الرباط – «القدس العربي»: حضرت فلسطين كوجع وجرح وأفق مفتوح على الأمل، في أمسية مراكشية دافئة (نسبة إلى مدينة مراكش)، ونشطها شعراء وإعلاميون مغاربة خصصوا الاحتفاء باليوم الوطني للإعلام، لـ «فلسطين في المتخيل الشعري»، ضمن «محاورات» دار الشعر التي أشرعت أبواب القصيدة على «انجراحات اللحظة» محاولة جبر «شعرية الانكسار».
الإعلاميون الشعراء الذين أشعلوا شمعة الشعر من أجل فلسطين، هم حفيظة الفارسي، وعبد الحق بن رحمون، إلى جانب حضور البحث الأكاديمي في شخص الشاعر أحمد محمد بنيس، وكل هذه الأسماء الوازنة طرحت أسئلة القلق والغياب على ثيمات النصوص، فيما استعادت فقرة محاورات حضور فلسطين، في المتخيل الشعري المغربي والعربي.
الورقة التي تلقت «القدس العربي» نسخة منها، نقلت نبض الأمسية ونبض شعراء مهنتهم الإعلام وهويتهم الإبداع، حيث تقاسموا «أسئلة الشعر وشغف عوالم الصحافة الثقافية، خطوا قصائدهم في ليلة الشعر وفلسطين».
وتوزعت عناوين القصائد التي لامست الجرح وحاورت الأمل بأمل، بين «هدنة قبل الرصاصة»، و«خوذة بنصف رأس»، و«من أملى فكرة القمصان»، و«قبل أن تندلع الحرب»، و«روحان في جسم واحد»، وقصائد أخرى شكلت «ديوان ليلة سمتها شعرية الانكسار والغياب، واستعادة للحظة راهنة بكل التباساتها، حيث يشكو الشاعر غربة الإنسان الى العالم.» أول إطلالة في الأمسية الشعرية التي لبست الكوفية الفلسطينية، كانت للباحث الشاعر أحمد محمد بنيس، الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية والمتوج بجائزة الديوان الأول لبيت الشعر في المغرب، وخصص مداخلته للحديث عن حضور «فلسطين في المتخيل الشعري».
كانت لحظة انصات للذاكرة الشعرية الجماعية، ولـ«أم القضايا العادلة فلسطين، في وقت ترتبط فيه أصوات الشعراء في العالم بالقضايا العادلة»، وكانت «العودة الى زخم شعري ثري ولحفريات هذا الحضور في شعرنا المغربي، ابتداء من (رثاء بلفور) لعبد الله كنون، ونصوص محمد العربي الأسفي وشاعر الحمراء وأحمد المجاطي وجيل الستينيات والسبعينيات انتهاء بالجيل الثمانينيات والتجربة الشعرية الجديدة.»
وبالنسبة لصاحب مداخلة «فلسطين في المتخيل الشعري»، فإنه «على مدار عقود طويلة، ظلت فلسطين حاضرة بقوة في المنجز الشعري المغربي، في تقاطع مع العديد من القضايا والعوامل، وظلت فلسطين شعارا للتحرر ببعدها الإنساني.»
وركز الباحث بنيس «على بعدي الذاكرة، على مستوى الأجيال، الشعرية والشخصية. فيما تحولت هذه الصورة لفلسطين، مع الأجيال الجديدة ومع لحظة فلسطينية فارقة (الانتفاضة)، الى ربطها بمستوى ثالث إذ يبزغ الوازع الأخلاقي. هذا المعطى الجديد، وعلى ضوء الأحداث الأخيرة، يؤشر على عودة لصورة فلسطين في المتخيل الشعري وفق خيارات فنية جديدة.» وجاء الدور على الصوت الشعري ليصدح في أمسية فلسطين بمراكش، «وقرأ كل من محمد أحمد بنيس، وحفيظة الفارسي، وعبد الحق بن رحمون قصائدهم، من معين هذا الوجع». ليقول بنيس: إنه «سيفقد الراوية ذاكرته/ قبل أن تغرب الشمس، / وسينهض أحدهم من بين السطور، / ليروض الكرسي الجافل. / الجثثُ والخيل والأفكار غير الرائجة، / والتجارب التي حملها الموتى/ حين تسللوا بلا خيال…/ كل هذا، أضعه جانبا / وأنهر آخر من في المشهد».
أما الشاعرة حفيظة الفارسي، فترى «تلك الخوذات بنصف رأس»، حيث «الجنود العائدون من الحرب هذا الصباح، بلا خوذات/ غرسوا ظلالهم في الرمل/ بلا أضواء، / أو جزمات، / أو نياشين. / مروا/ ولم يلقوا التحية/ قال الصبي وهو يفرك عن عينيه ضباب حلم طويل/ ثم عاد الى حضن أمه/ قطف نجمتين، / ونام.».
وعن فاجعة الغياب، اختار الشاعر عبد الحق بن رحمون، من ديوانه «برزخ الأصفياء» قصائد عن شعرية الوجع. من قصيدته 30 أكتوبر 2020 يستعيد صورة الأب قائلا: «في جمعة مات أبي/ بكيت… وبكيت/ ناديت الله ملء السمع والبصر/ انهار جسدي، / وتحت شجرته/ صعدت مني أغصان تلو الأغصان/ تجفف دمعي وتقويني». لتواصل دار الشعر بمراكش، ضمن موسمها الثقافي والشعري السابع، الانفتاح على تجارب وحساسيات وأجيال القصيدة المغربية الحديثة. برامج منفتحة دوما على سلسلة من المبادرات والبرامج والفقرات الجديدة.. وهي تفتح كوة على الأمل في المستقبل.