«ليلة مرصّعة بالنجوم»: عن تشويق لا طاقة لنا على مجاراة سرعته!

حجم الخط
0

للشاب آدم فلسفته الخاصة يعبّر عنها بقوله: «عيش هذه الحياة يشبه سيناريو تعطُّل فرامل سيارتك أثناء القيادة، حيث الخيار الوحيد الذي تملكه هو إيجاد الشيء الذي يجب أن تصطدم به كي تخرج بأقلّ الخسائر». وها هو يزجي النصح لعموم من سيقرأون كلماته: «قبل أن تغادر غرفتك تأكّد من سدّ أي صدع منتشر في جسمك، فالحياة قاسية وعنيفة في الخارج». فهو منبوذ من بيت أبيه، ومطرود من قِبل جاره أبو وليد من حين ما علم هذا الأخير، أن الصندوق الذي حمله لمساعدة آدم يحتوي على مشروبات كحولية. كما أنه لم يطق العمل في مكتب الأعمال الإلكترونية في شارع فردان، فاستقال وقُبلت استقالته على الفور. أما غنى، رفيقته وكادت أن تكون حبيبته، فغادرته حين خطر لها أن تنضم إلى سلك الراهبات، وها هو يعيش متنقلا بين مناطق وشوارع كثيرة يعرّفها بأسمائها: مارمخايل، الأوزاعي، المنارة، كليمنصو، الظريف، سبيرز، الصنائع، إلخ، لكنه يعيش في شقّة ضيقة.. ولا صديق له إلا رواد، صاحب محل لتسجيل الأفلام والأغاني. الآخرون يعبرون في حياته دون أن يتركوا فيها أثرا. ولا شيء يجري في أيامه سوى الطواف في الشوارع، واللقاءات التي تحصل بينه وبين جارته، وقد جرى ذكر تفاصيل قليلة من أوّلها، رغم أنه أبلغ من كان يظنه زوجها أنه جامعها أكثر مما يجامع الزوج زوجته.
ذلك هو القسم الأول من الرواية، حيث لا يعدو ما يُروى عن كونه تعريفا بمن هو آدم. علينا إذن أن نرجئ الأحداث إلى فصول الرواية الأخيرة. هنا ستحتشد الأحداث غريبة ولا تمتّ بصلة إلى عادية ما جرى تداوله في الصفحات التي سبقت. يبدأ ذلك حين تطلب صاحبة المقهى من آدم أن يوصل فنجان القهوة إلى طاولة الرجل الستيني إدغار، فيعرض عليه هذا الأخير أن يرافقه إلى المنزل ليكون، هناك، شاهدا على موته. في ذاك المنزل سيعرف آدم أن الرجل سيحقن نفسه بالسمّ، لكن قبل ذلك سيعرّفه بسميّا وهي جثة مضى على موتها ما يقلّ قليلا عن الثلاثين عاما. وهذا مشهد يذكّر بما في رواية «عاشق المرحومة» العائدة للتراث العربي النثري والتي ترجع كتابتها إلى قرون خلت. هنا، في رواية يوسف الخضر الصادرة حديثا، لا يقتصر إبقاء الجثّة ظاهرة للزوّار على يوم واحد، كما في «عاشق المرحومة» بل استمر وجودها ملازمة لعيش الستيني إدغار لما يقرب من نصف عمره.
وستذهب الرواية، بعد واقعتها تلك، إلى تشابك في الأحداث يتسارع مع اقتراب الرواية من صفحاتها الأخيرة. كل شيء إذن ترك للأخير. ذلك الانتقال من العادي إلى السريالي (المرأة المحنطة أو المرأة الجثة المتروكة في المنزل مع عاشقها الحيّ، لكن المقبل على موافاتها بالانتحار) سيتوسطه جوّ روائي آخر ينتقل بنا إلى سجون التعذيب السورية أيام الثمانينيات البيروتية. هناك سنكتشف، إضافة إلى المجريات العادية لما يحدث في تلك السجون، أن إدغار الذي قُبض عليه بتهمة التجسّس، على غرار ما كانت تجري الاتهامات آنذاك، كان قد أصيب بإطلاق النار في عضوه عقابا له من زوج سميّة، لنكتشف لاحقا أن والد آدم هو مَن أطلق النار، وأن سميّة، تلك الجثّة المحنطة في بيت إدغار، هي أمّه.
ولشدة تتابع الأحداث وإصرارها على مفاجأة متابِعيها تبدو الصفحات كما لو أنها تضيق عن استيعاب ما تجريه سطورها. ذلك ما يمكن وصفه بأنه تشويق أكثر مما يجب، تشويق مربك يختلط فيه ما حدث في الحاضر، مع ما حدث في الماضي. وهو، أيضا، تشويق صادم، حيث دون مقدّمات تتحوّل أدوار الشخصيات بإدخالها في مسارات أخرى، أي أن يصير إدغار منتقما وقاتلا، والأب مجرما، والجارة التي في البناية مخطّطة من آخرين علاقتها بآدم، وأن تلك المرأة المحنطة هي أمه.
هو تشويق متلاحق وكثير يحتاج متابعُه إلى العودة مرة أخرى لما كان قرأه وأصبح بعد ذلك في ما تلاه. ثم تلك الأساليب الروائية المتعدّدة التي جُمع بعضها إلى بعضها الآخر لتظل مضطربة في السياق الذي جُمعت فيه.

«ليلة مرصّعة بالنجوم» رواية يوسف الخضر صدرت عن «منشورات نوفل» في 140 صفحة ـ تاريخ الصدور 2023.

كاتب لبناني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية