«الأقاليم الجديدة» تقسيم جهوي يشعل الجدل في تونس في خضم أزمة مستفحلة

روعة قاسم
حجم الخط
0

حسم الاتحاد العام للشغل موقفه وانضم إلى جبهة الرفض التي تضم أغلب أحزاب المعارضة باعتبار أن تقسيم الأقاليم يمثل «فشلاً إضافياً» يضاف إلى فشل السياسات التنموية التي حصلت في السابق.

تونس ـ «القدس العربي»: أثار تقسيم تونس إلى خمسة أقاليم كبرى يضم كل إقليم منها عددا من الولايات استعدادا لانتخاب مجلس الجهات والأقاليم وهو الغرفة الثانية في البرلمان حسب الدستور الجديد التونسي الجديد، الكثير من الجدل بين أبناء البلاد. فهناك كالعادة الرافض والمؤيد والمتحفظ باعتبار ما يشوب هذا المشروع من غموض يجعل الحسم بشأنه أمرا مستحيلا خاصة بعد أن تعددت في السنوات الأخيرة التجارب السياسية والتنموية الفاشلة التي أدت بالبلاد إلى هذا الوضع الاجتماعي الكارثي.

ووفقا للتقسيم الجديد بات الإقليم الأول يتشكل من ولايات بنزرت وباجة وجندوبة والكاف، أما الإقليم الثاني فيتشكل من ولايات تونس العاصمة ومنوبة وأريانة وبن عروس ونابل وزغوان، فيما يتشكل الإقليم الثالث من ولايات القيروان وسوسة والمنستير والمهدية والقصرين وسليانة. ويتشكل الإقليم الثالث من ولايات صفاقس وسيدي بوزيد وقفصة و توزر بينما يتشكل الإقليم الخامس من ولايات قابس ومدنين وتطاوين وقبلي.

التوازن بين الجهات

ويرى المساندون أن هذا المشروع قديم وليس بدعة أتى بها النظام الجديد، وأن البلاد التونسية مقسمة بطبعها إلى عدد من الأقاليم المرتبطة ببعضها من الناحية الاقتصادية وحتى القبلية التاريخية. وبالتالي فإن هذا التقسيم برأيهم سيسهل التنمية في المناطق الداخلية دون الحاجة للعودة إلى المركز أي العاصمة لأن ذلك سيضيع الوقت والجهد وسيعطل إنجاز المشاريع التي ستودع في رفوف الإدارة المركزية التي ورثت البيروقراطية عن المستعمر.
ويرى هؤلاء أن التقسيم الجديد للأقاليم جعل كل إقليم يشرف على منطقة حدودية لخلق مناطق للتبادل الحر مع الجيران، كما جعل كل إقليم من الأقاليم الخمسة يشرف على البحر وذلك لتسهيل الصادرات والمعاملات التجارية. وبذلك لم تعد هناك مناطق ساحلية وأخرى داخلية وأصبح الكل ينتمون إلى السواحل وإلى المناطق الحدودية الداخلية في الآن نفسه ما سيقضي تدريجيا على التفاوت الجهوي برأي هؤلاء.
ويؤكد المساندون للتقسيم الجديد على أن التقسيم القديم للبلاد التونسية الذي برز بعد الاستقلال ساهم في التفاوت الجهوي الذي حصل في تونس بين مناطق ساحلية مرفهة وأخرى داخلية مهمشة تعاني تونس من تبعاتها إلى اليوم. وبالتالي يرى هؤلاء أنه حان الوقت لتقسيم جديد للبلاد التونسية من أجل تحقيق التنمية للجميع والقضاء على التفاوت بين الجهات الذي راكمته دولة الاستقلال نتيجة تقسيمها الذي لم تكن غايته تنموية بل أمنية لتحقيق سيطرة المركز على كامل البلاد.

فشل إضافي

من بين أبرز المعارضين لقرار تقسيم البلاد التونسية إلى خمسة أقاليم أهم منظمة وطنية فاعلة على الساحة، أي الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اعتبر أمينه العام المساعد، صلاح الدين السالمي، في تصريح لوسائل إعلام تونسية أن قرار تقسيم البلاد التونسية إلى 5 أقاليم، لا يمكن أن يعود بالفائدة على البلاد. ودعا السالمي بمناسبة إشرافه على اجتماع مكاتب الفروع الجامعية لنقابات القطاع العام المنعقد بمقر الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس إلى إجراء حوار مفتوح بين جميع مكونات المجتمع السياسي والمدني حول هذا التقسيم الجديد للبلاد التونسية والذي على أساسه ستجرى الانتخابات الجهوية والمحلية يوم 24 كانون الأول/ديسمبر 2023.
وبذلك فقد حسم الاتحاد موقفه وانضم إلى جبهة الرفض التي تضم أيضا أغلب أحزاب المعارضة ومنها جبهة الخلاص التي اعتبر رئيسها أحمد نجيب الشابي أن تقسيم تونس لأقاليم يمثل «فشلاً إضافياً» يضاف إلى فشل السياسات التنموية التي حصلت في السابق. وأكد الشابي على أن المجلس التأسيسي الذي تشكل سنة 2011 اهتم بإرساء سلطة لا مركزية بناءً على تجارب عالمية ناجحة لكن هذا المشروع تُرك جانباً بعد الإطاحة بكامل منظومة الحكم، وذلك في مقابل إنشاء خريطة جديدة للبلاد فصلت على مقاس الحاكم من دون أي معنى، من أجل إرساء غرفة ثانية «قزمية» بالبرلمان وهو ما سيتسبب برأيه في لا مبالاة كاملة من قبل التونسيين تجاه هذا التقسيم الجديد والعملية الانتخابية برمتها.
وانضمت إلى الرافضين أيضا النائبة في البرلمان الجديد فاطمة المسدي التي عبرت عن عدم رضاها على الإقليم الذي تنتمي إليه، وهو الإقليم الرابع الذي يضم كلا من صفاقس وسيدي بوزيد وقفصة وتوزر باعتبار أن كل إقليم من الأقاليم الخمسة المعلن عنها سيتضمن مدينة سياحية ساحلية، وهو ما يتطلب برأيها قيام الدولة بعمليات استثمارية كبرى لتحويل مدينتها صفاقس إلى مدينة سياحية ساحلية وهي التي تعطل فيها مشروع سياحي هام خلال السنوات الماضية وهو مشروع «تبرورة». وانتقدت المسدي عدم إشراك نواب الغرفة الأولى للبرلمان المنبثق عن انتخابات 2022 في مناقشة المشروع، وبالتالي فإن هذا العمل برأيها هو عمل آحادي الجانب من قبل رئيس الجمهورية.

متسع من الوقت

وفي هذا الإطار يرى الناشط السياسي والباحث في المركز المغاربي للبحوث والدراسات صبري الثابتي في حديثه لـ«القدس العربي» أن مسألة التنمية الجهوية والتوازن بين الجهات هو المطلب الرئيسي لجميع التونسيين دون استثناء ومن أجلها انتفضت الأطراف على المركز منذ أكثر من عشرية خلت. لكن الإشكال، حسب محدثنا، هو كيف تتحقق هذه التنمية الجهوية وكيف «يعم الخير» على الجميع بدون تفاوت بين الجهات بين سواحل مرفهة إلى حد ما ودواخل تعاني صعوبات حياتية.
ويضيف محدثنا قائلا: «لقد رأت السلطة القائمة حاليا وعلى رأسها رئيس الجمهورية قيس سعيد أن الحل يكمن في تقسيم البلاد التونسية إلى خمسة أقاليم كبرى وخلق غرفة ثانية للبرلمان يمثل فيها النواب على هذا الأساس، أي الأقاليم، وذلك للنظر في مشاكل التنمية الجهوية والإقليمية. وهو برأيي اجتهاد ككل الاجتهادات فيه إيجابيات عديدة وسلبيات عديدة أيضا ولربما غياب الحوار بشأنه لإصلاح ما يمكن إصلاحه هو الذي جعله غير مستساغ من قبل عديد التونسيين رغم أن بعض هؤلاء المعارضين كانوا يساندون فكرة الأقاليم التنموية واليوم تحولوا إلى معارضين لها.
لربما لو تمت العودة إلى أبناء مختلف الجهات للإستئناس بآرائهم بشأن هذا التقسيم الإداري التنموي الجديد ما كنا لنرى كل هذه الانتقادات التي عبر عنها أصحابها خلال الأيام الماضية في وسائل الإعلام، وفي مواقع التواصل الاجتماعي التي بلغ فيها التنمر على المشروع حدا لافتا. فهناك من يرى من أبناء هذه الجهات أنه لا يجوز حشره في إقليم قد يجد صعوبات في التنقل داخله بسبب عدم توفر البنى التحتية الكافية لربط مختلف ولايات الإقليم. فعلى سبيل المثال عبر أحد مواطني ولاية سليانة، وهي ولاية فلاحية ومنطقة هامة للزراعات الكبرى شأنها شأن باقي ولايات الشمال الغربي التي تم ضمها إلى إقليم آخر، عن صعوبة تنقل أبناء ولايته إلى سوسة التي قد تصبح عاصمة الإقليم، والتي تنتمي وولاية سليانة إلى الإقليم الثالث، في حين أن التنقل من سليانة إلى العاصمة هو سهل وسلس برأيه باعتبار الطريق الممتازة التي تربط بين الولايتين وكذلك باعتبار وجود القطار الذي يربط مناطق في سليانة مباشرة بالعاصمة.
لذلك فإن فكرة الأقاليم التنموية برأيي ليست بالسوء الذي يتحدث به معارضوها لكن التقسيم هو الذي تشوبه إخلالات حيث بدا متسرعا وغير مدروس بما فيه الكفاية. وبالتالي لو منحنا أنفسنا متسعا من الوقت واستمعنا إلى آراء متعددة لكان أفضل لنا جميعا كتونسيين ولتجنبنا الكثير من الانتقادات لهذا التقسيم». وفق قوله.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية