول الست الأعضاء في المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط افريقيا (CEMAC)، التي تضم أيضا الكاميرون وجمهورية افريقيا الوسطى وتشاد والكونغو وغينيا الاستوائية. ما دامت باريس، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، على يقين بأن الغابون خالية من النفوذ الروسي، وما دامت لم تتخذ موقفا معاديا للانقلابيين، ولم تتحدث عن فرض عقوبات عليهم، ولم تحرض على عمل عسكري ضدهم، مثلما تفعل في النيجر، هذا يعني أنها غير قلقة على مصالحها ونفوذها في البلاد. وما دام هناك ترحيب داخلي بالانقلاب، واكتفاء المجتمع الدولي فقط بالإدانة، مقابل عدم رغبة الدول الافريقية في التدخل، سواء من خلال الاتحاد الافريقي، الذي اكتفى في حالات مماثلة بتعليق عضوية البلاد في مؤسساته، حتى إجراء انتخابات ديمقراطية، أو من خلال المجموعة الاقتصادية لدول وسط افريقيا (إكواس) – المنوط بها التدخل لاستعادة النظم المنتخبة ورفض قيام العسكر بالإطاحة بهذه النظم – فهذا يعنى القبول بالأمر الواقع.

شعارنا «كله تمام»

مع اقتراب بدء العام الدراسي في 30 سبتمبر/أيلول الحالي، يرفع المحافظون ومسؤولو وزارة التربية والتعليم، على المستويات كافة، شعار: «كله تمام» في ما يتعلق باستعداد المدارس لاستقبال التلاميذ والانتهاء من صيانة مبانيها والتأكد من سلامتها. يتابع عبد الله عبد السلام في “المصري اليوم”، تنشط الزيارات الميدانية لطمأنة أولياء الأمور بأن المدارس صالحة وآمنة وجاهزة. وزير التعليم أعلن قبل أسبوع الانتهاء من صيانة المدارس قبل بداية الدراسة، مؤكدا ضرورة تحقيق أعلى معدلات الأمن والسلامة للتلاميذ والعاملين في المؤسسات التعليمية على مستوى الجمهورية واستبعاد المدارس التي تخضع لخطة صيانة شاملة وسرعة توفير أماكن مناسبة في المدارس القريبة. لكن هذا الطقس السنوي المعتاد لا ينجح عادة في تبديد المخاوف وتهدئة الأعصاب. تجارب الماضي القريب تحمل ذكريات غير سارة. مشاكل المدارس تنتقل من عام لآخر، تماما كما ينتقل التلاميذ من سنة دراسية لأخرى. في الحالة الأولى تتفاقم الأزمات التي يصعب حصرها، وفي الثانية، تزيد الأعباء على التلميذ وأسرته من دروس خصوصية إلى غلاء الكتب المدرسية الخاصة وغيرها. لكننا نركز هنا على مباني المدارس. أولياء الأمور يقولون إنها غير صالحة ومتهالكة وتمثل خطورة على أبنائهم. التصدعات في بعض المدارس ظاهرة للعيان. الأسوار العشوائية الحديد والصاج والأبواب والفواصل الحديدية على السلالم والطرقات داخل وخارج مباني المدارس منتشرة وفي ازدياد. بعض الجدران مهشمة والمقاعد متهالكة أو غير موجودة. تردي حالة دورات المياه، بل اللوحات الخشبية (السبورات) غير صالحة للاستخدام. ورغم أن هيئة الأبنية التعليمية أشارت، نهاية مايو/ايار الماضي، إلى زيادة الاستثمارات في مشروع موازنة الهيئة للعام الجديد بنحو 923 مليون جنيه، لتصبح 8.6 مليار جنيه، إلا أن المدارس الحكومية ما زالت تعاني من تدهور خطير يمكن أن يضر بسلامة التلاميذ، بل بحياة بعضهم كما يحدث كل عام. المفارقة أنه ليست هناك قائمة معلنة في المدارس التي تمثل خطرا أو تحتاج لصيانة، بل يتم ترك الأمر للقدر للأسف الشديد. التصريحات فضفاضة عن إجراء أعمال الصيانة المطلوبة، لكن في أي مدارس؟ لا إجابة شافية. مشاكل المدارس ليست خاصة بمصر فقط، بل تخص دولا متقدمة وغنية. الفارق هو الإعلان عن المشاكل بوضوح وإبلاغ الناس بها.

قضية رأي عام

قبل أسبوع فوجئ التلاميذ وأولياء الأمور في إنكلترا بتقرير رسمي عن وجود 150 مدرسة على الأقل غير مهيأة لاستقبال التلاميذ لاحتواء جدرانها على نوع من الخرسانة يمكن أن تشكل خطورة على التلاميذ والمعلمين. كما أخبرنا عبد الله عبد السلام، أصيب أولياء الأمور بالرعب والخوف على حياة أبنائهم وتساءلوا: لماذا تعلن الحكومة عن القائمة مع دخول المدارس، ولماذا لم تكشف عنها في السابق، خاصة أن المشكلة معروفة وسببها استخدام خرسانة رخيصة خفيفة الوزن؟ الحكومة قالت إن سقوط الخرسانة في إحدى المدارس جعلها تنتبه للمشكلة وتحذر إدارات المدارس كي تأخذ احتياطاتها. وسائل الإعلام نشرت أسماء المدارس وحالة كل منها بالضبط، كما سارعت الأقاليم البريطانية الأخرى كأسكتلندا وأيرلندا الشمالية للإعلان عن وجود المشكلة نفسها. وزير الخزانة جيرمي هانت بعد أن صرح بأنه لا توجد أموال للصرف، عاد للتأكيد بأنه سيتم إنفاق أي مبالغ تحتاجها عمليات الإصلاح السريع، بعد أن تحولت القضية إلى قضية رأي عام. في دراسة استقصائية منشورة الشهر الماضي وأشرف عليها الاقتصادي الهندي الشهير جان دريز بعنوان: «أين الأطفال.. الحالة الغريبة للمدارس الحكومية في ولاية بيهار الهندية»، تبين أن 90% من المدارس الابتدائية ليس لها سور أو ملعب أو مكتبة، وأن 9% ليست لها مبان خاصة بها 20% من المدارس الابتدائية تفتقر لدورات مياه وسدس المدارس ما بعد الابتدائية لا تمتلكها أيضا. هناك نقص شديد في عدد الفصول والكراسي والطاولات، نتيجة لهذه الظروف المتدنية، ترك التلاميذ الهنود المدارس لحضور الدروس الخصوصية. السيناريو يكاد يكون كربونيا عندنا. يقول أحمد شوقي: «أنا المدرسة، اجعلني كأم لا تمل مني. ولا تفزغ كمأخوذ من البيت إلى السجن. كأني وجه صياد وأنت الطير في الغصن». للأسف تبدو بعض المدارس الحكومية، خاصة في الأقاليم والأماكن النائية، مثلما حذر منه أمير الشعراء. مناهج مليئة بالحشو والإطالة وفصول مكدسة ومقاعد متهالكة.. الملاعب تقلصت أو تلاشت والمباني تفتقر لكثير من الاشتراطات التي تجعلها آمنة.. ومع ذلك، دعونا نتفاءل بأن كل شيء سيكون تماما في العام الجديد.

ستجلس وحيدا

ماذا تفعل إذا تغير العالم حولك، الوجوه والأشياء والأماكن وجلست وحيدا؟ تابع فاروق جويدة في “الأهرام”: الألوان لم تعد كما كانت، والكلام والأخلاق والشوارع، كنت تحفظ كل التفاصيل، الأشجار والعمارات والأغاني، كل الأشياء تغيرت حتى البشر الذين عرفتهم وحفظت ملامحهم لم يعودوا كما كانوا.. وكثيرا ما تسأل نفسك: هل الأشياء هي التي تغيرت أم أنت الذي تغير؟ العمارات الجميلة كيف تحولت إلى أبراج قبيحة، والنيل هذا الشامخ كيف يبدو للناس، مستسلما خائفا حزينا، والأشجار التي كانت تحلق في السماء أين اختفت، والعصافير التي كانت تعزف كل صباح أغنية للحب والأشواق، وأطباق الفول والطعمية، وشيء غاب عنا كان يسمى البركة؟ كثيرا ما يجذبني الحنين إلى شوارعنا القديمة، ولكن الزحام أصبح شيئا مخيفا وحشود البشر في المقاهي وسحابات الدخان والشيشة والسجائر مع ما تبقى من أشباح كورونا كل ذلك يجعل الشوارع مجرد ذكريات عبرت.. أذكر من سنوات عندما حملني القطار إلى جامعة القاهرة وكانت الشوارع نظيفة وتكاد لا تسمع أصوات الناس والسيارات، وآخر ما تراه مقهى يقدم الشاي والحلوى وأنت تدفع الحساب قروشا للشاي وأخرى للحلوى، بينما صوت هدى سلطان يطوف بك «إن كنت ناسي أفكرك» ويرد عليها طلب «ودع هواك وانساني عمر اللي فات ما هيرجع تاني»، بينما تنهي كوكب الشرق الحكاية «قول للزمان ارجع يا زمان».. هل هو الحنين إلى الماضى أم هو الزمان حين يسرق أجمل سنوات العمر؟ أم هو الاعتياد على الأشياء التي أصبحنا جزءا منها؟ أم هو الخلاف بين طبائع البشر حين يرى كل إنسان ما يحب؟ كانت مشكلتى دائما أننى اعتدت على الأشياء والبشر والأماكن وأحفظ ملامحها كأنها سنوات عمري.. ولم أستطع أن أتخلص من عاداتي القديمة، إننى لا أفرق بين البشر والأماكن والزمن، لان الأماكن بلا بشر خرائب، والزمن من دون من تحب أو ترى فراغ رهيب ومن اختار الرحيل أصبح مجرد ذكرى.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية