الجزائر- “القدس العربي”:
خيّم قرار القضاء السويسري بمحاكمة وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار، على أجواء اللقاء الذي جمع الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والسويسري آلان بيرسيه في نيويورك قبل انطلاق أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتناول بيان الرئاسة الجزائرية باقتضاب هذا اللقاء دون الخوض في تفاصيله. وأشار فقط إلى أن المحادثات جرت في مقر إقامة الرئيس الجزائري، بحضور وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج أحمد عطاف والمندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع.
ولا تخفي السلطات الجزائرية العليا انزعاجها الشديد من قرار القضاء السويسري إحالة الجنرال نزار للمحاكمة والذي كان سنوات التسعينات أحد أهم أركان النظام السياسي في الجزائري، حيث وصل الأمر لغاية التهديد بمراجعة العلاقات الجزائرية السويسرية التي كانت على مرّ التاريخ هادئة، ولم تعكرها في السنوات الأخيرة سوى هذه القضية.
وكان وزير الخارجية أحمد عطاف قد أبدى احتجاجه بشدة في مكالمة هاتفية مع نظيره السويسري، معتبرا أنه “من غير المقبول أن تعطي العدالة السويسرية لنفسها الحق في إصدار الأحكام حول الخيارات السياسية لدولة مستقلة وذات سيادة في مسائل الأمن الوطني”.
وأشار إلى أن “هذه القضية بلغت حدودا غير مقبولة ولا يمكن التسامح معها، وأن الحكومة الجزائرية عازمة كل العزم على استخلاص كل النتائج، بما فيها تلك التي هي أبعد من أن تكون مرغوبة في مستقبل العلاقات الجزائرية السويسرية“.
وذهب وزير الخارجية إلى حد القول إن هناك قناعة لدى السلطات الجزائرية تعززت بمرور الوقت، بأن العدالة السويسرية قدمت باستخفاف شديد، منبرا للإرهابيين وحلفائهم ومؤيديهم بغية محاولة تشويه سمعة الكفاح المشرف الذي خاضته بلادنا ضد الإرهاب، وتلطيخ صورة وذكرى أولئك الذين سقطوا في مجابهته”.
أما الجنرال نزار الذي يواجه متاعب صحية بسبب كبر السن، فالتزم على غير عادته الصمت هذه المرة، مكتفيا ببيان صغير نفى فيه ما أوردته صحف جزائرية حول لقائه مع السفير السعودي. وقال بالمناسبة إنه يغتنم الفرصة ليحيي تصريح وزير الخارجية عقب ما وصفها بـ”الانتهاكات التي ارتكبتها المحكمة الجنائية السويسرية في التحقيق معي”.
وترك الجنرال المتقاعد المجال لمحاميه ليتولوا الدفاع عنه، حيث أصدروا بيانا يعتبرون فيه قرار القضاء السويسري خاضعا لسياقات سياسية، كون الذين يتهمون نزار حسبهم لا يخفون توجهاتهم الإسلامية بينما أظهر وزير الدفاع السابق رفضه دائما للمشروع الإسلامي المتطرف، وفق محاميه.
وذكر المحامون أن نزار يعترض بشدة على اتهامه بارتكاب جرائم أو الأمر بها أو التخطيط لها أو تقديم المساعدة أو حتى التسامح مع أفعال يمكن تصنيفها على أنها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وأكد أن اللواء خالد نزار قد عارض دائما، على وجه الخصوص، التعذيب الذي لم يتردد في إدانته علنًا في التسعينيات، وفق البيان.
وفي الجزائر، تفاعلت هذه القضية سياسيا، بتدخل أطراف كانت تاريخيا على خصومة شديدة مع نزار لتقف معه هذه المرة. وكان من أبرز هؤلاء القيادي في جبهة القوى الاشتراكية سمير بوعكوير الذي طالب في بيان له بإبداء موقف حازم من استهداف المؤسسة العسكرية عبر قضية الجنرال خالد نزار الذي قرر القضاء السويسري محاكمته.
وأوضح بوعكوير في تدوينة له على فيسبوك، أنه “مهما كانت الأخطاء السياسية التي ارتكبها بعض كبار المسؤولين العسكريين في الماضي القريب، والتي أسفرت في بعض الأحيان عن عواقب وخيمة، فإن هذا يجب أن يظل شأناً جزائرياً جزائرياً حصرياً”. وذكر أن “أولئك الذين يحاولون من خلال الانتهازية استغلال هذا الوضع لتصفية حسابات داخلية أو أولئك الذين يسترشدون بمشاعر انتقامية لأنهم حرموا من “النصر الانتخابي”، يصبحون شركاء أو حتى عملاء في حملات ماكرة لزعزعة استقرار البلاد”.
وأثارت هذه التدوينة جدلا واسعا كون جبهة القوى الاشتراكية، كان زعيمها الراحل حسين آيت أحمد من أبرز معارضي سياسة الجنرال نزار بعد وقف الانتخابات التشريعية سنة 1992 التي كان الإسلاميون بقيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ يتأهبون للفوز بها.
وردّت جمعية مفقودي سنوات التسعينات (الأزمة الأمنية)، ببيان على كلام بوعكوير معتبرة أنه يتنصل من إرث مؤسس الحزب الراحل حسين آيت أحمد الذي خاطب نزار حسبها بالقول إن “بيننا وبينك نهراً من الدماء”. وقالت الجمعية إنها تؤيد قرار محاكمة نزار في سويسرا، لأن هناك ولاية قضائية عالمية لما يتعلق الأمر بشبهة جرائم ضد الإنسانية، على حد قولها.
وكان مكتب المدعي العام السويسري قد أصدر قبل أسبوعين لائحة اتهام بحق وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة الأزمة الأمنية التي أعقبت توقيف المسار الانتخابي في البلاد سنة 1992.
ويشتبه حسب النيابة العامة السويسرية أن نزار “وافق ونسق وشجع” على التعذيب وغيره من الأعمال “القاسية واللاإنسانية والمهينة”، إضافة إلى عمليات “إعدام خارج نطاق القضاء”، حيث سيحاكم غيابيا بجرائم ارتكبت بين عامي 1992 و1994، عن 11 حالة تقول النيابة إنها وثقتها.