هيرمان هسه: «بوذا» الأدب الألماني

حجم الخط
0

هيرمان هسه في رواياته وقصصه العديدة، يؤكد الحكمة الدفينة في أرض اليقين وثمة تمجيد للموسيقى، ففي روايته «سيد هارتا» نجد الكاتب الألماني هسه الحائز جائزة نوبل عام 1946، يحتفي بالحكمة في طريق البحث عن الذات، وفي سرده تأتي الحكمة المأثورة على ألسنة شخوص الرواية ولاسيما بطلها سيد هارتا، الباحث عن التنور دون الله، وقد وصل بطل الرواية في آخر المطاف، إلى تعاليم بوذا الحكيم، فقد رأى بوذا أن كل وجود هو ألم، والألم ينشأ من الشهوة، أو الرغبة الشديدة والانقطاع عن الشهوة يعني، نهاية الألم.
وفي قصته «أحلام الناي» نجد أيضاً، أن الحكمة تتألق في سرده القصصي كما أن الموسيقى في رأيه، هي أعظم ابتكار للإنسان، ولولا الموسيقى لكنّا، موتى نسير في حياة مليئة بالألم. وفي هذه القصة، نجد الكاتب قد جعل الموسيقى إرثاً للإبداع يتنقل من جيل إلى جيل، حيث نقرأ في افتتاحية قصته هذه، قوله على لسان الراوي: أبي قال لي وهو يناولني ناياً صغيراً من العاج، «إليك هذا، خذه ولا تنس والدك العجوز عندما تسري عن الناس بعزفك في بلاد غريبة». ويحتفي أدب هيرمان هسه بالطبيعة أيضاً، بالإضافة إلى الحكمة والتأمل كقوله: على كل إنسان، أن يكون قادراً على فعل شيء، أياً كان».
أما روايته «لعبة الكريات الزجاجية» التي هي آخر كتاب له، فيمكننا القول بأنها كتاب يكتظ بالفلسفة والثقافة والتاريخ والحكمة.. وجدير بالذكر أن الشخصية الأساسية في هذه الرواية هي شخصية (يوزف كنشت) الذي تؤرخ له الرواية بأنه سيصبح أستاذاً للموسيقى في كل الإقليم المسمى باسم «كاستاليا»، في الحقيقة لا نجد دراما مشوّقة حيث يجري السرد هادئاً بطيئاً ولكنها رواية مليئة بالأفكار، كما أنها تمجّد الموسيقى، وكأنها أول معجزة للإنسان، حيث نجد الصبي الموهوب (يوزف كنشت) يقوم بالعزف مع معلمه الرجل المسن، عازف البيانو. هكذا نجد الحكمة والتأمل وتقديس الموسيقى والانسجام مع الطبيعة، وأيضاً الفلسفة والفكر والعقل هي من سمات أدب هيرمان هسه عموماً. ويمكننا القول إن كتابات هسه غير بعيدة عن الثقافة الصينية، مثلما هو شغوف بالثقافة الهندية، ونراه كالهارب من الروح الغربية المادية، أو أنه سعى لإضفاء شيء من الحكمة والمشاعر التي تتجه إلى داخل الإنسان وبالتالي نجد الموسيقى والغناء من أهم تقنيات معالجة الروح المنهكة في حياة الغرب التي جعلت الإنسان وكأنه رقم من الأرقام المجرّدة التي لا حياة فيها.
أخيراً ومن نافل القول، إن هيرمان هسه، كتب إلى جانب الرواية، القصائد الشعرية الزاخرة بالحكمة والرؤى الصائبة، حيث نقرأ له في قصيدته: خير للإنسان أن يموت على يد الفاشيين من أن يتحول هو إلى أحد الفاشيين».
في أعماله نراه يخلق ما يشبه جمهورية أفلاطون من حيث حكم الفلاسفة والحكماء. كما نجده يخلق اليوتوبيا في شخوصه المبدعين في دنيا الموسيقى والعزف والغناء الذي يوسم بطله القصصي في رواياته وأشعاره

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية