بعد مرور 50 يوما على الحرب الدائرة في قطاع غزة، تستمر مختلف التقييمات وعلى رأسها إعلان غالبية الآراء المنطقية بفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة، وعلى رأسها القضاء على المقاومة الفلسطينية، بل جرى فتح النزاع على أبعاد خطيرة ومقلقة تتجاوز الحدود الجغرافية نحو مشاركة لاعبين جدد وعلى رأسهم الحوثيون.
ومن خلال تقييم هذه الحرب بعد مرور خمسين يوما، فقد أسفرت عن نتائج لا تصب في مصلحة الكيان الصهيوني، بل تشكل منعطفا للقضية الفلسطينية من حيث تحقيق مكاسب لم تكن منتظرة، على الرغم من همجية الكيان بقتل أكثر من 15 ألف فلسطيني. وهكذا، يحاول التيار الصهيوني في العالم العربي، الذي زرعته مخابرات الموساد في مختلف وسائل الإعلام والهيئات السياسية من دول الخليج والشرق الأوسط وشمال افريقيا في محاولة تمرير أطروحة مفادها، أن نسبة الضحايا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول غير مبررة، وتتحملها حركة حماس لأنها تغامر بحياة الفلسطينيين.
حتى الأمس القريب، كان العالم قد نسي القضية الفلسطينية، لكن فجأة وبعد 7 أكتوبر عادت القضية لتحتل واجهة الأحداث العالمية وتحدث زلزالا حرك كل حكومات العالم
تجد مثل هذه المقالات موقعة من إعلاميين، خاصة الذين هم امتداد لفكر وأساليب الموساد في العالم العربي، وليسوا لا بخبراء ولا بمفكرين لديهم رؤية مستقلة تنتقد حماس ولكن من دون الدفاع عن جرائم الكيان الصهيوني. لم يتساءل هذا الطابور الخامس عن أن ارتفاع الضحايا في هذه الحرب يعود إلى همجية جيش الاحتلال الذي مارس «حرب الجبناء»، وهي مرادف قصف الأحياء المدنية والمستشفيات وقتل الأطفال والنساء تجاوزا على القانون الدولي. وارتفعت أصواتهم فقط في هذه المناسبة التي تكبدت فيها إسرائيل خسائر، بينما إسرائيل تقتل وتشرد منذ عقود. إن هزيمة التيار الصهيوني العربي الذي كان قد بدأ يتبلور ويتغلغل وسط المجتمع العربي هو من النتائج الكبرى لأحداث 7 أكتوبر. في الجانب العسكري، إذا كان 7 أكتوبر قد شكل نكسة جديدة للجيش الإسرائيلي بعد نكسة يوليو/ تموز 2006، فقد أظهر هذا الجيش محدوديته في القضاء على المقاومة المسلحة الفلسطينية. فمن جهة، فشل في ضرب القادة الكبار، ومن جهة أخرى لم ينجح في ضرب العصب العسكري للمقاومة، سواء الأنفاق أو التسليح. وعليه، سيتعايش جيش الكيان مع هذا الكابوس طالما استمر النزاع، لأن القضاء النهائي على المقاومة يعني شن حرب تتطلب سنوات مع فاتورة ضحايا خيالية في صفوف الطرفين. ويوجد إجماع وسط الخبراء العسكريين، أنه لولا المشاركة العسكرية الغربية، خاصة الأمريكية، لما نجح الجيش الإسرائيلي في التقدم نحو مناطق في غزة. فقد شاركت طائرات استطلاع غربية، خاصة الأمريكية وكذلك أقمار اصطناعية في توفير معطيات الميدان المباشر لشن القصف. وفتحت دول غربية ودائما الولايات المتحدة وكذلك ألمانيا وبريطانيا مخزونها من القنابل والصواريخ والقذائف للجيش الإسرائيلي، لكي يحافظ على مستوى همجي من القصف.. وألقى جيش الاحتلال ما بين 15 أكتوبر إلى 20 نوفمبر/تشرين الثاني ما يفوق القنابل والقذائف التي استعملت في الحرب الروسية – الأوكرانية مع الفارق في المساحة ونسبة الساكنة والجيش بين الحالتين. عسكريا دائما، لم تكن إسرائيل ومعها الغرب ينتظرون دخول أطراف أخرى بشكل لافت مثل حالة الحركة الحوثية التي تجاوزت ما هو جغرافي بمفهوم الجيران، لتشارك في هذه الحرب عبر ضرب أراضي الكيان خاصة في إيلات واعتراض سفنه في البحر الأحمر. ومعطى الحوثيين، لم يحصل على ما يستحق حتى الآن من الدراسة والتحليل، على الرغم من خطورته مستقبلا.
وعلى المستوى السياسي دوليا، بدأت القضية الفلسطينية تتحول مجددا إلى ملف يصنع الخريطة الجيوسياسية بسبب اختلاف المعالجة بين الأقطاب الكبرى. فمن جهة، يوجد الغرب ونواته المتطرفة التي ترى في هذا الملف أداة لمزيد من تشتيت العرب والمسلمين ومنع الوحدة، تماشيا مع روح الحروب الصليبية واتفاقيات سايس بيكو. وتوجد هذه النواة في معظم الدول الغربية وأساسا الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. وهي النواة التي رفضت هدنة إطلاق النار في البدء لكي تفسح لإسرائيل قتل المزيد. ومن جهة أخرى، توجد دول البريكس التي تعلن عن رغبتها في المشاركة في حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، بل ترى في الملف جسرا حقيقيا نحو إرساء خريطة جيوسياسية تبرز عالما متعدد الأقطاب بسبب الطابع العقائدي للقضية الفلسطينية. لقد كانت تصريحات بكين وموسكو دالة للغاية في دعم الفلسطينيين، وتطوع عضو من البريكس وهو جنوب افريقيا للمشاركة في دعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم ضد الإنسانية. في ظرف قليل، لن يبقى الملف مقتصرا على الغرب، بل ستحضر بصمات البريكس للبحث عن الحل. وكان وزير خارجية واشنطن أنتوني بلينكن قد طالب من بكين الضغط على إيران لكي تضغط على حزب الله لتفادي توسيع رقعة الحرب، وهذا اعتراف بالدور الصيني أو البريكس.
الرأي العام الدولي: ويبقى المكسب الكبير الذي حققته الحرب الحالية هو التغيير الحاصل لدى الرأي العام العالمي بشأن القضية الفلسطينية. فقد أعادت أحداث 7 أكتوبر الى واجهة الاهتمام لدى الرأي العام الدولي بما في ذلك العربي. عربيا، كان التيار الصهيوني العربي قد بدأ ينجح في جعل القضية الفلسطينية في الهامش، لكن فجأة عادت بقوة بما في ذلك الدول المطبعة مع إسرائيل، لكن المنعطف هو ارتفاع التعاطف في الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة مع القضية الفلسطينية. فنحن أمام نهاية مرحلة وبداية أخرى ستكون لها انعكاسات سلبية على إسرائيل وإيجابية على فلسطين. حتى الأمس القريب، كان العالم قد نسي القضية الفلسطينية، لكن فجأة وبعد 7 أكتوبر عادت القضية لتحتل واجهة الأحداث العالمية وتحدث زلزالا حرك كل حكومات العالم أكثر بكثير من الحرب الروسية -الأوكرانية. وهذا أكبر مكسب تاريخي للقضية حتى الآن أمام همجية الاحتلال ومؤيديه في الغرب.
كاتب مغربي