اليهود الشرقيون وعقدة المؤسسين الأوائل لدولة الاحتلال

رغم مرور أكثر من خمسة وسبعين عاماً على إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تزال عقدة المؤسسين الأوائل تلاحق اليهود السفارديم من أصول شرقية افريقية وآسيوية رغم أنهم يشكلون نسبة كبيرة من إجمالي سكان إسرائيل اليهود البالغ نحو سبعة ملايين ومئتي ألف، حيث تصل نسبتهم إلى 36 في المئة في وقت يشهد فيه الكيان ظواهر خطيرة على التجمع الاستيطاني الصهيوني وفي مقدمتها ظاهرة التمييز العنصري ضد اليهود الشرقيين التي لم ترق إلى مستوى التمييز العنصري المفروض على فلسطيني الداخل.

تمييز عنصري

يلحظ المتابع للمشهد الاسرائيلي وجود تمييز عنصري ضد اليهود الشرقيين ومرد ذلك يكمن في أن مراكز القوى، سواء في المؤسسة العسكرية أو النظام السياسي بأطيافه المختلفة، تمت السيطرة عليها وتسييرها من قبل اليهود الأشكناز، أي اليهود الغربيين من أصول أمريكية وأوروبية، على اعتبار أنهم ركيزة وبناة الدولة اليهودية الأوائل.
ويمكن تقسيم اليهود في العالم إلى ثلاثة أقسام حسب خلفياتهم الإثنية والعرقية، ووفق الدراسات المختلفة يمكن تقسيمهم كالتالي: يهود السفارديم: وهم أساساً يهود إسبانيا والبرتغال الذين يتحدثون لغة “اللادينو” وحينما طردوا من هناك، إثر سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس، اتجهوا إلى الدولة العثمانية واليونان وشمال افريقيا. وللسفارديم طريقتهم الخاصة في الصلاة والطقوس الدينية، إضافة إلى يهود الشرق والعالم الإسلامي: وهؤلاء يختلفون عن السفارديم بخلفياتهم الثقافية والتاريخية، لكنهم عادة ما يشار إليهم خطأ بأنهم يهود سفارديم . ويعود السبب إلى أن كثيراً منهم يتبعون النهج السفاردي في العبادة، ولعل هناك سبباً آخر هو أن كثيراً من يهود السفارديم هاجروا إلى العالم الإسلامي، وتطبعوا بأجوائه، واختلطوا بغيرهم من اليهود. ومن أهم فئات يهود العالم الإسلامي والشرق يهود البلاد العربية أو اليهود المستعربة، كيهود العراق واليمن الذين كانت لهم مجتمعاتهم القديمة هناك، فضلاً عن اليهود الأشكناز وهؤلاء أساساً هم يهود شرق أوروبا وروسيا، الذين يتحدثون اليديشية ولهم طريقتهم المميزة في العبادة والأزياء وقص الشعر. ومنهم ظهرت جميع الحركات اليهودية التي كانت نواة للحركة الصهيونية. وهذه الفئة من اليهود تسيطر سياسياً واقتصادياً على المؤسسات الإسرائيلية المختلفة.

دراسات متعددة

وتشير دراسات متعددة إلى أن مجموع اليهود الأشكناز في العالم يصل إلى 11 مليوناً يمثلون 83.33٪، أما مجموع اليهود السفارديم فيقدرون بـنحو (700) ألف يهودي يشكلون 5.3٪، حيت يصل مجموع يهود العالم الإسلامي والشرق إلى مليون ونصف المليون يهودي، ويمثلون 11.39٪ من مجموع اليهود في العالم والبالغ (13.2) مليون خلال العام الجاري 2023.
تؤكد الدراسات الإسرائيلية أن نسبة الحاصلين على شهادة الثانوية العامة بين الطلاب من أصول شرقية تصل إلى 51 في المئة، وتعد هذه النسبة أقل بـ22 في المئة من نسبة الطلاب اليهود من أصول غربية والبالغة نحو 73في المئة. والفجوة بين الطلاب الذكور من المجموعتين وصلت إلى 25 في المئة، مقارنة بنسبة 17 في المئة لدى الإناث.
وتشير النتائج إلى أن معدل الحاصلين على شهادة الثانوية في كل مجموعة يرتفع كلما ارتفع عدد السنوات التي أقام فيها الشخص في دولة الاحتلال لكن الفجوة بين الطلاب تتسع ولا تتقلص.
ويظهر من النتائج أن الطلاب الذين ولد آباؤهم في إسرائيل موجودون في أعلى قائمة الحاصلين على شهادة الثانوية. وتبلغ نسبتهم 80 في المئة. في مقابل ذلك لا تتعدى نسبة الحاصلين على شهادة الثانوية بين الشباب اليهود الشرقيين الذين ولدوا خارج إسرائيل 46 في المئة. وتصل النسبة لدى الشباب الذين يعتبرون الجيل الأول في إسرائيل 49 في المئة بينما تصل النسبة بين الشباب الذين ولد آباؤهم في إسرائيل إلى 56 في المئة.
وأكدت دراسات قسم العدل الاجتماعي والديمقراطية في معهد البحوث “فان ـ لير” أن تلك الظواهر السابقة مقلقة وخطرة، ومن المحتمل أن تسوء أكثر إذا لم يجر تغيير في سياسة توزيع المصادر. ووفق التوصيات، يجب اتباع سياسة تمييز تصحيحية والاستثمار في برامج تعوض عن المستوى التعليمي لدى الوالدين.
وتشير المعطيات أيضاً إلى أن الوضع الاقتصادي يشكل عاملاً إضافياً، يمنع الطلاب اليهود من أصول شرقية من التحصيل التعليمي مقارنة مع الطلاب من أصول غربية. إضافة إلى التمييز في مجال التعليم يعاني اليهود السفارديم من تمييز آخر حيث من الصعوبة أن يكون صاحب القرار في المؤسسة التنفيذية، أي رئيس الوزراء من أصول شرقية، لكن رغم ذلك ثمة مؤشرات على صعود متدرج لنجم اليهود الشرقيين في مؤسسات وأحزاب مختلفة في دولة الاحتلال. فقبل عدة سنوات تبوأ منصب رئيس الأركان الجنرال شاؤول موفاز وهو يهودي من أصل إيراني، وكذلك موشيه كاتساب رئيس الدولة الأسبق. لكن اللافت أنه وبعد مرور أكثر من 75 عاماً على قيام دولة الاحتلال مازال اليهود الغربيون الأشكناز يتحكمون بمفاصل الحياة بكونهم مؤسسي الدولة الأوائل، وقبل ذلك بكونهم صانعي الافكار في الغرب لإنشاء ودعم الكيان الصهيوني

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية