الرباط – «القدس العربي» نجح وزير العدل والحريات المغربي في إخراج مشروع القانون الجنائي للنور بعد أكثر من سنة من النقاش والجدل بين مختلف الجهات والأطراف المتعددة المعنية بإصلاح العدالة في المغرب وارتباط هذا الاصلاح بالحريات السياسية والفردية وتعاليم الدين الإسلامي وأمن الدولة.
المسودة الجديدة، المعروضة على موقع وزارة العدل والحريات لإبداء الرأي فيها من قبل الرأي العام، قبل الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات كل المتدخلين والمهتمين، تحدد وتحصر كل الجرائم المعاقب عليها وفق القانون، كما تحدد العقوبات بشأن كل جريمة، والتدابير الوقائية المطبقة على مرتكبيها وتقع المسودة في 288 صفحة، وتتضمن ثلاثة «كتب» ويتألف الكتاب الأول من ثلاثة أجزاء، وكل من الثاني والثالث في جزءين.
وتوقف المهتمون أمام أهم الإصلاحات التي جاء فيها المشروع والمتعلقة بالإرهاب والدين والملك والتعذيب والتحرش الجنسي وعقوبة الاعدام الا انه لم يتطرق الى موضوع الاجهاض الذي لا زال يثير جدلا بالبلاد.
وشدد مشروع القانون الجنائي الجديد العقوبات في قضايا الإرهاب ومحاولة الالتحاق بالمنظمات ذات العلاقة به، أو الترويج لها، وصنف نص القانون بالمادة 218 منه الجرائم الإرهابية في كل ما يتعلق بـ «الالتحاق أو محاولة الالتحاق بشكل فردي أو جماعي، في إطار منظم أو غير منظم، بكيانات أو تنظيمات أيا كان شكلها أو الهدف من وجودها، حتى لو كانت أفعالها لا تستهدف المغرب.» وتلقي تدريب أو تكوين خارج المغرب أو فقط محاولة ذلك، بقصد ارتكاب أحد الأفعال الإرهابية داخل المملكة أو خارجها، وسواء وقع أو لم يقع، بالإضافة إلى التجنيد بأي وسيلة من أجل الالتحاق بهكذا كيانات.
وأورد المشروع الأفعال الإرهابية في «الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص أو سلامتهم أو حرياتهم أو اختطافهم أو احتجازهم»، و «تزييف أو تزوير النقول أو سندات القرض العام»، و «تحويل الطائرات أو السفن أو أي وسيلة أخرى من وسائل النقل، أو إتلاف منشئات الملاحة الجوية أو البحرية أو البرية أو تعييب أو تخريب أو إتلاف وسائل الاتصال».
كما صنف أيضا في خانة الأفعال الإرهابية، السرقة وانتزاع الأموال، وصنع أو حيازة أو نقل أو ترويج أو استعمال الأسلحة أو المتفجرات أو الذخيرة خلافا لأحكام القانون والجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات وتزوير الشيكات وأي وسيلة أداء أخرى وتكوين عصابة أو اتفاق لأجل إعداد أو ارتكاب واحد من أفعال الإرهاب».
ويقترح المشروع عقوبة على الضلوع في هذه الأفعال، بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، تتم مضاعفتها في حالة تعلق الأمر باستهداف قاصر، وإذا تم استغلال الإشراف على المدارس أو المعاهد أو مراكز التربية أو التكوين كيفما كان نوعها، لهذه الأغراض وما كان الشخص الفاعل «اعتباريا»، فإن القانون يعاقبه بغرامة من مليون إلى عشرة ملايين درهم.
وفيما يتعلق بالتعذيب، أقترح مشروع القانون عقوبة حبسية من 5 إلى 15 سنة، وغرامة من 20 ألفا إلى 200 ألف درهم، في حق كل موظف عمومي مارس التعذيب أو حرض أو وافق أو سكت عن ممارسته على شخص، لتخويفه أو إرغامه أو إرغام شخص آخر على الإدلاء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف أو لمعاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص آخر.
ووضع القانون تحت لافتة التعذيب، كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدي أو نفسي، يرتكب لأي سبب في حق شخص أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه ولم يتم حصر تجريم التعذيب على الموظفين العموميين فقط، بل تعداه ليشمل أيضا، عقوبة سجنية من عشر إلى عشرين سنة وغرامة من عشرين إلى خمسين ألف درهم، كل من ارتكب التعذيب «من طرف مجموعة من الأشخاص بصفتهم فاعلين أو مشاركين»، أو قام به «مع سبق الإصرار أو باستعمال السلاح أو التهديد به»، أو مارسه ضد قاض أو عون من أعوان القوة العمومية أو موظف عمومي أثناء ممارسته لمهامه أو بمناسبة ممارسته لها، وأيضا ضد شاهد أو ضحية أو طرف مدني بسبب إدلائه بتصريح أو لتقديمه شكاية.
واقترح مشروع القانون، عقوبة سجنية تتراوح ما بين 20 إلى 30 سنة لكل من مارس التعذيب ضد قاصر، أو شخص يعاني وضعية صعبة أو امرأة حامل إذا كان حملها بينا أو معروفا لدى الفاعل، وإن كان مسبوقا أو مرفوقا أو متبوعا باعتداء جنسي أما إن نتج عن هذا التعذيب فقد عضو أو بتره أو أي عاهة مستديمة، أو موت دون نية إحداثه، فإن العقوبة في هذه الحالة تتراوح بالسجن بالمدة السابقة نفسها مع غرامة من 20 إلى 200 آلف درهم.
