بيروت ـ «القدس العربي»: أسبوعان مرّا على عملية «طوفان الأقصى» وعلى تبادل المناوشات والردود العسكرية المدروسة على جبهة الجنوب اللبناني فيما لا يزال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله غائباً عن المشهد وصامتاً. وكثرت التحليلات حول خلفيات هذا الغياب وهذا الصمت في وقت كان نصرالله يطل للتعليق على قضايا أقل أهمية بكثير منها على سبيل المثال موضوع الشذوذ الجنسي.
وإذا لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلتزم فيها نصرالله الصمت إلا أنها المرة الأبلغ، وسبق لنصرالله نفسه التزم الصمت في شهر آذار/مارس الفائت عندما تحدثت إسرائيل عن قتل شخص في الشمال كان يحمل حزاماً ناسفاً واشتبهت بارتباطه بحزب الله. وأوضح نصرالله في حينه «أن الصمت جزء من معركة سياسية وإعلامية ونفسية وعسكرية مع العدو، وهذا الصمت ينمّ عن حكمة وهو يربك العدو، وأحياناً يكون التعليق بعدم التعليق».
وينطلق مقربون من حزب الله من كلام نصرالله السابق ليتبنوا نظرية أن صمت السيد نصرالله هو جزء من المعركة وجزء من الغموض الاستراتيجي، وأن أي اطلالة ستكون مرتبطة بحصول تطور كبير إما على صعيد جبهة غزة أو على صعيد المنطقة وجنوب لبنان. ويقول هؤلاء إن صمت أمين عام حزب الله يربك حقيقة إسرائيل التي لا تطمئن إلى مجريات المعركة وهذا يفسّر ما تعيشه المستوطنات الإسرائيلية بالقرب من الحدود اللبنانية من هلع وخوف وهذا ما حمل جيش الاحتلال على توسيع الشريط الحدودي حتى 5 كيلومترات وطلب إخلاء كريات شمونة من سكانها.
مناوشات مدروسة
وإذا كانت الجبهة الجنوبية تقتصر لغاية تاريخه على مناوشات وردود مدروسة من طرفي النزاع، فإن متابعين للتطورات الجنوبية يربطونها بقولهم إن حزب الله الذي يقدّر أوضاع لبنان المتردية والأزمات التي تعانيها بيئته الحاضنة كما باقي البيئات اللبنانية، والواقع السياسي والشعبي غير الملائم وغير المؤيد لدخوله في أي حرب مع إسرائيل يأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات ويتجنّب الانزلاق إلى فتح الجبهة بشكل واسع، خصوصاً أنه يدرك حجم الاستنفار الدبلوماسي من أجل تهدئة الوضع في الجنوب وتصله أصداء الرسائل القاسية التي يحملها موفدون دوليون ومن بينهم وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا والسفيرة الأمريكية في بيروت دوروثي شيا التي قطعت اجازتها وعادت إلى لبنان لتبلغ المسؤولين اللبنانيين وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه لا يكفي أن يطلب لبنان الرسمي من حزب الله عدم الانجرار إلى حرب بل عليه أيضاً منع الفصائل الفلسطينية وخصوصاً حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» من استخدام أراضيه لاطلاق الصواريخ. غير أن لبنان الرسمي ولاسيما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لم يستطع التعهد للموفدين الدوليين بأي شيء في ظل امتناع حزب الله عن إعطاء أي ضمانات، ما يجعل الزوار الأجانب يغادرون خالين الوفاض عما ستحمله المستجدات من سيناريوهات.
وفيما نصرالله غائب عن المشهد، يُكثر قياديو حزب الله من اطلالاتهم للرد على التهديدات للحزب ولبنان بتهديدات مماثلة، في وقت علّق أحد قياديي القوات اللبنانية ريشار قيومجيان على الهتافات التي يطلقها مناصرون لحزب الله ومحور الممانعة للتحرك بقولهم: «ميشان الله…يا سيّد يللا» فتوجّه قيوميجيان لنصرالله قائلاً «أمِط اللثام عن الكذبة الكبيرة ماذا تنتظر؟ ساند غزة وابدأ بتحرير القدس وفلسطين، وإما أوقف مناوشات رفع العتب في الجنوب واترك الجبهة للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل» وأضاف «الحياد ينقذ لبنان، ومشروع الدولة القوية يقيه شر المحاور. وإلا هي إسرائيل أمامك والخراب وراءك».
إلا أن أحد نواب حزب الله يردّ على من يسأل عن سبب عدم انغماس الحزب في الحرب لغاية الآن بالقول «إن قيادة حزب الله تمتلك الحكمة والشجاعة والجرأة، والمقاومة تعرف ما عليها أن تقوم به ولا تؤخذ بالتهديدات ولا بالانفعالات وتضع كل السيناريوهات أمامها، وعندما يحين الوقت تأخذ الموقف اياً كان ولا تتصرف إلا من قناعاتها، وتنظر إلى هذا الصراع على أنه صراع الأمة ونحن معنيون به وكل العرب». ويضيف «انطلاقاً من رؤيتها الاستراتيجية تأخذ المقاومة الخيارات المناسبة سواء في الدفاع عن بلدها أو في تعاطيها مع الجريمة الكبرى للعدو الصهيوني الذي يعرف ان ما حدث في طوفان الأقصى يؤلمه وما يحدث هنا في الجنوب يؤلمه. وهو يعرف أن دباباته أصبحت مقابر لجنوده وأن المقاومة فقأت عيون قواه».
رهن الميدان
وفي اعتقاد أوساط قريبة من فريق الممانعة أن حزب الله دخل فعلياً في الحرب انطلاقاً من جبهة الجنوب التي لم تعد هادئة كما كانت قبل عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول/أكتوبر، إنما السؤال هو متى تتوسّع هذه الحرب؟ وهذا أمر رهن بالميدان وبتخطي إسرائيل الخطوط الحمراء سواء من خلال هجوم بري أو من خلال دفع شعب غزة إلى تهجير قسري. ولكن طالما أن حركات المقاومة الفلسطينية صامدة وما زالت تقاتل بعد تحقيقها انتصاراً ساحقاً فلا يجد حزب الله نفسه مضطراً لتوسيع رقعة ومدى المواجهات إلا في حال إنغماس الولايات المتحدة الأمريكية في المواجهة وطلب إيران فتح الجبهة الجنوبية على مصراعيها.
ويبدو حزب الله مطمئناً إلى قوة «حماس» وقدراتها العسكرية لمواجهة أي مغامرة إسرائيلية بالدخول البري إلى قطاع غزة وإلى عدم قدرة تل أبيب على تنفيذ مشروع «نكبة» جديدة نظراً لمواقف مصر والأردن والسعودية الرافضة أي «ترانسفير» خارج غزة ونظراً لرفض «حماس» أي بحث في مثل هذا الخروج من غزة.
كل هذه المعطيات يأخذها أمين عام حزب الله بالحسبان ويراقب بصمت مجريات المعركة، ويتروّى قبل أي مجازفة مدركاً أن أي انزلاق من قبل حزب الله في حرب مفتوحة ستكون له تداعيات كبرى على لبنان المنهار اقتصادياً ومالياً واجتماعياً والذي لن يكون في مقدور دولته وأبنائه ولاسيما البيئة الشيعية تحمل التكلفة الباهظة لمثل هذه الحرب في غياب أي دعم عربي ودولي وفي ظل موقف المعارضة الرافض تحويل لبنان ساحة صراع ووقوداً لحساب مصالح دولة أخرى على الرغم من تضامنها وتعاطفها الكبير مع القضية الفلسطينية.