بيروت ـ «القدس العربي»: ولدت نور علي ديب في كندا، المكان الذي اختاره والداها للهجرة. ظروف عائلية استدعت عودتها مع والدتها إلى الشام لتكبر وتترعرع بين الأهل. وفي عمر الخمس سنوات قفلت راجعة إلى مسقط رأسها، لتخوض تجربة مميزة لاحقاً عندما صارت على مقاعد الجامعة.
لنور ضحكة فرحة تسبق كلامها. تمتلك سرعة في بناء العلاقات سيما على مقاعد الجامعة. نشاطها وايمانها بالقضايا المحقّة مكّناها من امتلاك قدرة الاقناع.
حادثة مؤلمة تخللت حياة الصبية الشامية الكندية سنة 2011 وإذ بها تبدّل كامل مسيرتها. وراحت تبحث في السياسات المعلنة وغير المعلنة، سواء على صعيد التعليم الجامعي وغيره. فكيف صارت الشابة السورية نور علي ديب رئيسة لاتحاد الطلاب الكنديين في ولاية أونتاريو من سنة 2016 إلى سنة 2019؟
مع نور علي ديب هذا الحوار:
○ كيف فزت كفتاة من أصل عربي برئاسة اتحاد الطلاب الكنديين في ولاية اونتاريو؟
• حين كنت في مرحلة التعليم الثانوي أذكر أني لم أكن أهتم مطلقاً بأي نشاط طلابي. كنت فقط أنشد الذهاب إلى المدرسة والعودة إلى البيت. إلى حين ألمّت بنا حادثة عائلية مؤلمة، حيث توفي عامر أبن خالتي بالرصاص في بداية الحرب في سوريا سنة 2011 وكان بعمر الثامنة عشرة والنصف. وفاته أثّرت على حياتي، فإبن خالتي كما أخي، وموته بالرصاص تركني أطرح الأسئلة عن معنى الحياة؟ حين دخلت الجامعة تعرّفت إلى عدد من الزملاء الناشطين في القضايا الطلابية، ودعم القضايا الإنسانية المُحقة في كندا والعالم. وكذلك مناهضة السلاح والتسّلح. ومن هؤلاء الطلاب علمت بأن جامعة أوتاوا تتبرع لشركة أسلحة تُصنِّع الرصاص. هذه المعلومة أصابتني بالدوار. ولم يحتمل رأسي أننا كطلاب ندفع أموالاً لنتلقى العلم، وبعضنا يجتهد ليكون طبيباً أو طبيبةً تعالج الناس، فيما الجامعة تدعم شركة تصنيع الرصاص؟ والناس تموت بفعل هذا الرصاص في كل أنحاء العالم خاصة في سوريا وفلسطين. وهكذا تغير مجرى حياتي في الجامعة وخارجها. وتغير مجرى حياتي الاجتماعي، ففي خلال النشاط الطلابي التقيت زوجي منيب المولود في كندا ومن أصول باكستانية، وكان يدرس العلوم السياسية والتاريخ. والتقينا معاً على دعم القضايا العادلة في العالم وخاصة فلسطين.
○ ما هو الاختصاص الجامعي الذي اخترته؟
• درست في جامعة تورونتو – فرع ميسوساغا الاقتصاد والبيولوجي. وفزت برئاسة اتحاد طلاب كندا في ولاية اونتاريو.
○ هل فزت بسهولة في هذه الانتخابات؟
• ما من أمر سهل. لكن بعد التجربة على مدار أربع سنوات في رئاسة الاتحاد، يمكنني القول إنها مرحلة غاية في النشاط والحيوية، وتميزت بتحقيق العديد من الأهداف التي وجد اتحاد الطلاب ضرورة لها.
○ ألم تواجهك منافسة على هذا المنصب؟
• كنّا فريقاً متجانساً من خمسة طلاب، وضعنا برنامج عمل لاقى ترحيباً واسعاً من الطلاب. ولهذا لم تواجهنا منافسة كبيرة. ومن ضمن برنامج عملنا اطلاع الطلاب والرأي العام على ممارسات الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وبالشرح الوافي. كنا ننشد التأييد الناتج عن وعي، ومعلومات دقيقة عن حقيقة حياة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. استنفدنا الوقت المطلوب لشرح المعلومات التي بحوزتنا، وتركنا للطلاب حرية الاختيار والتعبير. وهكذا حصدنا الفوز.
○ أمضيت أربع سنوات مثمرة في رئاسة اتحاد الطلاب. هل نجحت بالتوفيق بين الاتحاد ومتابعة تخصصك العلمي؟
• لم أكن لأتمكن للأسف. تخرّجت في 2019 لم تكن والدتي مسرورة لما جرى لكني بالنهاية نلت شهادتي، وباشرت العمل وباتت لي عائلة من طفلين.
○ هل راودك الندم يوماً على ضياع سنوات من عمر الدراسة؟
• أبداً. قمت بعمل أحببته للغاية. حالياً أعمل في المكاتب الإدارية للنقابات، بينها نقابة الممرضات والممرضين. تأثّرت مهنتي بالخبرة التي اكتسبتها خلال العمل الطلابي الذي بدّل حياتي رأساً على عقب. مهمتي تحديداً البحث مع الممرضين في المشاكل التي تعترضهم، وتحديد الحلول المطلوبة وتقديمها للمعنيين في حكومة أونتاريو.
○ هل تذكرين المسألة الأكثر صعوبة التي اعترضتك وأنت رئيسة لاتحاد الطلاب الكنديين؟
• كان ذلك في سنة 2018 حين اقترحت الحكومة الكندية مشروعاً لاستثمار أموال الطلاب عبر صناديق، منها ما يختص بمكافحة التحرّش الجنسي، وآخر للمساعدة في الحصول على الأوراق التي يحتاجها الطلاب خلال العام الدراسي، وغيرها. هي اقتراحات تهدف لتحكُم الحكومة ببعض من أموال الطلبة. لكننا كاتحاد طلاب رفضنا تدخلاً مماثلاً من قبل الحكومة التي لا ترحب ولا ترغب أساساً بوجود اتحاد للطلاب الكنديين. والسبب أننا نلاحق أفعالهم على الدوام، ونترصد قراراتهم الهادفة لوضع مزيد من العراقيل بوجه الطلاب الجامعيين، للحد من أعدادهم. كما أن الاتحاد يقف على الدوام إلى جانب الشعوب المضطهدة وخاصة شعب فلسطين. ومنذ 20 سنة ينادي اتحاد الطلاب الكنديين بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مما لا يتوافق مع السياسات الكندية الرسمية. ولهذا كانت محاولات الحكومة السيطرة على الأموال التي يدفعها الطلاب كمساهمة لاتحاد الطلاب الكنديين. وهي تُدرك جيداً مدى تأثير قرارها بحجب مساهمة الطلاب المالية عن الاتحاد، فكان التصدي لها ضرورياً.
○ وكيف تمّ هذا التصدي؟
• لشرح تداعيات هذا القرار الخطير عقد اتحاد الطلاب مؤتمراً عاماً في اونتاريو بأكملها. وبالنهاية توصلنا لرفع دعوى قضائية على الحكومة، ووقفنا متواجهين تحت قوس العدالة، وربحنا الدعوى.
○ وهل ترينه إنجازاً كبيراً؟
• بالطبع. وهذا الإنجاز ساهم أيضاً بتغيير حياة المئات من الطلاب الذين كانوا لا يعطون أي اهتمام لاتحاد الطلاب، ولا يرون ضرورة له. وضعهم كان مشابهاً لوضعي قبل أن أكتشف أن الجامعة تدعم مالياً شركة لتصنيع الرصاص. وبعض هؤلاء الطلاب الذين تغيرت حياتهم أوضاعهم المالية صعبة للغاية، منهم لا يملك حتى ثمن طعامه، ويفتقدون للسكن.
○ وهل لاتحاد الطلاب امكانات بحل كل تلك المشكلات؟
• دورنا أن نوجههم إلى حيث توجد وجبات طعام مجانية، وإلى حيث يمكنهم تأمين السكن ضمن «الكامبس» أو خارجه.
○ وكم أكسبتكم تلك المواجهات من الخبرات في معالجة قضايا الطلاب؟
• صحيح أننا اكتسبنا خبرة كبيرة، لكن جائحة كورونا أتت لتطيح بالآمال التي كنا قد بنيناها. فالكثير من الطلاب باتوا يتابعون دراساتهم الجامعية أونلاين. وفي ظل تدهور الوضع الاقتصادي بات عدد كبير من الطلاب يعملون لتدبير شؤونهم. فمن أين سيجدون وقتاً للنشاط الطلابي؟
○ بعد إنهاء دراستك الجامعية وفي نظرة إلى تلك المرحلة عن بعد كيف تصفينها؟
• لن يتكرر مثلها في حياتي. ودائماً أشجع التلامذة في المدارس والطلاب في الجامعات على العمل ضمن اطرهم النقابية، فقدرة التغيير معقودة عليهم. في حين أن المسؤولين يرغبون بطلاب دون وعي، ومنشغلين بتدبير ببدل الأقساط والطعام عبر العمل لساعات طويلة حتى خلال الدراسة.
○ وهل ما تزال الجامعة تقدم الدعم المالي لشركة تصنيع الرصاص؟
• لم نحصل على جواب شاف ومباشر. لكننا نعمل بوسائلنا لمعرفة الحقيقة، رغم صعوبة ذلك، والمعنيون في الجامعة عملوا بذكاء لإخفاء الأدلّة. الواضح أن الكثير من المعطيات الخاصة بحقوق الإنسان تبدّلت منذ دخلت الجامعة، وصارت سيرة فلسطين والاحتلال الذي ترزح تحته متداولة، بخلاف ما كان عليه الوضع قبل أكثر من 10 سنوات. بتقديري أن ازدياد الحديث عن حقوق السكّان الأصليين في كندا، شكّل حافزاً لطرح قضية فلسطين كلّما سنحت الظروف بذلك. فعندما يتضامن العدد الكبير من الكنديين مع السكّان الأصليين وما تعرضوا له من عنف على كافة المستويات، نراهم أيضاً يقارنون بينهم وبين شعب فلسطين وممارسات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة على مدار الساعة. وتالياً يقول الداعمون لحقوق السكان الأصليين أن حقوق الإنسان لا تتجزأ، فهي واحدة بين كندا وفلسطين.