جنبن-أريحا- “القدس العربي”:
خيمت أجواء الحزن والحداد على مدينة ومخيم جنين بعد أسابيع من الهدوء الحذر الذي عاشته المدينة ومخيمها الذي ما زال ينتظر استكمال إعماره من الاقتحام الكبير الذي نفذته قوات الاحتلال قبل نحو شهرين ونصف، وراح ضحيته 12 شهيدا.
واقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين، مساء أمس، ودارت اشتباكات مسلحة عنيفة أسفرت عن سقوط أربعة شهداء من مجموعات المقاومة، فيما أصيب 30 على الأقل، بينهم إصابات خطيرة، خلال اقتحام أحياء في مخيم جنين، في محاولة لاعتقال مطلوب من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح.
وكانت قوات كبيرة من جيش الاحتلال قد اقتحمت المخيم وحاصرت منزلين، وقصفتهما بعدة صواريخ، ومنعت مركبات الإسعاف والطواقم الطبية من الوصول إلى المصابين. فيما شهدت مدينة جنين ومخيمها مواجهات عنيفة بين الشبان وقوات الاحتلال.
وأعلنت مصادر طبية بداية عن سقوط 3 شهداء، وفي وقت لاحق أعلنت وزارة الصحة عن استشهاد الشاب عطا ياسر عطا موسى (29 عاما) من قرية مركة جنوب جنين، متأثرا بإصابته برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي ليكون الشهيد الرابع خلال ساعات.
والشهداء الثلاثة هم: محمود علي نافع السعدي (23 عاما)، ومحمود خالد عرعراوي (24 عاما)، ورأفت عمر خمايسة (22 عاما) حيث نعتهم مجموعات المقاومة في مخيم جنين.
وشيع آلاف المواطنين جثامين الشهداء الأربعة من مستشفى الشهيد سليمان خليل الحكومي، حيث سارت الجنازة وسط المدينة التي أغلقت أبوابها حدادا على أرواح الشهداء.
وهتفت الجماهير شعارات “يا الله يا كريم تحمي كتيبة جنين”، خلال تشييع الشهداء، وهو أمر جاء في ظل مزيد من التوتر بين أجهزة أمنية فلسطينية ومقاتلين من المجموعات المسلحة في المخيم.
واستهدفت قوات الاحتلال بطائراتها المسيرة برجا للكهرباء وسط المخيم، ما أدى إلى فصل التيار الكهربائي عن المخيم وأجزاء من مدينة جنين.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت خلال عدوانها على مخيم جنين، الشاب أحمد عبد الكريم منصور، والمسن المريض حسين أحمد زيدان (65) قبل أن تفرج عنه لاحقا، حيث أصيب بذبحة صدرية.
وأفادت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بأن طواقمها تسلمت المسن زيدان من حاجز الجلمة العسكري، ونقلته إلى مستشفى ابن سينا في جنين.
كما أفرجت قوات الاحتلال في وقت لاحق عن الشاب منصور.
وعاشت المدينة حالة من الحداد العام والإضراب الشامل حدادا على أرواح الشهداء ورفضا لعدوان الاحتلال الغاشم، فيما دعت مجموعات المقاومة إلى مزيد من التصعيد.
ونعت حركة “فتح”-إقليم جنين، الشهداء، الذين ارتقوا برصاص الاحتلال على أرض جنين ومخيمها، مؤكدةً أن إرادة الشعب الفلسطيني أقوى من غطرسة الاحتلال.
ووصفت كتيبة جنين ما حدث في المخيم بـ”الملحمة البطولية التي سطرها مجاهدونا الأبطال في سرايا القدس – كتيبة جنين وجميع فصائل المقاومة”.
وجاء في البيان: “نتحدى العدو الصهيوني بالكشف عما حدث مع قواته الخاصة وآلياته التي وقعت في كمائننا المحكمة وما هي خسائره وأضراره”.
وجاء في البيان، نستنكر ما قامت به أجهزة أمن السلطة من استهداف عدد من المجاهدين الذين كانوا يكمنون لآليات الاحتلال المنسحبة ما أدى إلى إصابة أحدهم والاستيلاء على (مخازن الرصاص) الخاصة بسلاحه، بحسب نص البيان.
وشدد على تمكن المقاتلين من التعامل مع تعزيزات الاحتلال التي وصلت لفك حصار القوة الخاصة التي وقعت بحقل كثيف من النيران في محيط أحد المنازل المحاصرة، حيث وخاض مقاتلو الكتيبة برفقة كتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام اشتباكات عنيفة مع قوات وآليات الاحتلال على عدة محاور.
كما تمكن المقاومون من تفجير عبوة ناسفة “تامر” شديدة الانفجار في آلية عسكرية على دوار الأحمدين بشكل مباشر ما أدى إلى إعطاب الآلية، كما فجر مجاهدونا عبوة (تامر) على شارع العنبر في آلية عسكرية وأصابتها بشكل مباشر ما أدى إلى إعطابها وإلحاق الضرر بها.
وبحسب بيان جيش الاحتلال، فإن الشاباك وحرس الحدود عملا داخل مخيم جنين، حيث اندلعت اشتباكات ليتم استخدام مسيرة درون من نوع “معوز”.
وأضاف البيان: “اندلعت اشتباكات مسلحة خلال عملية مشتركة لأفراد وحدة دوفدفان، جولاني وحرس الحدود لاعتقال مطلوبين”.
وأكد أنه خلال خروج القوات من مخيم جنين، أصيبت مركبة عسكرية بأضرار بعد انفجار عبوة ناسفة من دون وقوع إصابات.
وفي سياق الرد على بيان كتيبة جنين، رد مساعد محافظ جنين منصور السعدي على ذلك، خلال حديثه مع وسائل إعلام محلية، بأن “الاحتلال يحاول زج قوى الأمن الفلسطيني بالمواجهة مع الاحتلال، وهذا لا يجوز بهدف المحافظة على الحالة الداخلية في الوطن”.
وشدد أنه “ولا قيود على المقاومة الفلسطينية وحركة فتح على رأس هذه القوى”، وأسهب “ولا يجب الحديث عن الإستراتيجية الوطنية بشكل واضح ومكشوف أمام القوى الدولية”.
وفي سياق موازٍ، شيع أبناء شعبنا في محافظة أريحا والأغوار، جثمان الشهيد ضرغام الأخرس (19 عاما) من سكان مخيم عقبة جبر جنوبي أريحا، الذي أصيب برصاص قناص إسرائيلي.
وانطلق موكب تشييع الشهيد الأخرس من مستشفى أريحا الحكومي باتجاه منزل عائلته في مخيم عقبة جبر لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، ومنه إلى مسجد المخيم ثم إلى المقبرة للصلاة عليه ومواراته الثرى.
ونعت مساجد مخيم عقبة جبر الشهيد الأخرس، كما أعلنت القوى الوطنية في عقبة جبر الإضراب الشامل بمناحي الحياة كافة في المخيم.
وكانت قوات الاحتلال “قوات خاصة”، قد اقتحمت مخيم عقبة جبر لتنفيذ اعتقالات، حيث اندلعت مواجهات مع المواطنين، ما أدى إلى إصابة واحدة على الأقل بالرصاص الحي وإصابات بحالات اختناق.
ومع الشهيد الأخرس ترتفع حصيلة شهداء محافظة أريحا والأغوار منذ بداية العام الجاري إلى 13 شهيدا.
إدانة
وفي السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن العدوان الإسرائيلي المستمر ضد الشعب الفلسطيني في غزة وجنين وغيرها من المدن الفلسطينية، سيجلب العنف والتصعيد إلى المنطقة بأسرها.
وقال: “على الإدارة الأمريكية أن تعي جيدا أن المنطقة على وشك الانفجار، جراء التمادي الإسرائيلي في القتل والتدمير وسرقة الأرض، وعلى الإدارة الأمريكية أن تتدخل فورا لوقف هذا الجنون الإسرائيلي، قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة الانفجار الذي سيدفع الجميع ثمنه”.
واعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتصاعدة، بمثابة رد إسرائيلي رسمي على الدعوات لإحياء عملية السلام في المنطقة.
وأدانت الخارجية في بيان صحافي، جرائم الاحتلال في مخيم جنين، وغزة، وعقبة جبر بأريحا، مؤكدة أن الاحتلال يتعمد تحويل الأرض الفلسطينية إلى ما يشبه ساحة حرب، في الوقت الذي تُحمّل فيه الفلسطينيين المسؤولية عن التصعيد لإخفاء حجم الانتهاكات التي تُرتكب يومياً ضد أبناء شعبنا.
وحذّر رئيس الوزراء محمد اشتية، من التداعيات الخطيرة لجرائم الاحتلال في جنين وقطاع غزة، مطالبا الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية بالتدخل لتقديم الجناة إلى العدالة.
وتشير المعطيات إلى سقوط 6 شهداء في أقل من 24 ساعة، وهو ما يرفع عدد الشهداء إلى 250 شهيد، من بداية العام في عموم الأراضي الفلسطينية، منهم 75 شهيدا في محافظة جنين.
على أبواب تصعيد أمني
وبحسب المحلل في الشأن الإسرائيلي محمد علان دراغمة، فإنه وعلى خلفية التوتر القائم على حدود قطاع غزة بعد تجدد المسيرات الشعبية، واستمرار حالة التصعيد الأمني في الضفة الغربية، فإن المنطقة على أبواب تصعيد أمني جدي.
وقال محلل الشؤون العسكرية في صحيفة معاريف العبرية تا ليف رام، إنه وبعد عودة القصف الجوي الإسرائيلي الليلة الماضية في مخيم جنين، وحالة التوتر على حدود قطاع غزة، قاموا في الجنوب وفي الضفة الغربية على صباح متوتر.
وأضاف: “في المقابل، الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمال إطلاق صواريخ من قطاع غزة، على الرغم من تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن حماس معنية بتوتير الحدود مع إسرائيل، لكن غير معنية بمواجهة واسعة تضر في عملية إعادة إعمار قطاع غزة، وتضر في عملية بناء قدراتها العسكرية، وفي ظل حالة التوتر الأمني، عادت حماس لتكون في مركز اهتمام المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. هذا، إلى جانب استمرار حالة التوتر الأمني في الضفة الغربية”.
وعن الضفة الغربية تحدث تا ليف رام عن اقتحام مخيم جنين، حيث قال: “في جنين أمس وصلت معلومات إلى جهاز الشاباك عن مطلوبين من كتائب شهداء الأقصى، الفلسطينيون أعلنوا عن شهداء، وهذا ما يحصل في العادة عند دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى المخيم، ولو تعقدت الأمور أكثر لتحول المشهد كثيرا، نحن لا نعلم لماذا دخلوا، ولماذا أمس، وهل كانت هناك ظروف ملائمة لنشاط عملياتي، لا يوجد أحد يقول للجيش وجهاز الشاباك ادخلوا إلى جنين، اعتقد أن التحذير كان جدياً”.