الرباط – «القدس العربي» تنفس المغرب الصعداء بعد اطلاعه على مسودة تقرير حول تطورات النزاع الصحراوي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة المقدم لمجلس الأمن الدولي والذي يشكل أرضية القرار الذي يصدره المجلس نهاية الشهر الجاري بعد أربعة اجتماعات تشاورية تبدأ يوم الخميس القادم.
كان المغرب يخشى من تكرار سيناريو سنتي 2013 و2014 بالتوصية بتوسيع صلاحيات قوات الأمم المتحدة المنتشرة بالصحراء الغربية (المينورسيو) لتشمل مراقبة حقوق الإنسان والتقرير بها لمجلس الامن، خاصة ان أصوات عديدة دولية (رسمية وأهلية) تجندت خلال الأسابيع الماضية للضغط على الأمانة العامة للامم المتحدة للذهاب في هذا الاتجاه، خاصة الاتحاد الأفريقي الذي وجه مذكرة رسمية بذلك.
وتوسيع صلاحيات المينورسيو، بالإضافة إلى انها خارج اطار الاتفاق بين المغرب والامم المتحدة حول نشر هذه القوات ودورها، تقلص من السيادة المغربية على المنطقة المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو والتي يعتبرها المغرب جزءا من ترابه الوطني، ويعطي هامشا واسعا للجبهة ومؤيديها للنشاط والدعوة للانفصال الذي تسعى اليه منذ استرداد المغرب للصحراء من إسبانيا 1976.
إلا ان عدم توصية تقرير با كي مون بتوسيع صلاحيات المينورسيو لا يعني انه لم يذهب باتجاه مراقبة دولية لحقوق الإنسان بالمنطقة المتنازع عليها وترك ذلك بضبابية للمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للامم المتحدة.
تقرير بان كي مون الذي وزع بشكل غير رسمي يوم الجمعة الماضي وينشر رسميا يوم الخميس القادم جدد الدعوات إلى «تحسين التعاون» في مجال حقوق الإنسان خصوصا من خلال تسهيل زيارات خبراء الأمم المتحدة إلى الصحراء، وقال بان «من الضروري معالجة جميع ثغرات حماية حقوق الإنسان والقضايا الأساسية لحقوق الإنسان في حالات الصراع الذي طال أمده… سيسهم ذلك في خلق بيئة إيجابية لعملية التفاوض».
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن «الحرمان المتزايد في صفوف الصحراويين وتمدد الشبكات الإجرامية والمتطرفة في منطقة الساحل – الصحراء تمثل مخاطر متزايدة على استقرار وأمن المنطقة»، مؤكدا على أن تسوية في الصحراء «ستؤدي إلى تقليص هذه المخاطر».
وأشاد بـ «الإجراءات الإيجابية التي اتخذها المغرب» في مجال حماية حقوق الإنسان، خصوصا تبني مدونة للقضاء العسكري والانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وتسهيل زيارات العديد من وفود البرلمانات الوطنية الأجنبية زارت المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة لبعثات دبلوماسية ومؤسسات حكومية وغير حكومية، إضافة إلى صحافيين وباحثين.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره إلى فهم مستقل ومحايد لحقوق الإنسان في الصحراء واقترح تولي مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان مهمة مراقبة حقوق الإنسان بالمنطقة دون ان يقدم أي تفاصيل وقال التقرير «أدعو الأطراف إلى مواصلة وتعزيز تعاونها مع آليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بما في ذلك تيسير عمل بعثات مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان إلى الصحراء الغربية ومخيمات اللاجئين قرب تندوف».
وأضاف بان «هذه البعثات وأشكال التعاون الأخرى في المستقبل، ينبغي أن تسهم في فهم مستقل ومحايد لوضع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية والمخيمات بهدف ضمان حماية الجميع.» وهو ما اعتبرته جبهة البلوليساريو مكسبا الا انه مكسب مؤجل لأن آلية عمل المفوضية تحتاج إلى مشاورات ومفاوضات مع الأطراف المعنية قد تمتد لسنوات.
المغرب تنفس الصعداء ايضا لأن بان كي مون لم يذهب بعيدا في مسألة الثروات الطبيعية للمنطقة التي كانت جبهة البوليساريو ومؤيدوها يطالبون بوضعها تحت وصاية الأمم المتحدة ويؤكد كي مون على أن الوضع في الصحراء الغربية، التي تواصل الاستفادة من «استثمارات عمومية هامة»، لاسيما في مجال البنيات التحتية الطرقية والمينائية «يظل هادئا على الإجمال» وأضاف التقرير انه لاحظ الاهتمام المتزايد بثروات الصحراء الغربية ودعا جميع الأطراف الفاعلة إلى احترام مصالح سكان الصحراء الغربية عندما يتعلق الأمر بالموارد الطبيعة للإقليم.
وأعطى بان كي مون ورقة لكل من المغرب وجبهة البلوليساريو في موضوع اللاجئين حيث دعا المجتمع الدولي إلى تكثيف الدعم المقدم للاجئين الصحراويين وقال أن دعم اللاجئين يجب أن يبقى أولوية لدى المجتمع الدولي خاصة في ميادين التغذية والصحة والمياه وغيرها من القطاعات الحيوية، وهو ما يعتبر ثقة بجبهة البوليساريو بعد اتهامات أوروبية لها باختلاس وتبديد هذه المساعدات كما دعا، لأول مرة في توصياته، إلى إحصاء ساكنة مخيمات تندوف بالجزائر حيث التجمع الرئيسي لجبهة البوليساريو واللاجيئن الصحراويين، وهو ما يطالب به المغرب لان الإحصاء بإلاضافة إلى تحديد عدد اللاجئين ومتابعة مصيرهم وحقوقهم الا انه يمنح اللاجئ حق الاختيار بين العودة لموطنه أو البقاء بالمخيم او الانتقال إلى مكان اخر.
وبالنسبة للمغرب فإن الاحصاء سيؤدي بالضرورة إلى تفكيك المخيمات، وبالتالي فقدان جبهة البوليساريو ورقة قوية في النزاع وعبر بان كي مون عن قلقه تجاه توقف الزيارات العائلية المقسمة على طرفي النزاع، داعيا الطرفين إلى حل القضايا العالقة واستئناف البرامج الإنسانية الهامة لمصلحة سكان الصحراء الغربية.
سياسيا دعا الأمين العام للأمم المتحدة المغرب وجبهة البوليساريو إلى «مضاعفة الجهود للتفاوض على حل سياسي»، للنزاع الصحراوي و «الحوار الجدي» مع موفده الشخصي كريستوفر روس وقال انه «بعد 40 عاما من بدء هذا النزاع لا شيء يبرر البقاء على الوضع القائم» وان كان «من المبكر جدا القول ما إذا كانت المقاربة الجديدة التي اختارها» روس، والتي تقوم على اتصالات ثنائية وزيارات مكوكية دبلوماسية ولكن دون محادثات مباشرة، «ستؤتي ثمارها». وجاء في التقرير «أكرر دعوتي إلى الأطراف لمضاعفة الجهود من أجل التفاوض على حل سياسي عادل ودائم يضمن للصحراويين ممارسة حق تقرير مصير طبقا لأسس ومبادئ وثوابت ميثاق الأمم المتحدة وآلياتها واعرب عن اسفه لعدم إحراز تقدم لحل النزاع الصحراوي منذ تقريره الذي قدمه في نيسان/ أبريل 2014 وبعدم تحقيق أي تقدم في المحادثات وأكد بان كي مون أن التوصل إلى تسوية سريعة لنزاع الصحراء الغربية سيساهم في تخفيف المخاطر المحتملة التي يمكن أن تشهدها منطقة الساحل والصحراء. وعبر الأمين العام للأمم المتحدة عن قناعته في قدرة مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي ككل على لعب دور حاسم لحل للنزاع في الصحراء الغربية وأكد في توصياته أن دعم مجلس الأمن والطرفين والبلدين المجاورين لمهمة المبعوث الشخصي كريستوفر روس مهمة في هذا الظرف من أجل تحقيق تقدم في العملية التفاوضية، منبها إلى أن طول أمد النزاع ومرور أكثر من ثماني سنوات على تقديم مقترحات الطرفين وعدم تحقيق تقدم في إيجاد حل، يمكن أن تكون مبررا للأطراف في الاستمرار في الحفاظ على الوضع الراهن وبالتالي عدم الانخراط في البحث عن مقترحات بناءة تؤدي إلى إيجاد حل للنزاع.
محمود معروف