ثلاثية المأزق الإستراتيجي الأردني: شريك يتحول إلى «عدو» وحليف ‏أوقف «الإصغاء» وخصم أصبح «ضرورة أمنية»‏

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان ـ «القدس العربي»: ‏ نادراً ما يتحدث رئيس الوزراء الأردني الخبير الدكتور بشر ‏الخصاونة بصورة مباشرة بالشأن السياسي وحصراً المرتبط بالصراع ‏الإسرائيلي الفلسطيني.‏ لكن سلسلة تصريحات أردنية من كبار المسؤولين بدأت تظهر مستوى ‏الاشتباك الذي اضطرت له السلطات الأردنية لمواجهة تداعيات ‏الفوضى التي يغرق الإسرائيلي بها المنطقة، سواء بالقصف الجوي ‏العنيف على أهالي غزة أو بسيناريو التهجير القسري الذي يمكن، وفقاً ‏لقناعة المؤسسات الأردنية، أن يجرب العدو الإسرائيلي نقله للتداول ‏في الضفة الغربية على حدود المملكة.‏ يراقب الأردنيون المشهد بعد إضاءة إشارة الخطر المرتفع.‏
وإزاء جرائم الاحتلال في غزة بدأت تضرب على القرار الأردني ‏الأعباء المفترضة والسريعة والفعالة تحت عنوان شريك السلام الذي ‏يرتكب المذابح في غزة.‏ حالة ضيق واضحة وتصعيد في الخطاب يمكن رصدها في مداخلات ‏الساعات الأخيرة لكل من الرئيس بشر الخصاونة، ووزير الخارجية ‏أيمن الصفدي.‏ الخصاونة.
وعلى هامش اجتماع أعلن فيه بقاء المستشفى الميداني ‏العسكري في غزة، قال الخصاونة إن الصمت ليس خياراً مقبولاً عما يجري، ‏وإن بلاده ترفض التهجير القسري، لا بل تعتبره خطاً أحمر.‏ شدة الاحمرار هنا في المقايسة الأردنية يضبطها إيقاع التداعيات ‏وتدحرجات الأزمة، لكن الوزير الصفدي يحاول الإمساك بالمجتمع ‏الدولي مجدداً وهو متلبس بالازدواجية عندما يطرح سؤالاً محدداً: ‏لماذا لا يعامل المدنيون في غزة مثل نظرائهم في أوكرانيا؟
أغلب التقدير أن الوزير الصفدي يعرف الجواب، لكن ما يوحي به ‏السؤال هو البقاء أردنياً في مربع الضغط الدبلوماسي على المجتمع ‏الدولي، حيث لا أسلحة محددة قادرة على إحداث فارق في المعادلة ‏أردنياً.‏ وحيث الذخائر المتاحة بيد الأردنيين وفقاً لصيغة أوراق يمكن ‏استعمالها في اللحظة المناسبة، كما أبلغ القدس العربي عدة مرات ‏عضو مجلس الأعيان الدكتور محمد المومني، مرتهنة لقاعدتي ‏التوقيت الملائم ثم الحرص وطنياً على الاحتفاظ ببعض تلك الذخائر.‏
عملياً، بالمقابل لا خط الخصاونة الأحمر ولا سؤال الصفدي يمكنهما ‏الإنتاجية إعلامياً في مواجهة الشارع الأردني المحتقن والذي وصلت ‏مناسيب الاحتقان فيه لمستويات غير مسبوقة، ليس فقط بسبب الحرب ‏الإجرامية على المدنيين في غزة.‏ ولكن أيضاً بسبب مخاطر نجاح السيناريو الأمريكي الإسرائيلي ‏المرتبط بتهجير قسري إلى الحدود المصرية تحت عنوان «النجاة ‏وتجنب الموت فقط «.‏
إذا تمكن الإسرائيليون والأمريكيون من صناعة أزمة لجوء جديدة ‏على الخاصرة المصرية، يقول القطب البرلماني خليل عطية لـ«القدس ‏العربي» سرعان ما ستبرز أطماعهم الوحشية بعنوان حسم الصراع ‏وعدم وجود ضمانات لتهجير الفلسطينيين قسراً مجدداً من الضفة ‏الغربية في اتجاه الأردن.‏
تلك في رأي عطية لحظة مواجهة مؤكدة ولم تعد محتملة.‏ المفارقة في المقابل أن الحملات الدبلوماسية والتصعيد اللفظي لا تقدم ‏للشارع الأردني الحائر والذي التهبت مشاعره أي ضمانات بأن لا ‏يحدث الترانسفير لاحقاً قرب الخاصرة الأردنية.‏‏ وهنا حصراً تبرز القناعة الشعبية على الأقل بأن مسوغات الخطاب ‏الأردني السابق لتوفير التشجيع والضمانات لم تعد كافية ليس بسبب ‏قدرات إسرائيل الواقعية ولكن بسبب المخاطر الجذرية الناتجة عن ‏شرعنة برامج اليمين الإسرائيلي في غزة عبر توفير الغطاء ‏الأمريكي لها.‏
وفي الواقع تشخيص مشكلات ما يحصل في غزة أردنياً ومن ‏منطلقات سياسية وسيادية يواجه مأزقاً استراتيجياً هذه المرة، فالأمر ‏لا يرتبط فقط بالإسرائيليين شركاء الماضي، بل بالحلفاء الأمريكيين ‏ومخاوفهم على الكيان بعد معركة الغلاف الشهيرة.‏
وبالنتيجة، يرتبط المأزق وتعقيداته بمساحة المناورة الأردنية ‏المفترضة إزاء تحولات كبيرة صدامية من هذا الصنف إذا ما ‏تدحرجت الأزمة في ظل وقائع الحال، حيث قواعد أمريكية عسكرية ‏مستقرة في الأرض الأردنية وتبعية اقتصادية مالية بالضرورة.‏
وحيث أيضاً، وقد يكون ذلك الأخطر، اعتماد لا يستهان به في الغاز ‏والمياه على الكيان الإسرائيلي ضمن ما وصفه يوماً وزير البلاط ‏الأسبق الدكتور مروان المعشر بأنه خطأ إستراتيجي كبير.‏‏ عملياً، مفاتيح الغاز والمياه بيد الجار الإسرائيلي السيئ، لا بل بيد ‏مجرم إرهابي كما يصفه عطية، وغالبية الشعب الأردني لا يحترم ‏اتفاقاً ويتجه نحو حسم الصراع.‏‏ والأهم نحو تصدير الأزمة وتهجير السكان وتفريغ الأرض وتصفية ‏القضية الفلسطينية.‏
في وجدان غالبية المشاركين في المجالسات السياسية المحلية وفي ‏كل البيانات التي صدرت من الأحزاب وقوى الشارع والنخب تذكير ‏على نحو أو آخر لصناع القرار الأردني بأن السماح بسيناريو وطن ‏بديل لأهالي غزة في سيناء تحت عناوين التهجير واللجوء سيعني ‏فوراً البحث تحت عنوان التكيف والظروف الصعبة مع حالة تهجير ‏مماثلة نحو الحدود الشرقية لفلسطين المحتلة.‏
لا يوجد بعد شيطنة حركة حماس والمقاومة وفي ظل التضليل ‏الإعلامي والسياسي والدبلوماسي الشرس ما يمنع اليمين الإسرائيلي ‏من التأسيس لانقلاب أكثر عمقاً على المملكة الأردنية الهاشمية لاحقاً، ‏الأمر الذي يشكل هاجساً لم يعد من الممكن إنكاره لا على صعيد ‏المؤسسات والنخب ولا على صعيد المؤسسات أيضاً.‏ ولذلك تربط غالبية الأدبيات والتعبيرات بين سيناريوهات التهجير ‏القسري على أكتاف مصر والأردن بصيغة لا يمكن نكرانها اليوم ‏وعلى الأرجح تنبهت لها متأخرة بعد سلسلة خطرة من فلسفة الإنكار ‏للمخاطر المؤسسة الأردنية مما دفع في اتجاه محاولة تخفيف اندفاع ‏الدول الأوروبية بعدما تبين للأردنيين بأن حليفه وصديقه الأمريكي ‏ولعدة أسباب من بينها الانتخابات أغلق خاصية الإصغاء للحكمة ‏والخبرة. ‏
والمأزق، بهذه الحال، سياسي ووطني شعبياً لا يقف عند محطة ‏تشغيل خاصية الهاجس وتوقف إنكار المواقف رسمياً، بل يزداد في ‏التأثير المحلي المباشر تعقيداً من سوء حظ تيار السلام أو ما تبقى منه ‏في دوائر القرار ولسبب واحد بسيط ومستجد هو أن المقاومة ‏الفلسطينية فقط هي التي يؤدي دعمها وإسنادها وصمودها مرحلياً ‏وتكتيكياً لمساندة الأكتاف الأردنية.‏
تلك في حد ذاتها أزمة إضافية تنسخ محلياً أزمة أخرى للصف الرسمي ‏بعنوان: كيفية التعامل في المرحلة اللاحقة مع تنظيم عريض اسمه ‏الإخوان المسلمين يقود الشارع الآن ويساهم في ضبط الاحتقان العام ‏ومؤثر في المعادلة الفلسطينية والمجتمع بمعنى أنه التنظيم الوحيد ‏القادر ولو في المرحلة الحالية أو مؤقتاً على مساندة وتعزيز المصالح ‏العميقة للدولة.‏

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية