الجهل النشط يقود للهجوم على الشعراوي وكتب البرتغالي «ابن جوزيه»!

حجم الخط
0

هَزُلت. بصوت الفنان توفيق الذقن، حيث كانت المفردة «هزلت» لزمة له في دوره في أحد المسلسلات التلفزيونية!
ولأنها «هزلت»، فقد صار طبيعياً أن يستدعي برنامج تلفزيوني «لعاهات المرحلة»، ليتحدثوا في قضايا فكرية، ويسأل المذيع واحدة من هؤلاء، سؤاله لمفكرين، فلا يميز بين فؤاد زكريا، وحسن حنفي، ومحمد أركون، وبين إلهام شاهين، والشاهد هنا أن مثل هذه الاستدعاءات يقوم بها مذيعون في الحدود الثقافية للسؤال اللوذعي للصحافي في الفيلم التاريخي «لعبة الست»: «أين ترعرعت سيدتي؟»، فإذا أخطأت سيدته لم يملك الحد الأدنى من المعلومات التي تسعفه، ليمثل حائط صد في مواجهة الأخطاء المهزلة، وضد التجاوزات المرسلة، على العكس ممن يجد نفسه في حضرة واحداً من المفكرين، فإذا لم يكن جاهزاً بما يثري به المقابلة، فإن الإعداد يقوم بالمهمة!
لا جديد في ما قالته إلهام شاهين في برنامج قناة «الجديد» اللبنانية «قاضي المشاهير»، فمثل هذه الترهات قالتها في برامج تلفزيونية سابقة، وكل ما فعله البرنامج المذكور، أنه استدعى على عجل ما قالته سابقاً ليعيد طرحه عليها، وكأن الإعداد لا يعمل سوى قبل لحظات من الحلقة، ولو تعمق لربما وقف على ما قاله عنها المخرج جلال الشرقاوي، في برنامج صفاء أبو السعود على قناة «آي آر تي»، ولوجد فيه ضالته، ولانخفض سقف المناقشة إلى موضوعات تليق بالممثلة المتقاعدة، بدلاً من أن ينصب الحديث على قضايا فكرية، ليس أياً منهما مؤهلاً لأن يدلوا بدلوه فيها!
صحيح أنني شاهدت مقابلة قديمة لها مع صفاء أبو السعود، تواجهها بما قاله الشرقاوي، فارتبكت ولم تقل شيئاً يمثل قيمة، لكن في جميع الأحوال فإن هذا الموضوع قديم، قبل آرائها الفكرية المبتورة، التي تعيد فيها وتزيد، فضلاً عن أن قناة صفاء أبو السعود كانت مشفرة!

مفكرة الجمهورية الجديدة

ومن بين هذه الآراء تطاولها على مقام الشيخ الشعراوي، الذي قالت إنها تختلف معه، وترفض تسجيل سيرته، وترى أنه قدم تفسيرا مغلوطاً للقرآن، وهنا قد يطل علينا أحد أن الإسلام لا يقر قدسية لأحد، وليس فيه «رجال دين»، وهذا صحيح، لكننا أمام حق يراد به باطل، ومثله كمثل الذي يطالبك بالحلم وأنت تستمع للرأي الآخر لكلامك مبتزاً إياك، وهو أمر فندناه من قبل، فكثيراً ما نكون أمام «الآخر» لا «الرأي الآخر»، فإذا انفصل «الرأي» عن «الآخر»، صار عبثاً من البلادة الاستماع له، أو تمريره، لأنه مؤذن بشيوع التفاهة!
الأمر نفسه يسري على السماح لأي عابر سبيل الاعتقاد أن الكلام في الدين ميدان يسمح للنطيحة و»الموقوذة» وما أكل السبع، أن تجعل رأسها برأس العلماء، دون أن تقدم رؤية مكتملة، أو جملة صحيحة، كما فعلت إلهام شاهين في حلقتها مع «قاضي المشاهير»، فتقول إنها تختلف، وترفض تفسيرات الشيخ الشعراوي، وهو تجاوز قالته أكثر من مرة، ولا نعرف معنى لأن يأتي برنامج قناة «الجديد»، فيعيد طرح المطروح، دون أدنى استعداد لمناقشة رأي مفكرة المرحلة والجمهورية الجديدة، وهي أحد تجليات حالة التسطيح المعتمدة رسمياً، وبما سمح لها أن تقوم بدور المثقفة بشكل لم نعهده فيها، ولم تقدم دليلاً واحداً على أنها مؤهلة للدور، ولو استعد لها البرنامج لمناقشة جادة، لأثبت جهلاً نشطاً، وشحاً مطاعاً!
بيد أن تحول الكثير من وسائل الإعلام إلى الاثارة بالتطاول على القمم مع الخفة في التناول، جعلها تتكلم في القضايا الكبرى، في حين أنها شاهدت فيديوهات للشيخ الشعراوي، تقصد هذه اللقطات التي هي من بضع ثوان، عبر منصات التواصل الاجتماعي، فلم تتابع برنامجه التلفزيوني في التفسير، ولم تقرأ له كتاباً، ليصبح من الطبيعي أن تفتي في أمره، وأن تحدد موقفاً منه. لنستعير كلمة القذافي الشهيرة: من أنتم؟! إن الكثير من الفنانين والفنانات، ليسوا أهل فكر وثقافة، وإن كانت هناك قلة منهم من أهل الحل والعقد، كان من الجيل المعاصر نور الشريف، ومحمود ياسين، لكن لم يثبت أبداً أن إلهام شاهين على شيء من هذا، لكنها سعت، لتكون شيئاً مذكوراً في مواجهة حضور تيار الإسلام السياسي، بعد الثورة، عندما فُتحت المنابر الإعلامية لكل من يعارض هذا التيار، واندفعت المذكورة لتقدم نفسها على أنها مناضلة جسورة، ومفكرة عميقة، حتى تبنتها «الجمهورية الجديدة»، لأنها تخدم أجندتها، في التطاول على كل من له صلة بالفكر الديني، ومن سوء حظ هذه الجمهورية، أنه لا يوجد بها مفكرون يمكن أن يساعدوا مشروع السلطة، مثل فرج فودة، وسعيد العشماوي، ونصر حامد أبو زيد، فكان أن تخطت الرقاب إلهام شاهين!

العداء للدين

نقطة نظام هنا، أنه لا نظام عبد الفتاح السيسي، ولا نظام عبد الناصر، ولا السادات، عندما هتف لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، كان لهم موقف معاد للدين بحربهم على الإسلام السياسي، وإن امتد المشروع الى تبني من يهاجم شعائر الله، غاية ما في أنها معارك الصراع على السلطة، وأن هذه الأنظمة الشمولية تريد أن تحتكر الإسلام وتسطو عليه، وكان السيسي أكثر وضوحاً بقوله إنه مسؤول عن دين المصريين. فمن أعطاه هذا الحق؟!
ومن هنا ينبري فريق من المثقفين يتبنون شعارات السلطة، باسم الدولة المدنية، لكن هذا الاندفاع لا يشمل موقف الحاكم. وخطاب السيسي عن الله، والدين، وأنه في السلطة بالمشيئة الإلهية، إنما ينتقل به ليكون حاكماً بالحق الإلهي، وهؤلاء لا ينطقون ضد الحديث عن الدين والسياسة عندما يعلن البابا تواضروس عن انحيازاته السياسية، ووقوفه بجانب الجنرال؛ إن لديهم الشجاعة للتطاول على الإمام البخاري، لكنهم يعرضون عن أن يمسوا الحاكم أو أذرعه الدينية ولو بشطر كلمة!
قالت المذكورة أعلاه إنها ترفض كتب التفسير، التي وضعها كل من الشعراوي و»ابن تيمية» و»ابن جوزيه»، دون أن يسألها المذيع هل قرأت كتب التفسير للشعراوي، وهي التي تقول إنها استمعت إلى فيديوهات؟ وماذا قرأت من كتب لابن تيمية وإبن جوزيه، وما هي الأخطاء الكبيرة التي قالت إنهم ارتكبوها في حق الإسلام؟! وبهذه المناسبة الطيبة، هل يعلم المذيع الباسل أنه لا يوجد شخص اسمه «ابن جوزيه»، حيث يوجد اللاعب والمدرب البرتغالي «مانويل جوزيه»؟، وظني أنها لا تقصده، ولكنها تقصد «ابن القيم الجوزية»، فماذا قرأت له وماذا تعرف عنه؟!

حماية الخواء والحديث عن العلمانية

إن بعض البرامج التلفزيونية تمثل حماية لمن تستضيفهم من «المفكرين الجدد»، فلا تناقشهم مناقشة جادة، حتى لا يظهر الخواء للناس، وقد أشرت من قبل الى الحماية، التي أسبغتها «فرانس 24»، على «بصمجية»، تم تقديمها على أنها مفكرة علمانية، وهي لا تفك الخط، ولو تم توجيه سؤالين لها عن العلمانية لأغمي عليها من فرط الجهل!
وإذا كان رأيي إنهم في «فرانس 24» يدركون ما يفعلونه، فلست مطلعاً على المستوى الفكري لمذيع «قاضي المشاهير»، وإلا لوجب سؤالها من تقصد بـ»ابن جوزيه»، فإن اختلط عليه النطق لعطب في مخارج الحروف، لكان من الواجب أن يمدها بورقة وقلم لكتابة اسمه، ليعرف ما إذا كانت تقصد البرتغالي «جوزيه»، أم الدمشقي «ابن القيم الجوزية»؟!
إن هذا الاضمحلال الفكري، ذكرنا بواقعة قديمة جرت بعد منتصف الثمانينيات، وإبان المد الأصولي في مصر، إذ دعت هيئة الكتاب لندوة للرد على المتشددين في الموقف من الغناء والفن، وكان على المنصة الشيخ عبد المنعم النمر، وزير الأوقاف الأسبق، وأستاذ في كلية الفنون الجميلة، والذي ذكر حديثاً رواه الإمام مسلم، لكنه نطقه «مُسَلم»، فعندما تم رده من القاعة، أظهر بلاهة منقطة النظير! إذا كانت الجمهورية الجديدة في القاهرة، صنعت من ممثلة محدودة الموهبة، مفكرة وزعيمة، فهل في بيروت، حيث قناة «الجديد» يفكرون في إطلاق الجمهورية اللبنانية الجديدة؟!
يا لها من أيام خداعات تتكلم فيها إلهام شاهين في أمور الفكر، والفقه، والعقيدة!

أرض جو:

أكلما فشلت لهم قناة، أطلقوا قناة أخرى؟! لقد بشرونا بإطلاق الشركة المتحدة لقناة جديدة اسمها «المشروعات»، في انتظار إطلاق قناة «الكباري»!

٭ صحافي من مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية