الخرطوم ـ «القدس العربي»: لا يزال مشروع القرار البريطاني المقدم الى مجلس حقوق الإنسان، والذي يطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق خاصة بالنزاع الدائر في السودان، متعثرا في ظل اعتراض عدد من الدول العربية والأفريقية، بينما وصفته الحكومة السودانية بـ»المتطرف».
يأتي ذلك في وقت حذرت فيه الأمم المتحدة من أن التهديدات الأمنية وقلة التمويل تعرقلان وصول المساعدات الإنسانية إلى أكثر من 18 مليون سوداني، في حين اتهمت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالبشر، قوات «الدعم السريع» بتجنيد أجانب قسريا.
وعقدت اللجنة أمس الخميس اجتماعا ناقش تصاعد نشاط عصابات التهريب والاتجار بالبشر، لافتة إلى «ضعف الرقابة والمكافحة وانشغال الأجهزة المعنية بالحرب وتداعياتها».
وقالت إن «عددا من مهربي البشر انضم لقوات الدعم السريع، وأنها رصدت حالات اتجار بالبشر لشباب قدموا من دولة مجاورة تم تجنيدهم قسرا بواسطة قوات الدعم السريع وتدريبهم وإرغامهم على حمل السلاح والمشاركة في المعارك ضد الجيش السوداني».
كذلك تداول الاجتماع حول «تجنيد الأطفال في صفوف قوات الدعم المتمردة وناقش بعض التقارير المتعلقة بأسواق لبيع الفتيات المختطفات من قبل الدعم وبيعهن للاستعباد الجنسي، والتي أوردها بعض الصحف ورصدت بواسطة بعض المصادر المحلية».
وكانت «القدس العربي» قد نشرت في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، شهادات حول أسواق رقّ في السودان خصوصا في دارفور، يتم فيها بيع نساء يتعرضن للخطف والاحتجاز والاستعباد الجنسي من قبل قوات «الدعم السريع» فيما شبهها ناشطون بمأساة الإيزيديات في العراق.
وأكدت لجنة مكافحة الاتجار بالبشر على «الضرورة الملحة لتكثيف الجهود وزيادة المعينات لتقليل مسببات الهجرة غير الشرعية والوقوع في براثن عصابات الاتجار بالبشر خاصة في أوساط النازحين» مشيرة إلى «شروعها في إعداد خطة طارئة لمعالجة كافة القضايا المتعلقة بالإتجار بالبشر في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد».
في غضون ذلك، حذرت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان كليمنتاين نكويتا سلامي من تضرر مخيمات النازحين وتعطل الإمدادات، وتعرض المدنيين للخطر أثناء تبادل إطلاق النار.
دول عربية وأفريقية تعترض على مشروع قرار أممي بشأن تشكيل لجنة تقصي حقائق
وأبدت استياءها إزاء التقارير التي تفيد بمقتل وتشريد نازحين بعد أن أحرقت ملاجئهم خلال اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات «الدعم السريع».
وأشارت في بيان أمس الخميس، إلى تقارير حول تضرر المضخات التي تزود المخيمات بالمياه مما أدى إلى قطع الإمداد عن النازحين.
وحسب ما ورد احتل المقاتلون مدرسة بالقرب من مخيم الحصاحيصا في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي والتي تستخدمها كمنصة لقصف خصومها، مما يعرض النازحين لخطر الوقوع في مرمى النيران المتبادلة.
وحسب قادة المجتمع المحلي، يستضيف المخيم حوالى 50 ألف شخص يقيمون فيه منذ عام 2005. ومنذ أبريل/ نيسان الماضي فر حوالى 5.5 مليون شخص من منازلهم بسبب النزاع بحثاً عن ملاذ آمن ونزح 4.3 مليون داخل السودان و1.2 مليون إلى الدول المجاورة.
وأشارت منسقة الشؤون الإنسانية إلى أن هذا العدد الكبير من النازحين في وقت قصير جعل أزمة السودان إحدى أزمات النزوح الأسرع نمواً في العالم، حيث يحتاج العديد من النازحين بشدة إلى المساعدة والحماية المنقذة للحياة.
وحثت جميع أطراف النزاع على التقيد بالتزاماتهم بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية واحترام القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، مشددة على أن الهجمات على المدنيين ومخيمات النازحين أمر غير مقبول، في ظل استمرار المعاناة في السودان لفترة طويلة جداً.
وقالت خلال مخاطبتها، أمس الخميس، مؤتمرا صحافيا في جنيف إن الأمم المتحدة تسعى للوصول إلى 18 مليون سوداني، مطالبة بالمزيد من الدعم الدولي وتحسين الوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون للمساعدة وضمان سلامة عمليات الإغاثة.
وأشارت إلى أن 19 شخصا من العاملين في المنظمات الإنسانية قتلوا بينما أصيب 29 آخرون منذ اندلاع الحرب السودانية منتصف أبريل/ نيسان الماضي.
وعلى الرغم من الانتهاكات الواسعة التي تشهدها البلاد، خلال المعارك التي تدخل شهرها السادس في البلاد، يواجه مشروع القرار البريطاني المقدم أمام مجلس حقوق الإنسان معارضة واسعة من الدول العربية والأفريقية، بينها مصر وليبيا وإثيوبيا، فيما قالت الخارجية السودانية إنها تحظى بمساندة (المجموعة العربية – منظمة التعاون الإسلامي ـ المجموعة الأفريقية) التي اعترضت على مشروع القرار.
ويدعو المشروع إلى إنشاء لجنة عاجلة لتقصي الحقائق في السودان، تتألف من ثلاثة من ذوي الخبرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، يقوم بتعيينهم رئيس مجلس حقوق الإنسان في أقرب وقت ممكن، لمدة عام واحد في الوقت الحالي.
ويتضمن تفويضها التحقيق وإثبات الوقائع والأسباب لجميع الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك المرتكبة ضد اللاجئين، وجميع الجرائم المرتكبة في سياق النزاع الذي اندلع في منتصف أبريل الماضي، وجمع الأدلة بما في ذلك المقابلات وشهادات الشهود ومواد الطب الشرعي، وتحديد هوية الأفراد والكيانات المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان أو انتهاكات القانون الإنساني الدولي في السودان، بهدف ضمان محاسبة المسؤولين عنها. ووصفت الحكومة السودانية مشروع القرار بـ «المتطرف» منددة بالتحركات التي قالت إن بريطانيا تقودها منذ أغسطس/ آب الماضي وانضمت له بعض الدول الغربية، مؤكدة أن القرار يواجه «رفضاً جماعياً من كل المجموعات الجغرافية والسياسية التي ينتمي إليها السودان، بالرغم من ذلك مضت بريطانيا في طرح مشروع القرار على مجلس حقوق الإنسان».
وأكدت رفضها لمشروع القرار الذي رأت أنه «جانب الصواب بمساواته بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ولم يراع الأولويات الحقيقية للبلاد في هذه المرحلة والتي حددتها بإنهاء التمرد وإخلاء مساكن المواطنين والأعيان المدنية بما فيها المستشفيات ودور العبادة، وتيسير إيصال المساعدات الإنسانية على نحو ما نص عليه إعلان جدة للمبادئ الإنسانية الموقع في 11 مايو/ أيار الماضي».