أنت أسود؟ سأعذبك!

حجم الخط
0

لماذا يتوهم بعض أصحاب البشرة البيضاء (أو السمراء) أنهم أكثر إنسانية من أصحاب البشرة السوداء (لا أحب استعمال كلمات مثل إنسان أبيض، مخلوق أسود!).
هكذا نطالع في العديد من الصحف قصصاً مروعة عن تعذيب (البيض) لسود البشرة لمجرد أن لونهم ليس أبيض، ما الفرق بين الذين يخلقهم الله تعالى ببشرة سوداء أو بيضاء؟
وآخر ما قرأته في هذا المجال حادثة مروعة في الولايات المتحدة ملخصها: عدة رجال من الشرطة (البيض) قاموا بتعذيب رجلين من (السود).

أنت أسود لذا أكرهك

أجل!
تروي الصحف أنه حدث مؤخراً أن ستة من رجال الشرطة الأمريكيين عذبوا رجلين من السود لمجرد أن لونهما هكذا. ولن أروي للقارئ فظاعة التعذيب ومداه الحاقد، رحمة بأعصابه، ثم لعله قرأ الخبر في العديد من الصحف. لكن الإساءة في الولايات المتحدة الأمريكية حقيقية عانى منها صديق لزوجي وكانا معاً.

طالب في جامعة وسكانسن

حين كان زوجي (رحمه الله) طالباً في أمريكا في جامعة راقية، كان له صديق عراقي أسمر البشرة جداً، لكن لم يكن أسودها. وكانا يعيشان معاً لتقاسم إيجار الشقة كما يفعل الطلاب عادة. وذات يوم، توقفا على الرصيف بانتظار وصول (الباص) للذهاب إلى الجامعة حين رفض السائق أن يجلسا معاً. تصادف أن زوجي أبيض البشرة جداً، فتركه السائق يصعد، أما صديقه العراقي (الأسمر الداكن) فقد اعتبره السائق أسود البشرة وأصر على أن يجلس في قسم خاص بالسود!

مازالت روح التعصب للبيض

ومرت الأيام وألغيت هذه (القواعد) الهزلية، ولكن ضرب الشرطة الأمريكية مؤخراً وهجومهم الوحشي على رجلين من السود يدل على أن روح العداء لأصحاب اللون الأسود ما تزال تسري.
كدت أنسى أن أخبركم بنهاية صعود زوجي وصديقه العراقي إلى الباص ورفض السائق جلوسهما معاً، إذ كان على العراقي الجلوس في قسم السود في الباص. ولكن بعد تخرجه من الجامعة، كزوجي الذي عاد إلى لبنان وعاد العراقي داكن السمرة إلى وطنه، تقلد في بلده مناصب رفيعة جداً، وذهب في رحلة عمل إلى U.S.A ونظموا له استقبالاً رسمياً في مطار واشنطن قبل أن يلتقي برئيس الجمهورية! إنه نفسه ذلك الرجل الممنوع من ركوب (الباص) في قسم البيض! وكنت أعتقد أن هذا (السخف) في التمييز بين البيض والسود انتهى حتى قرأت حكاية رجال الشرطة البيض الذين عذبوا مؤخراً رجلين من السود! أما زال ذلك يحدث في عصرنا؟

التوعية هي العلاج

أظن أن العلاج من الكراهية المسبقة للسود هو تعويد الناس على احترام مواهب الناس. التلفزيونات مثلاً قد يكون من المفيد أن يكون المذيع/المذيعة لنشرة الأخبار اليومية من السود. وأن يكون الأستاذ في المدرسة أسود البشرة. وأن نرى الحبيب في الأفلام كذلك أحياناً. أي، المساواة بين أبيض البشرة وأسودها ليألف الناس ذلك. منذ أيام مثلاً، في برنامج تلفزيوني فرنسي يراه الناس كثيراً هو «لا تنسى الكلمات» يقدمه «ناجي» وأظنه من أصل عربي وهو أسمر اللون، لكن كورس البرنامج معظمه من بيض البشرة. وفي حلقة أخيرة منه، سلطت الأضواء على مطرب أسود ووجدت ذلك رائعاً وضرورياً.. ويبقى أن يقدم نشرة الأخبار في القنوات الفرنسية رجل أسود اللون أحياناً.. أي المساواة بين اللونين، فاللون لا يحدد مدى علم البشر. وإن ضرب رجال الشرطة لأسودين في أمريكا يظهر مدى حماقتهما وقلة معرفتهما بالبشر.

العنكبوت المسكين!

لأنني لا أحب أن أسبّب الغم لقارئي، أنتقل كعادتي إلى موضوع آخر..
ثمة متجر نمساوي اكتشف العاملون فيه وجود عنكبوت كبير في أحد المخازن: فأغلقوا أبواب المخزن ثلاثة أيام ريثما يتم قتل العنكبوت المسكين. يقال إن هذا العنكبوت سام ومن الأكثر فتكاً في العالم. لكن هذا العنكبوت المسكين خلقه الله هكذا، لونه أسود (لسبب ما، اللون الأسود مكروه) ولعله لا يريد تخويف أحد بل يريد الدفاع عن نفسه وسط شحنات الموز التي يحب الإقامة فيها! أشفقت على هذا العنكبوت الذي ضل طريقه إلى متجر نمساوي واقتضى قتله ثلاثة أيام شارك فيها رجال الشرطة.
حسناً، اقتلوا العناكب السود واتركوا البشر السود.

أفتقد الصحف العربية

أهو الحنين إلى الوطن العربي الذي يجعلني أفتقد في باريس الصحف العربية الصادرة في الوطن؟ حين وصلت إلى هذه المدينة الجميلة باريس، كنت أجد الصحف العربية كلها عامة، واللبنانية خاصة، في حانوت صغير لبيع الطعام اللبناني وبالذات الحلوى اللبنانية.
ونجح الحانوت وصار له كثير من الزبائن اللبنانيين والعرب وحتى الفرنسيين، فقام بتوسيع قسم الحلوى وألغى قسم بيع المجلات والصحف اللبنانية والعربية.. ما يعني أن القليل من الناس يشترونها، وسرني أن صاحب المخزن نجح مادياً، وقام بتوسيع مخزنه ثم أضاف إليه فرعاً آخر مختصاً بطبخ الطعام اللبناني/السوري وبيعه، وأعترف بأنني من زبائنه.. وشاهدت البارحة على القناة الباريسية الفرنسية في التلفزيون برنامجاً عن الطعام اللبناني/السوري، وكانت الفقرة حول الحُمص!
أرجوك، لا أبحث عن الطعام بل عن الصحف لأعرف ما يدور حقاً في لبنان، وهو يقلق. لذا، سأذهب الآن إلى أماكن بيع الصحف بلغات متعددة لشراء الصحف العربية من لبنانية وسورية وسواها من العربية.. فهل سأجدها أم أن العالم سئم من حكاياتنا ولا يريد حتى قراءتها أو بيعها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية