كنت وما زلت، من المؤمنين بشدة بمسألة مراجعة الكتب، أو وضع قراءة مختصرة لها، تلك التي يقوم بها مثقفون غير متخصصين في الغالب، في النقد وأيضا قراء عاديون، تمرسوا على مطالعة الكتب لسنوات طويلة، ويمكنهم بسهولة شديدة أن يغوصوا في أعماقها ويستخرجوا إضاءات جيدة، ومن الممكن جدا أن يفيدوا حتى الكاتب نفسه، حين ينبهونه إلى قصور ما في كتاب أصدره، أو يوحون إليه بفكرة جيدة، لم تخطر يوما بباله، ويمكنه كتابتها في نص مستقبلي، وكنت قبل أن أعيد كتابة روايتي القديمة: «صيد الحضرمية»، الصادرة أواخر تسعينيات القرن الماضي، وأصدرها تحت عنوان جديد هو: «اشتهاء»، قد اطلعت مصادفة، على قراءة «لصيد الحضرمية»، في إحدى الصحف العربية، من قارئ بعيد تماما عن الكتابة، حيث نبهني إلى أشياء إيجابية، وأشياء سلبية أيضا، وكتب أن النص سيبدو أفضل لو أعاد الكاتب كتابته، متخففا من الصور الشعرية الكثيفة.
هذا ما فعلته بالضبط، حيث أعدت الكتابة متخففا من الشعر، وصوره المكثفة، وتاركا للحكي أن يسيطر، ومهما كان من نجاح النص الجديد، أعني نص اشتهاء، أو عدم نجاحه، لكنه يدعم بشدة، فكرة أن يستفيد الكاتب من رأي القارئ العادي، سعيا من الجميع لأدب أفضل، وقراءة أعمق، في زمن لم تعد للقراءة فيه أولوية كبيرة.
شيء آخر جعل ما يكتبه المبدع متاحا، وما يقرأه القارئ من مراجعات أو ملاحظات، متاحا أيضا، وهو انتشار سحر الإنترنت ووصول خطواتها الواسعة، لأي شبر من أشبار الأرض، وحتى إلى أماكن لا يتخيل المرء أن فيها بشرا، إضافة لازدياد اهتمام الناس بفضائها الرحب، وممارستهم لكثير من الأنشطة عبرها، ومن أهم هذه الأنشطة: التسوق.
إذن الكتب أصبحت متاحة إما إلكترونيا، وهذه ما زالت في طور البدايات من ناحية ممارسة القراءة عبرها، في رأيي، لأن القراء في معظمهم ما زالوا تقليديين في عشق الكتب، ورائحتها المميزة، وتقليب صفحاتها باستمتاع قبل الدخول في مزاج القراءة، أو بطلب الكتب عبر مواقع الشراء الإلكترونية المنتشرة كمتاجر حرة، تبيع الكتب وتوصل الكتاب لمن يطلبه في أي مكان، يوجد فيه، عبر البريد، وقد جربت شخصيا التعامل مع موقع أمازون الواسع، والرائد في بيع الكتب عبر الطلبات مباشرة، لمن يملك حسابا فيه، وطلبت كتبا لم أعثر عليها في المكتبات، ووصلتني في عدة أيام، وكنت مرة في بريطانيا، وطلبت كتبا علمية حديثة، فوصلت في اليوم الثالث إلى العنوان الذي كنت أقيم فيه.
إذن الإنترنت سهلت الكثير من المشاق السابقة، ومهدت لعلاقات إيجابية، ستنمو بين القراء وبعضهم في مواقع خصصت للقراءة وحدها، ولأندية مناقشة الكتب التي يكونها القراء الشغوفون بالمطالعة، بحماس شديد، لتتعدد ويتعدد دورها، ولدرجة أن تسعى بعض تلك الأندية لاستضافة الكاتب الذي سيناقش كتابه، لدى المجموعة، شخصيا من أي بلد يوجد فيه، إلى البلد الذي فيه أغلبية أعضاء نادي القراءة، لمحاورته مباشرة، بعيدا عن أي ساتر، وكنت من الذين أسعدهم الحظ وخضت تلك التجربة وكانت صادقة ورائعة، وتستحق الشكر عليها فعلا، والتحية لنادي القراءة الذي أقام الفعالية.
تحدثت عن إيجابيات مراجعة الكتب، بواسطة غير المتخصصين أكاديميا، وهذه الطريقة هي نفسها المتبعة في الخارج، وتجد إقبالا كبيرا، والكتاب الذي تتم مراجعته بهذه الطريقة السهلة المختصرة، التي هي في النهاية، وجهة نظر لقارئ، يشبه القراء الآخرين، غالبا ما يحترم، من أولئك الآخرين، ويباع بطريقة جيدة. وأول ما يبحث عنه الناشرون إن أرادوا ترجمة كتاب ما من لغته إلى لغة أخرى، هو ما كتب عنه من مراجعات بسيطة، غير معقدة، لا دراسات أكاديمية صعبة الاستيعاب.
الآن، ما هي سلبيات المراجعة العادية للكتب؟
لقد انتبهت في خلال تجولي في الإنترنت، إلى أن بعض الذين يدخلون مواقع قراءة الكتب، ويسجلون ملاحظاتهم، بعيدون تماما عن نهج القراءة المفترض أنهم دخلوا لإحيائه. هناك من يكتب صفحة كاملة عن موضوع آخر لا علاقة له بالكتاب الذي ينتظر مراجعته، هناك من يضع قصصا وخواطر من صياغته، هناك من يقيم الكتاب تقييما ضعيفا بلا أي وجهة نظر تدعم تقييمه، وتقنع الآخرين، وغالبا ما يكون مجرد شخص دخل للسياحة فقط، وربما لمعاكسة قارئات مسجلات ومجتهدات، وهناك من يرتفع بقيمة كتاب، وأيضا لم يقرأه، فقط هناك من سبقه بالإشادة وسار على نهجه، والعكس، حين يسير آخرون خلف رأي سلبي، بلا قراءة.
في إحدى المرات وأنا أعبر بأحد تلك المواقع، التي تلهمني كما قلت، وتساعد في محاولة كتابة نص قليل العيوب، وأيضا تلهمني ببعض المواقف وتمدني بشخصيات أحتاجها كوقود للكتابة، لفت نظري قارئ يتحدث عن نص لكاتب قدير، واصفا إياه بأنه بلا فكرة ولا لغة ولا تقنيات كتابية، وبالطبع كان كلاما غريبا، فلا يوجد نص في الدنيا حتى لو كتبته جدتي الأمية التي لا تفهم في التقنيات، يأتي بهذه الأوصاف التي ذكرتها، إنها مجرد فضفضة بلا معنى من واحد مسجل في موقع القراءة أراد أن يكتب شيئا في الفضاء الحر.
في مرة أخرى كانت ثمة قارئة، تركت النص وفنياته وأسهبت في الحديث عن صورة الكاتب على الغلاف الأخير، عن شعره غير المرتب، ونظرته المتعالية على الناس وابتسامته المغرورة، التي تغيظ كل من يقرأ كتابه… هكذا. وهذه بالطبع مسألة لا علاقة لها لا بالكتابة ولا بالقراءة.
أخيرا أود أن أقول بأننا فعلا نريد القراء متفاعلين، ومستعدين للتفاعل معهم كقراء في المقام الأول، من الذين أحبوا الكتب وما زالوا يحبونها، فقط لو تستقيم بعض الأمور، وتصبح المراجعة التي يخطها قارئ غير متخصص، صحيحة وعادلة، وبعيدة عن الفوضى التي لها أماكنها على الشبكة، بكل تأكيد.
كاتب سوداني
أمير تاج السر
بسم الله الرحمٌن الرحيم .
لقد أثرت موضوعا مهما يحتاج إلى نقاش مستفيض , وأنا أتابع ماتكتب في هذه الجريدة , لكن ما أود أن أقوله : إننا شعب لانقرأ أو نقرؤ قليلا , وتعمدت أن أكتب الهمزة على الواو في كلمة نقرؤ مخالفا إياك وكيرا ممن يكتبون الهمزة على ألف في هذه الكلمة وما يشبهها في اللفظ مراعيا كتابة قاعدة الهمزة المتوسطة والمتطرفة , ولقد عوتب طه حسين في كتابة الهمزة كما كتبت , راجيا ألا تعتبرني كالفتاة التي انتقدت صورة الكاتب .
وآلان عود على بدء , فنحن شعب قليل القراءة وهذا معروف لدى الكيرين , وأنا كاتب
لي عشرة كتب مابين رواية وقصة ومقال ,ولكن لو سألت أولادي الستة ومعظمهم جامعيون عن أسماء الكتب التي كتبها أبوهم لما عرفوا , وعندما كان ينشر لي مقال في الجريدة أعرضه عليهم , فبقولون : آه ممتاز دون أن يقرؤوه .
كم أتمنى على الكتاب والمفكرين والمثقفين العرب عامة معالجة هذا الموضوع وإعطائه الأهمية الكبرى فيما يكتبون وفيما يقولون .
في حياتي التدريسية الطويلة كنت أخصص حصة للمطالعة ,وأطلب من التلاميذ كتابة موضوع عن الكتب الذي بين يديهم .
ماقلته جميل ومفيد , وشكرا للك وللجريدة التي تيير مثل هذه المواضيع
السلام عليكم
جميل جدا أن نراجع الكتب التي طالعناها زيادة للفائدة …ولكن العيب لمّا ننسى كتّابها ويطويهم الزمن بالنسيان المفتعل لكثير من علمائنا وادبائنا لا لشي سوى موقف جرئ منهم أو كلمة حق صدرت منهم وهذا حال (شهيد العلم المفكر مالك بن نبي وغيره كثر..)
والموضوع المراد التنبيه له هو:((شهيد العلم مالك بن نبي))
سيدي الكاتب (تاج السر)كما تعرف ونعرف أنّ العلامة((مالك بن نبي)) قد همّش اعلاميا حتى نجد من طلابنا من لايسمع بذكره ناهيك عن جنسيته وذلك بفعل فاعل ربما مرده لحقبة سابقة ومواقفه الجريئة والعلمية التي كان يتمبز بها في وقت كان مسار التفكير أحادي ومنذ ذلك الوقت علا اسمه مسحة من غبار النسيان فنسي ولم يعد أحد يفكر فيه ولو بمقال أو تحقيق صحفي لا من قبل الاعلاميين ولا من قبل أهل الاختصاص من أهل العلم والادب ..
سيدي نداء اريده أن يصل مسمعك ومسمع المهتمين والغيورين على أهل العلم والمعرفة والذين يحاربون تانسيان العمدي وشبه العمدي والمقصود ويعيه فكرك وفكرهم ويرق له قلبك وقلبهم أن تنورنا بما وهبكم الله من علم وافر وقلم نير بموضوع حول حياة((شهيد العلم مالك بن نبي))
في الاخيرة معذرة إن أثقلك عليك فإقتراحي مجرد صرخة من أجل اعادة الاعتبار لرجل يستحق هذه الاهمية ….
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
“لفت نظري قارئ يتحدث عن نص لكاتب قدير، واصفاً إياه بأنه بلا فكرة ولا لغة ولا تقنيات كتابية، وبالطبع كان كلاماً غريباً، فلا يوجد نص في الدنيا حتى لو كتبته جدتي الأمية التي لا تفهم في التقنيات، يأتي بهذه الأوصاف التي ذكرتها، إنها مجرد فضفضة بلا معنى”.
لا شك أن ما أورده الطبيب الروائي أمير تاج السر كلام جميل ورائع، ويستحق القراءة، وهو ما يؤخذ على الكثير من بعض القراء وحتى الناقدين.. الذين شوهوا صورة الكاتب، وأساؤوا الى ما يتناوله لمجرد المشاركة وابداء الرأي، وهذا ما يحدث على الساحة العربية الثقافية اليوم!
وما قاله الكاتب الروائي أمير تاج السر، الغني عن التعريف، بما صار يعرف بكثرة الكتبة وانتشارهم بلا طائل، ومنهم من أساء استعمال اللغة بهدف الاساءة الى عمر وزيد من الناس، من الكتاب، ويمكن أن نطلق عليهم بـ “أعداء النجاح”
!