بعد تصاعد القتال بين مالي و”الطوارق”.. ما مصير اتفاق الجزائر؟

حجم الخط
0

إسطنبول: يواجه اتفاق الجزائر بين السلطات المالية والحركات المسلحة لقبائل الطوارق، أصعب امتحان له منذ توقيعه في عام 2015، بعد المواجهات المسلحة التي شهدها إقليم أزواد (شمال).

ويسعى الجيش المالي لبسط سيطرته على المنطقة عقب شروع القوات الأممية في الانسحاب من المنطقة إلى غاية نهاية العام الجاري.
فمنذ أغسطس/ آب الماضي، اندلعت عدة معارك واشتباكات بين تنسيقية حركات أزواد (سيما) وبين الجيش المالي، المدعوم بعناصر من شركة فاغنر الروسية، ما دفع ممثلي تنسيقية حركات أزواد في باماكو، لمغادرة العاصمة المالية بناء على تعليمات قادتهم، وإعلان التعبئة في صفوف مقاتلي تنسيقية الأزواد، ما يعد مؤشرا على بداية انهيار اتفاق السلام.
ويتبادل الطرفان مسؤولية بدء العمليات القتالية، التي توقفت رسميا منذ التوقيع على اتفاق الجزائر في 2015، بعد اشتعالها في 2012، إثر إعلان الحركات الأزوادية الاستقلال والانفصال عن مالي، بعد مشاركتها في معارك ضد الجيش الحكومي.
وتتهم تنسيقية حركات أزواد، قوات المجلس العسكري في باماكو وعناصر فاغنر بقصف مواقعها بالطائرات الحربية، ومهاجمة وحداتها.
غير أن باماكو، جددت تمسكها باتفاق الجزائر، في الخطاب الذي ألقاه وزير خارجيتها عبد الله ديوب، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في 23 سبتمبر.
وقال ديوب: “نحن سعداء بالتقدم الذي تم إحرازه بالفعل منذ توقيع الاتفاق في 2015، بما في ذلك اعتماد الدستور الجديد الذي يأخذ في الاعتبار العديد من أحكام الاتفاق، وقررت الحكومة تفضيل الحوار بين الأطراف المالية من أجل استمرار العملية الانتقالية. عملية السلام مع المجموعات الموقعة”.
ونظم المجلس العسكري في 18 يونيو/ حزيران الماضي، استفتاء على دستور جديد، وتم اعتماده بأكثر من 96.91 بالمئة، لكن نسبة المشاركة لم تتجاوز 38.23 بالمئة، حيث شهد مقاطعة واسعة، وطالبت المعارضة بإلغاء نتائجه لأنه لم يجر في كامل البلاد وخاصة منطقة كيدال (شمال) معقل حركات الأزواد.

غارات جوية واشتباكات

اتخذ الجيش المالي من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها سفينة “تمبكتو” في نهر النيجر وقتل فيها العشرات، وهجمات على المعسكرات في بلدات بامبا وغاو وبوريم، في الفترة من 7 إلى 12 سبتمبر، ذريعة لبدء عملية عسكرية في الشمال ما أدى إلى اصطدامها مع حركات الأزواد الموقعة على اتفاق السلام.
واتهمت الحكومة المالية حركات الأزواد بالتواطؤ مع الجماعات الإرهابية، وشددت على رغبتها في بسط سلطتها على كامل البلاد بما فيها المناطق التي تنسحب منها القوات الأممية في الشمال، وفي الوقت نفسه، اعتبرت أن ذلك لا “يشكل بأي حال من الأحوال عملا عدائيا من جانب الدولة المالية تجاه الحركات الموقعة”.
غير أن حركات الأزواد، التي غيرت اسمها إلى “الجيش الوطني للأزواد”، اعتبرت أنها في “زمن حرب” مع المجلس العسكري في باماكو، ودعت في بيان، سكان أزواد إلى “التوجه للميدان للمساهمة في الجهد الحربي”.
وأدى هذا الوضع إلى وقوع عدة اشتباكات بين الطرفين. ففي 17 سبتمبر، هاجم مسلحون من حركات الأزواد، التي يغلب عليها عنصر الطوارق، ثكنة في بلدة ليري بالقرب من الحدود الموريتانية.
وأعلن المسلحون إسقاطهم طائرة للجيش المالي، قالوا إنها قصفت مواقعهم، بينما أعلن الجيش تصديه للهجوم، واعترف بسقوط إحدى طائراته لكنه لم يتحدث عن إسقاطها بنيران مسلحي الأزواد.
وفي منطقة بير (شمال)، اتهمت تنسيقية حركات أزواد الجيش المالي بالهجوم على قواتها، بينما رد الجيش المالي بتأكيد مقتل 6 من جنوده وجرح 4 في هجوم شنته جماعات متشددة، أسفر عن مقتل 24 من المهاجمين.
وفي 21 سبتمبر، حملت تنسيقية حركات أزواد، الجيش المالي وفاغنر مسؤولية مقتل 12 مسافرا من الطوارق والعرب والفولان، في 14 سبتمبر الجاري، خلال توجههم عبر الحافلة نحو مدينة غاو (شمال)، وهو ما لم يؤكده الجيش المالي، الذي عادة ما ينفي مثل هذه الأفعال.

وتبلغ مساحة إقليم أزواد نحو 820 ألف كلم مربع، أو ما يعادل ثلثي مساحة مالي البالغة 1.24 مليون كلم مربع، غير أن الإقليم لا يقطنه سوى نحو 1.3 مليون نسمة وفقا لآخر تعداد جرى في 2009، غالبيتهم من الطوارق والعرب، يمثلون نحو 8.7 بالمئة من سكان البلاد.
ويفصل أزواد عن بقية الأراضي المالية الأكثر خصوبة، نهر النيجر، الذي يعد الفاصل الطبيعي بين منطقتين مختلفتين في كثير من الجوانب الثقافية والعرقية واللغوية وإن كان جميعهم يدينون بالإسلام.
ومنذ استقلال مالي عن فرنسا عام 1960، شهدت المنطقة أربعة تمردات سعيا للانفصال عن باماكو، أولها في 1963، كما رعت الجزائر 3 اتفاقات للسلام أعوام 1992 و2006 وأخيرا 2015.

الوحدة مقابل الإدماج

يتمثل الهدف الرئيسي لاتفاق الجزائر في منع انفصال إقليم أزواد عن مالي، وبالمقابل يسعى لضمان تكفل باماكو بتنمية الإقليم المهمش، وإدماج مسلحيه في قوات الأمن والجيش، وأيضا في المناصب المدنية.
وبعد تمرد 2012، سعت الجزائر لجمع الفرقاء الماليين في حوارات بدأت في 2013 وانتهت بتوقيع اتفاق السلام، الذي لم يُرض كثيرا قادة الجيش، خاصة وأنه جاء بعد تعرضهم لسلسلة هزائم عسكرية في 2014.
كما أن الاتفاق لم يلب طموحات الطوارق في الاستقلال والانفصال عن باماكو، والذي لا تدعمه الجزائر باعتباره يعد خرقا لمبدأ “الحدود الموروثة عن الاستعمار”، الذي تبناه الآباء المؤسسون لمنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) عام 1963.
كما أن تنفيذ الاتفاق اعتراه بعض التعثر، لاختلاف الطرفين في قراءة مضمونه، خاصة مع الرغبة في تفكيك الحركات المسلحة وإعادة دمج عناصرها في قوات الأمن والجيش، أو تسريحهم ودمجهم في الحياة المدنية، وأن يكون لهم تمثيل في المناصب القيادية.
وأدى الانقلاب العسكري في 2020، إلى تعقيد الوضع أكثر، وهددت تنسيقية الأزواد بالانسحاب من اتفاق السلام نظرا لعدم تنفيذ باماكو لبنوده طيلة السنوات الماضية، لكن الجزائر تدخلت أكثر من مرة لمنع انهياره.
وفي فبراير/ شباط الماضي، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لقادة الأزواد وأكد حينها التزام بلاده بـ”التطبيق الكامل” لاتفاق السلام، وفق ما نقل عنه أمين عام حركة “تحرير أزواد” بلال أغ شريف، الذي حضر اللقاء.
وتبدي الجزائر مؤخرا مرونة في إمكانية تعديل اتفاق السلام بين الطرفين، بالنظر إلى التطورات الجديدة على الأرض.
ورغم إعلان المجلس العسكري في أغسطس/ آب 2022، عن توصله لاتفاق لدمج 26 ألفا من عناصر الحركات الموقعة على اتفاق السلام، في الجيش وقوات الأمن، إلا أن العملية كانت تتم ببطء، بسبب الخلاف حول الرتب العسكرية، حتى بعد الاتفاق على تشكيل لجنة خاصة بغية دمجهم في “التسلسل الهرمي للقيادة” العسكرية والمدنية.
ناهيك أن “السلطات المؤقتة” في مدينة كيدال، القريبة من الحدود الجزائرية، لم تتلق قط الأموال الموعودة، وفق موقع “ذي كونفرزايشين”، وتركت وحيدة في مواجهة ضربات الجماعات الإرهابية بعد رحيل قوات “برخان” الفرنسية و”تاكوبا” الأوروبية في 2022.

