الناصرة – «القدس العربي»: نقلت جهات إسرائيلية عن مصادر أمريكية قولها إن الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال لنظيره المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مكالمة هاتفية من داخل طائرته، وهو في طريق عودته من تل أبيب، إن إسرائيل وافقت على دخول 20 شاحنة مساعدات إنسانية أساسية عبر معبر رفح، اليوم الجمعة.
وبيّن مراقبون إسرائيليون أن حكومة الاحتلال تراجعت عن رفضها إدخال دواء للقطاع، نتيجة ضغط أمريكي، موضحة أن” الدفعة الثانية من الإغاثة ستكون مقرونة بتقدم في ملف الأسرى والرهائن”.
يشار أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قد تراجع عن رفضه إدخال المساعدات، وقال إن إسرائيل لا تمانع بدخول مساعدات عن طريق معبر رفح كي تصل للمدنيين في القسم الجنوبي من القطاع. وأكد أنه يرفض إدخال إغاثة من المعابر الإسرائيلية مع القطاع.
في الموازاة، تتوجه أنظار الإسرائيليين الى الحملة البرية المزمع تنفيذها ضد القطاع، وسط تساؤلات في الشارع، لماذا يتم إرجاؤها؟
ويواصل عدد من الجنرالات والمعلقين العسكريين التحذير من مغبة التسرّع في الحملة البرية ومن كلفة باهظة في عدد الضحايا من الجنود، معتبرين أن “العجلة من الشيطان”.
تغيّر تضاريس القطاع
وطبقا لهذه التحليلات، فإن إسرائيل تنتظر نضوج الاستعدادات اللوجستية والعملياتية والتدريبية قبيل شن حملة برية، خاصة أن ملامح وتضاريس القطاع قد تغيرت نتيجة القصف العشوائي، وتحويل أحياء كاملة لأكوام ركام، مما أفقد الخرائط العسكرية الموجودة بيد القادة العسكريين قيمتها.
كما يبدو أن إسرائيل تتريث للتثبّت من نوايا حزب الله وإيران، لأن اندلاع حرب في الجبهة الشمالية رغم تهديدات واشنطن، سيثقل عليها كثيرا.
ويضاف لذلك، ربما، الى الحاجة الإسرائيلية للبحث عن فرصة لمباغتة حماس والجهاد، لأن الضربة المفاجئة لطالما لعبت دورا في ترجيح كفتها في المعارك، وربما أيضا هناك حسابات ترتبط بمصير الأسرى، وهناك الرغبة بمعرفة مكان احتجازهم كي لا يمس بهم، وربما محاولة تخليصهم في عملية خاصة.
وتفسيرا لتحذيرات بايدن، الذي اعتبر احتلال القطاع والبقاء فيه غلطة، قالت محررة الشؤون السياسية في القناة العبرية 12 دانة فايس، إن هذه الخوف الأمريكي يستند ليس فقط لتجربة واشنطن في حروب سابقة فحسب، بل يستند لمعلومات وصلت البنتاغون.
لكن”هناك وزراء في المجلس السياسي الأمني المصغر يدعون لاغتنام فرصة تاريخية لاحتلال غزة وتهجير الغزيين وبناء المستوطنات المفككة داخل القطاع منذ فك الارتباط في 2005″، وفق فايس.
ماذا في اليوم التالي؟
وضمن قراءة دوافع ونتائج وأثمان زيارة بايدن، قال المحلل السياسي الإسرائيلي في موقع “والا” الإخباري براك رافيد، إن الرئيس الأمريكي سأل أعضاء المجلس الحربي المصغر برئاسة نتنياهو عن خطتهم في اليوم التالي بعد انتهاء الحرب على غزة فتلقى جوابا مقلقا مفاده أنه “لا توجد حاليا خطة كهذه”.
وطبقا لرافيد “بايدن لا يعارض عملية عسكرية لتفكيك حركة المقاومة الإسلامية “حماس” لكنه يحذّر من التورّط بالوحل الغزي كما وجدت الولايات المتحدة نفسها عالقة لمدة عقدين في العراق وأفغانستان”.
ويقول بايدن ضمن مقارناته إن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء عندما خرجت في حربين على أفغانستان والعراق تسببتا بضحايا هائلة وبفقدان موارد هائلة وانتهتا بعد نحو 20 سنة من دون مكاسب تقريبا.
يشار الى أن بايدن قال في خطابه قبيّل مغادرته البلاد، إنه أكد خلال اللقاء بالقيادات الإسرائيلية، إنه ينبغي طرح أسئلة كثيرة وتحديد أهداف الحرب بشكل جلي والتثبت بدقة من مدى قدرة الخطوات التي تنفذ على تحقيق هذه الأهداف.
على غرار مراقبين إسرائيليين آخرين كثر يقول رافيد إن “إدارة بايدن لا تعارض استمرار العدوان على غزة، مثلما أنها لا تعارض حملة بريّة ربما تنطلق خلال أيام، لكن بايدن ومستشاريه يحذّرون علانية وسرا من أن المسافة قصيرة بين حملة برية على غزة وبين احتلالها من جديد والتورّط بأوحالها”.
ووفق رافيد فإن زيارة بايدن تاريخية بل نقطة ذروة غير مسبوقة في اصطفاف الولايات المتحدة الى جانب إسرائيل في حربها على حماس، لافتا الى عدم اكتفائه برفع معنويات الإسرائيليين المصابين بـ “هلع الحرب” بل تقديمه مساعدات عسكرية ومالية سخية، علاوة على دفعه ببوارج عسكرية الى البحر المتوسط، ربما تحول دون اتساع دائرة الحرب.
حرب قد تطول سنوات
رافيد المعروف بمناهضته لحكومة نتنياهو التي هاجمت إدارة بايدن عدة مرات يقول إنه من حظ الإسرائيليين أنه رافق العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية في الخمسين سنة الأخيرة، وأنه قد سمع وشاهد كل شيء ولم يكترث بالحكومة الإسرائيلية التي وصفها بالأكثر تطرفا، لأن مستقبل إسرائيل يهمه أكثر من حكومتها.
ويتابع “كل من اعتقد أنه بالإمكان التخلص من الأمريكيين واهم، ففي هذه الأزمة الأكبر بتاريخ إسرائيل اكتشف الإسرائيليون كم هي كبيرة تبعية إسرائيل للولايات المتحدة ولأي مدى هي عكازتها الأمنية.”
ويخلص للقول إنه من شأن هذه الحرب أن تعزز أكثر العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل، ولكن في اليوم التالي بعد انتهائها فإن ما كان لن يكون.
ويضيف: “قدرة رؤساء الحكومة الإسرائيليين على صد ضغوط واشنطن بالتأكيد ستتقلص”.
وفي سياق الحديث عن مستقبل وجدوى ومخاطر الحرب، تقول تسريبات صحافية عبرية إن الجانب الإسرائيلي أبلغ الجانب الأمريكي في الاجتماعات المغلقة أن الحرب على غزة ستكون طويلة الأمد” وقد تستغرق سنوات”.
يحرسنا من حزب الله
وضمن قراءة نتائج زيارة بايدن يتفق مع رافيد أيضا محلل الشؤون السياسية في القناة العبرية 13 نداف أيال بقوله إن الأمريكيين يخشون من الدمج بين قدرات إسرائيل العسكرية القاتلة وبين الشعور بفقدان الثقة بالنفس، مثلما أنهم يخشون أن تقود إيران الى حرب إقليمية مما يجعل الإسرئيليين بحاجة للسيطرة والتحكم، معتبرا أن محبة الولايات المتحدة لإسرائيل حقيقية لكنها أيضا أدواتية.
وينقل عن ضباط كبار قولهم إن نتنياهو ورغم تحسن أدائه وخروجه من الصدمة خلال الأسبوع الأول، فإنه فقد بعض ثقته بنفسه وبريق عينيه.
ويتابع “جو بايدن الأخ الأكبر الرصين يبدو أكثر يقظة وحدة، والإسرائيليون اليوم بحاجة للشعور بالثقة والأمان خاصة أنهم لا يثقون بحكوماتهم الأخيرة منذ سنوات حتى جاءت عملية طوفان الأقصى وزعزعت ثقتهم بالجيش أيضا، وهذا لا ينكره رئيس هيئة الأركان”.
ووفق أيال فإن رئيس حكومة الاحتلال الراحل أرئيل شارون كان يكرر مقولته بأنه على إسرئيل أن تدافع عن نفسها بنفسها، ولكن نتنياهو يتصرف اليوم بطريقة مغايرة، ويبدو أنه مشتاق لأن تكون إسرائيل الولاية الأمريكية الواحدة والخمسين، وهذا منوط بثمن رمزي وجوهري.
ويعتبر أيال أن زيارة بايدن حيوية جدا بتوضيحه للمنطقة أنه خلف إسرائيل تقف الولايات المتحدة، وأن مئات الملايين فيها لتدمير الدولة اليهودية غير وارد.
ويتابع “كما برأ بايدن إسرائيل من ارتكاب مذبحة في المستشفى المعمداني لكن عناق الدب هذا له شروط، فإسرائيل منذ اليوم يفترض أن تضغط على حماس دون أن تسبب كارثة إنسانية داخل غزة”. وبين أن الولايات المتحدة تشعر أن حليفتها تتذبذب وتخشى من لقاء فقدان الثقة والقوة العسكرية لدى إسرائيل، مثلما يقلقون أيضا من إمكانية قيام طهران أو بيروت بحسابات خاطئة مما يفضي الى حرب إقليمية لها تداعيات دولية ولذا فإن هؤلاء الحلفاء بحاجة للسيطرة.
ويتابع أيال:”صداقة الولايات المتحدة حقيقية لكنها أدواتية. هذا هو السبب في أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يشارك في اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي”.
وبين أن “إرسال واشنطن لحاملتي طائرات الى المنطقة لا يأتي للدفاع عن إسرائيل من أعدائها، بل لتحميها من نفسها، ومن أخطاء، ربما يرتكبها قادتها السياسيون والعسكريون وكافتهم قد فشلوا”.