واعتبر القانون أن الاختفاء القسري، هو «كل اعتقال أو احتجاز أو اختطاف أو أي شكل من الأشكال السالبة للحرية، يرتكبه موظفون عموميون أو أشخاص يتصرفون بموافقة الدولة أو بإذنها أو بدعم منها، ويتبعه رفض الاعتراف بحرمان الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من الحماية التي يكفلها القانون له» ويعاقب المتورطون في الجرائم التي لها علاقة بالاختفاء القسري، بالسجن من عشر إلى عشرين سنة، وغرامة من 10 إلى 100 ألف درهم.
وأبقى المشروع على عقوبة الإعدام بالرغم من الأصوات المنادية بالتراجع عن هذه العقوبة رغم تقليصه لعدد الجرائم الموجبة لعقوبة الإعدام من 36 جريمة إلى 10 جرائم، تم حصرها أساسا في الاعتداء على شخص الملك وأفراد أسرته، وبعض حالات الإرهاب.
ونصت مسودة مشروع القانون على أن «الاعتداء على حياة الملك أو شخصه يعاقب بالإعدام، ولا تطبق أبدا الأعذار القانونية»، وأن هذه العقوبة تطال كل «اعتداء على حياة ولي العهد أو أحد أفراد الأسرة الملكية» وكل مرتكب لجناية الخيانة، في وقت الحرب أو السلم، وكل من حمل السلاح ضد المغرب، أو باشر اتصالات مع سلطة أجنبية بقصد حملها على القيام بعدوان ضد المغرب».
ويدخل ضمن الخيانة، حسب مشروع القانون الجديد، كل من زود سلطات أجنبية، بمعلومات أو سهل دخولها إما بزعزعة إخلاص القوات المسلحة أو بأي وسيلة أخرى، بالإضافة إلى تسليم سلطات أجنبية أو عملائها قوات مغربية، وكذلك كل من أفسد عمدا آليات للدفاع الوطني».
وأفاد تقرير منظمة العفو الدولية، أن عدد أحكام الاعدام المنفذة في العالم لسنة 2014، أن المغرب لم يطبق عقوبة الاعدام خلال منذ 1993 الا أن المحاكم المغربية أصدرت تسعة أحكام بالإعدام خلال العام الماضي دون تنفيذها.
أما بخصوص حرية المعتقد، فلم يحمل مشروع القانون إباحة أو منعا صريحين لتغيير الديانة، إذ اكتفى بإضافة مادة تتحدث عن ازدراء الأديان، محددا لها عقوبة تتراوح ما بين 20 ألف و200 ألف درهم، فيما توعد مستعملي الإغراءات لـ «زعزعة» عقيدة مسلم أو تحويله لديانة أخرى بتغريمهم أموالا تتراوح ما بين ألفين وعشرين ألف درهم.
ويقترح المشروع «الحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة مالية تتراوح بين 20 ألفا و200 ألف درهم كل من قام عمدا بالسب، أو القذف، أو الاستهزاء، أو الإساءة إلى الله، أو الأنبياء والرسل»، مانعة استعمال جميع الوسائل في هذه الغاية وربط الإساءة لله ورسله بالخطب، أو الصياح، أو التهديدات المفوه بها في الأماكن الاجتماعية العمومية والمكتوبات أو المطبوعات أو بواسطة مختلف وسائل الاتصال، سواء كان ذلك بالقول أو الكتابة أو الرسم التعبيري أو الكاريكاتوري أو التصوير أو الغناء أو التمثيل».
ويقترح «الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة بين 20 ألفا إلى 200 ألف درهم لكل من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو حضورها أو على منعه منها، كما يعاقب بذات العقوبة كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى» وحذر من «استغلال الضعف أو الحاجة إلى المساعدة للقيام بالتنصير أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة، مؤكدة أنه «يجوز إغلاق المؤسسات التي استعملت لهذا الغرض نهائيا أو لمدة تزيد عن ثلاث سنوات.
وشدد مشروع القانون العقوبة على المجاهرين بالإفطار في رمضان بدون عذر، من المعروف إسلامهم، إذ توعد مقترفي هذه «الجريمة» بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر، وغرامة من ألفين إلى 10 آلاف درهم، أو إحدى العقوبتين.
ويجرم مشروع القانون التحرش الجنسي واعتبر انه يعد مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي «كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية، أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، أو كل من وجه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية».
وينص على معاقبة كل مرتكب لهذه الأفعال بالسجن من شهر واحد إلى ستة أشهر، وغرامة من ألفين إلى 10 آلاف درهم، في حين تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها. ويعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50 آلاف درهم، إذا ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول أو المحارم أو من له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلفا برعايتها أو كافلا لها، وإذا كان الضحية قاصرا دون الثامنة عشر من عمره.
وحافظت المسودة الجديدة على معاقبة «وكالين» رمضان، «بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وبالغرامة، بالتأكيد على «كل من عرف عنه اعتناقه للإسلام وتجاهر بالإفطار في يوم رمضان في مكان عمومي دون عذر شرعي».
محمود معروف
ونصت مسودة مشروع القانون على أن «الاعتداء على حياة الملك أو شخصه يعاقب بالإعدام، ولا تطبق أبدا الأعذار القانونية»
ويقترح المشروع «الحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة مالية تتراوح بين 20 ألفا و200 ألف درهم كل من قام عمدا بالسب، أو القذف، أو الاستهزاء، أو الإساءة إلى الله، أو الأنبياء والرسل»،