تغير ميزان القوى

يرى المجلس العسكري بقيادة العقيد عاصيمي غويتا، أن ميزان القوى في إقليم أزواد اختل لصالحه، ويمكنه تحريك قواته شمالا للتمركز في المنطقة وإثبات سيادته الكاملة عليها، حتى ولو أدى ذلك إلى انهيار اتفاق السلام مع تنسيقية حركات الأزواد.
فالقوات الفرنسية التي كانت تحول دون دخول الجيش المالي إلى بعض مدن الشمال مثل كيدال وتومبوكتو، لتفادي أي احتكاك مسلح مع مسلحي الطوارق، رحلت في 2022.
ولم تتمكن القوات الأممية من ملء فراغ رحيل القوات الفرنسية والأوروبية المساندة لها، وأدت ضغوط المجلس العسكري فيما بعد إلى بداية انسحابها من المنطقة.
وعلى الطرف الآخر، لجأ المجلس العسكري إلى الاستعانة بالدعم الروسي، واستفاد بتزويده بطائرات حربية ومروحيات قتالية، ورغم أنها من طرازات قديمة، إلا أنها جعلته يملك ثاني أكبر قوة جوية بين جيوش المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) بعد نيجيريا.
كما قامت الصين بمنح الجيش المالي مدرعات مزودة برشاشات مناسبة لعمليات مكافحة الإرهاب، وهذه الأسلحة عززت ثقة المجلس العسكري بقدراته على تغيير معادلة الصراع في المنطقة سواء ضد الجماعات الإرهابية أو الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، أو حتى دول الإيكواس التي تلوح باستخدام القوة ضد انقلابيي النيجر.
وفي 16 سبتمبر/ أيلول الجاري، وقّع قادة كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو على تحالف ثلاثي للدفاع المشترك عن أي طرف يتعرض لأي تهديد.
ورغم أن الرسالة موجهة ضد فرنسا ودول إيكواس والجماعات الإرهابية، إلا أنها أيضا موجهة للطوارق الذين لديهم نزعة انفصالية في الدول الثلاث، ناهيك عن أن الحركات المسلحة في الأزواد استنزفت بالأشهر الأخيرة في معارك مع تنظيمات إرهابية تابعة لـ”القاعدة”، و”داعش”.
هذا الوضع دفع المجلس العسكري إلى السعي لملء الفراغ والسعي لتركيز سيطرته على الإقليم الشمالي، مستغلا تفوقه الجوي، والذي أثبت فاعليته مؤقتا في استعادة البلدات التي سيطرت عليها الحركات المسلحة للأزواد.

غير أنه وبالنظر إلى حروب سابقة، فإنه من الصعب على الجيش المالي الانتصار في “حرب الصحراء” ضد الطوارق والعرب، خاصة إذا لجأوا إلى حرب العصابات، بالنظر لمعرفتهم الجيدة بالجغرافيا المعقدة للمنطقة، وسهولة أسر الجنود المتوغلين في الصحراء بسبب العطش ونفاد المؤن، أو ببساطة ضياعهم وسط بحر من الرمال المتغيرة المعالم.
واندلاع حرب بين قوات المجلس العسكري وحركات الأزواد سيخدم بالدرجة الأولى، الجماعات الإرهابية المنتشرة في شمال ووسط البلاد، ومن شأنه أن يعيد تمرد الطوارق في النيجر المجاورة وحتى بوركينا فاسو، ويفتح المجال لعودة فرنسا مجددا إلى المنطقة تحت عنوان “حماية الأقليات”.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية