غيورا آيلند
الجدال الدائر حول استجابة إسرائيل للمطالب الدولية حول السماح بإدخال الوقود إلى غزة يعكس مواجهة مبدئية بين إسرائيل والولايات المتحدة في موضوع الرواية الصحيحة.
حسب الرواية الأمريكية، في غزة جماعتان من الناس: الأولى هي مقاتلو حماس الإرهابيون، ولهذا فهم أبناء موت. أما الأخرى فينتمي إليها معظم الناس في غزة، وهم مدنيون أبرياء يعانون دون ذنب اقترفوه، ولذا من واجب إسرائيل ليس فقط الامتناع قدر الإمكان عن المس بهم، بل أيضاً التخفيف عنهم.
الرواية الأخرى، والأصح، هي: إسرائيل لا تقاتل ضد منظمة إرهاب، بل ضد دولة غزة. دولة غزة بالفعل تقودها حماس، وهذه المنظمة نجحت في تجنيد كل مقدرات دولتها، من حيث تأييد معظم سكانها وولاء مثقفيها المدنيين لزعامة السنوار، مع تأييد لأيديولوجيته. بهذا المفهوم، باتت غزة شبيهة جداً بألمانيا النازية، التي فيها وقع إجراء مشابه أيضاً. ولما كان هذا وصفاً دقيقاً للوضع، فمن الصحيح إذاً إدارة القتال بما يتناسب مع ذلك.
إن الحرب بين الدول لا تحسم فقط بالصراع العسكري، بل أيضاً من خلال قدرة طرف ما على كسر منظومة الخصم، وقدرته الاقتصادية؛ لأن توفير الطاقة له أهمية كبيرة. لقد نبع انهيار ألمانيا في بداية 1945 أساساً من فقدان حقوق النفط الألمانية. ومن اللحظة التي فقدت ألمانيا وقود طائراتها ودباباتها، حسمت الحرب.
محظور بالتالي على إسرائيل أن توفر للطرف الآخر أي قدرة تمدد طول نفسه. وأكثر من ذلك، نروي بأن السنوار شرير لدرجة أنه لا يهمه إذا ما مات مواطنو غزة كلهم. مثل هذا العرض ليس دقيقاً، إذ من هن النساء الغزيات “المسكينات”؟ إنهن أمهات القتلة وأخواتهم ونساؤهم. من جهة، هن جزء من البنية التحتية الداعمة للمنظمة، ومن جهة أخرى إذا ما شهدنا مصيبة إنسانية، فينبغي الافتراض بأن قسماً من مقاتلي حماس والقادة الأصغر سيدركون بأن هذه الحرب عديمة الجدوى، وأن الأفضل أن يمنعوا أي أذى عن أبناء وبنات عائلاتهم.
إن سبيل الانتصار في الحرب بسرعة أكبر وبثمن أقل علينا، يفترض انهيار منظومات الطرف الآخر وليس قتل مزيد من مقاتلي حماس. الأسرة الدولية تحذرنا من مصيبة إنسانية في غزة ومن أوبئة قاسية. محظور علينا أن نخاف ذلك، مع كل المصاعب التي ينطوي عليها الأمر. فالأوبئة القاسية في جنوب القطاع ستقرب النصر وستقلل المصابين في أوساط جنود الجيش الإسرائيلي. ولا، هذه ليست وحشية لذاتها، لأننا لا نؤيد معاناة الطرف الآخر كهدف، بل كوسيلة. للطرف الآخر إمكانية وقف المعاناة إذا ما استسلموا. السنوار لن يستسلم، لكن ليس هناك ما يدعو قادة كتائب حماس في جنوب القطاع بألا يستسلموا حين يفقدون الوقود والمياه، وحين تصل الأوبئة إليهم أيضاً، وحين يزداد الخطر على حياة بنات عائلاتهم. مطلوب من الكابينت الإسرائيلي أن يبدي تصلباً أكبر تجاه الأمريكيين والقول بالآتي: ما لم يعد كل المخطوفين إلى إسرائيل، لا تتحدثوا معنا عن الجوانب الإنسانية.
ونعم، نؤمن بأن الضغط الإنساني وسيلة مشروعة لزيادة الاحتمال لأن نرى المخطوفين على قيد الحياة. لكن محظور، ببساطة محظور تبني الرواية الأمريكية التي “تسمح” لنا أن نقاتل فقط ضد مقاتلي حماس بدلاً من أن نقوم بالأمر الصحيح، ألا وهو القتال ضد كل منظومة الخصم، لأن انهيارها المدني سيقرب نهاية الحرب. عندما يقول المسؤولون الإسرائيليون “إما نحن أو هم” فمن الصواب تأكيد السؤال من هو “هم”. إن “هم” ليسوا فقط هم مقاتلو حماس الذين يحملون السلاح، إنما كل الموظفية “المدنية”، بما في ذلك مدراء المستشفيات والمدارس، ونعم، أيضاً كل السكان الغزيين الذين أيدوا حماس بحماسة وهتفوا في ضوء أفعال الفظاعة التي وقعت في 7 أكتوبر.
يديعوت أحرونوت 19/11/2023